صراحة نيوز – بقلم د . صبري الربيحات
في الأوساط الأردنية يتطلع الناس إلى ولادة تصور شامل لبناء اقتصاد وطني قوي ومتكامل ينهض بكافة القطاعات ويخفف الاعتماد على الديون والإعانات ويوجد فرصا كافية للعمل الكريم المجدي ويحقق النمو والازدهار المرجو وينهض بمستوى الدخل ونوعية الحياة.
الأردن الذي استطاع الحفاظ على استقراره السياسي في أحد أكثر أقاليم العالم اضطرابا وتبدلا يدخل بعد عام من الآن المئوية الثانية ليصبح واحدا من أقدم الأنظمة السياسية وأكثرها استقرارا بالرغم من شح الموارد وتوالي الحروب والكوارث والأزمات وبقاء معادلة الموارد والسكان متغيرة ومختلة ومضطربة بفعل موجات الهجرة واللجوء التي تعاقبت على البلاد خلال الثمانية عقود الأخيرة من عمر الدولة.
كأحد أقطار المواجهة في الصراع العربي الإسرائيلي وكبلد استقبل ملايين المهجرين من بؤر الصراع أولت البلاد اهتماما كبيرا لاقتصاد يقوم على توفير الرعاية والخدمات فأسست المدارس والجامعات وعنيت بالصحة والتعليم وبنت جيشا مدربا منضبطا وكادرا إداريا اعتبر نموذجا يقدم المساعدة والتدريب للأشقاء والجيران العرب وقد دخل الأردن في علاقة اعتماد متبادلة مع الجيران العرب لعقود قبل أن تنهي الدول العربية بناء مؤسساتها وتقلل من اعتمادها على الكوادر الأردنية في التدريب والتأسيس والتشغيل لبعض المؤسسات الناشئة حديثا.
ضمن إطار الجامعة العربية وكتعبير عن التزامها بالدفاع عن الأمة العربية وقضاياها العادلة كان العديد من الدول العربية الغنية تقدم معونات مادية وعسكرية للدول العربية المحاذية لفلسطين المحتلة ومنها الأردن، وقد بقيت هذه الإسهامات طوال العقود التي شهدت فيها المنطقة صراعات وحروبا مسلحة وإلى أن وقعت مصر والأردن والمنظمة الفلسطينية معاهدات منفصلة مع الكيان الإسرائيلي.
في أعقاب توقف حالة الحرب جرى خفض مستويات الدعم الذي يتلقاه الأردن وبالتزامن مع تراجع الطلب والحاجة للكفاءات الأردنية في الأسواق العربية الأمر الذي دفع بالبلاد إلى البحث عن مصادر لتعويض هذه الموارد والتكيف مع الأوضاع الجديدة. المحاولات التي قام بها الأردن لإعادة بناء الاقتصاد وتحسين مستوى النمو والناتج القومي اصطدمت بكثير من العقبات التي ليس أقلها محدودية الموارد وصعوبة توفير مصادر كافية من المياه والطاقة لتتفاقم المشكلات برحيل النظام العراقي الذي كان يزود الأردن بالطاقة.
بالرغم من الطموحات الكبيرة التي تطرحها القيادة وتعد بها الحكومات إلا أن الانجازات الفعلية متواضعة ومحدودة. في كثير من الأحوال يبدو أن التصور الأردني للاقتصاد يستند الى افتراضات وأطر تهمل الأبعاد التنموية والأنشطة المولدة لفرص العمل والمرتبطة بالإنتاج ورأس المال الوطني.
في الأردن لا تزال الزراعة بعيدة عن اهتمامات المخططين حيث عانى القطاع من الإهمال والتجاهل لعقود. فبالرغم من امتلاك الأردن لمساحات واسعة من أراضي الأغوار الصالحة للزراعة والغنية بالمياه الجوفية إلا أن العائد من هذه الزراعات بقي محدودا مقارنة بالأقطار والمجتمعات المجاورة. فعلى امتداد وادي الاردن تعتبر الزراعة نشاطا فرديا يقع خارج دائرة الرعاية والإرشاد والتسويق حيث يعاني المزارع من نقص الخبرات والإرشادات وقلما يلمس آثارا حقيقية للبحث والإرشاد الزراعي كما يواجه مشكلات كبيرة في جني وتسويق المحاصيل التي قد لا تتناسب مع احتياجات ومطالب السوق. بالمقابل يجد المزارع على الضفة المقابلة لنهر الأردن الكثير من التسهيلات التي تمكنه من زراعة انواع مطلوبة في أسواق عالمية تؤمنها الدولة وشركات التسويق كما تعكف المؤسسات والمنشآت البحثية والتقنية على تطوير الآلات والتكنولوجيا الميسرة للأعمال الزراعية.
وكما في الأغوار يعاني المزارعون في المناطق الصحراوية من مشاكل الاختناقات التسويقية بسبب الاستيراد لمنتجات منافسة بسبب حصول السماسرة والمتنفذين على رخص وأذونات لاستيراد أنواع خضار وفواكه من مصادر وبلدان أخرى في ذروة موسم الإنتاج المحلي مما يتسبب في خسارة المزارعين وإحباطهم. غياب الرؤيا لدى المشرفين على إدارة القطاعات وتداخل الصلاحيات وغياب الرقابة عوامل مهمة تسهم في تدمير القطاعات وتحميل المزارع الأردني أعباء مالية كبيرة غالبا ما تدفع بهم خارج السوق.
في حديث دولة الرئيس عن الزراعة ودورها في تلبية احتياجات الأردنيين ما يبعث على الأمل في تبني الأردن لإستراتيجية زراعية تعظم من دور الإنتاج الزراعي وإحياء مهنة الآباء والأجداد. الدعوة الى حصر الاراضي الصالحة للزراعة وتشجيع المواطن على العمل بالزراعة والاهتمام بالزراعات النوعية أفكار مهمة على طريق نهضة زراعية يمكن أن تؤثر على بقية القطاعات الأخرى.