للبيع.. وبدون وسيط

29 يناير 2019
للبيع.. وبدون وسيط

صراحة نيوز  بقلم د صبري الربيحات 

الرغبة لدى الأردنیین في تملك البیوت والعقارات تفوق رغبتھم لأي حیازة اخرى. جذور ھذه الرغبة عائدة لقیمة ملكیة الارض واھمیتھا في تحدید المكانة والوجود والى الاثر النفسي الذي احدثھ فقدان الفلسطیني للارض ورغبتھ في التعویض عن احساسة بالفقد.

لھذه الاسباب یمضي الكثیر من الأردنیین اعمارھم في السعي لامتلاك بیت او التوفیر لشراء عقار. في القرى والمدن الأردنیة ما أن ینھي الآباء بیوتھم حتى یباشروا بالتجھیز لبناء بیوت للابناء وفي حالات كثیرة تبقى شمع البیوت المكشوفة على سطوح المنازل شاھدا على أن مشروع البناء ما یزال قائما ومستمرا. خلال العقود الخمسة الماضیة شھد الأردن تمددا حضریا وتطورا عمرانیا یفوق بدرجات كبیرة معدلات النمو الاقتصادي وامكانات الاسر المالیة المتواضعة.

الكثیر من الانجازات الاقتصادیة التي حققتھا الاسر والافراد جاءت بفضل البیع والشراء للعقار الذي ازدھر سوقھ بفضل وجود تشریعات أردنیة تتیح لغیر المقیمین التملك وبعكس التشریعات الخلیجیة التي حرمت على غیر الرعایا التملك العقاري. في الأردن نشأت علاقة شراكة بین المغتربین الراغبین في التملك وابناء البلدات والقرى المحیطة بعمان ممن امتلكت عشائرھم الاراضي والعقارات فعملا معا على احداث نھضة عقاریة واسعة استمرت لعقود.

الیوم یشھد السوق العقاري الأردني تراجعا حادا وكما في العدید من القطاعات الاخرى.

ارتفاع كلف الانتاج وزیادة الرسوم والضرائب دفعت البعض الى تقلیص نشاطھم او نقل اعمالھم الى بلدان اخرى. البعض الآخر فضل ان ینھي صلاتھ بالمكان فتملكوا بیوتا وعقارات في تركیا ومصر والمغرب وكندا وغیرھا من بلدان العالم الامر الذي دفع بھم الى بیع بیوتھم وعقاراتھم في الأردن لترتفع نسب ما ھو معروض عن حاجات السوق للشراء والتملك.

منذ ایام رافقت بعض الاصدقاء العرب في جولة داخل بعض احیاء عمان الغربیة. وفي ملاحظة صادمة علق احدھم قائلا ”ایش فیكم انتم عارضینھا للبیع “ فسألت الصدیق عن قصده لیجیب ”طالع وشوف كل اشي عندكم للبیع“

ملاحظة صدیقنا العربي صادقة ویصعب تفسیرھا فإعلانات البیع في كل مكان في الشارع وعلى صفحات الجرائد والمواقع الالكترونیة. الناس یعرضون قصورھم وبیوتھم واراضیھم للبیع اما للحاجة او كنتیجة لتغیر مكان السكن والھجرة الى بلدان عربیة وغیر عربیة.

ظاھرة البیع لا تتوقف عند حدود عمان فالیافطات والاعلانات تنتشر في شوارع واحیاء المدن الأردنیة شمالا وجنوبا اینما اتجھ البصر تجد الیافطات تتدلى من الشرفات او ملصقة على جدران الشوارع ومثبتة على زوایا قطع الاراضي.

التلھف للبیع والسعي لاستمالة الزبائن المحتملین تدفع بعض الملاكین لتضمین الاعلانات اغراءات اضافیة یقع في مقدمتھا امكانیة التقسیط وبدون وسطاء.

الاشارة في الاعلانات الى تغییب الوسطاء اعتراف ضمني بتفضیل الاطراف الى عقد صفقاتھم  بلا سماسرة ووسطاء، فھي جھات لا تملك المال ولا العقار لكنھا تتحكم في المعلومات  وتوظفھا لخلق نوعین من القناعات عند الاطراف. فیعتقد البائع بانھ الرابح بفعل الروایة التي یعدھا الوسیط والمغایرة لما قد یقدمھ للمشتري.

التلوث البصري الجدید ینزع من فضائنا الجمال الذي كان احد اكثر مظاھر عمان الحدیثة واقوى عناصر الجذب التي تدعو الزوار الى التجوال في احیائھا وشوارعھا.

الاحجام والالوان والطریقة والاماكن التي تثبت فیھا اللافتات تسرق جمال المدینة وتخلق لدى الساكن والزائر الانطباع بان المدینة معروضة للبیع.. بالقطعة والمفرق .

 

الاخبار العاجلة