صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
لم يتبقَ شيئاً من سُمعة هذا الوطن الذي كان متميزاً بين أشقائه ، إلّا وتم تشويهه . إنحراف القائمين على إدارة الوطن عن النهج الذي كان صائباً ، وصحيحاً هو سبب ما وصل اليه الوطن من إنحدار . وهذا الإنحدار الذي أوشك ان يصل حدّ الإنهيار ، أدى لإنحدار قيم المواطن . ولأن المواطنة ليست إنتماءاً ، ولا عِشقاً طوباوياً لتراب ، بل إن علاقة المواطن والوطن علاقة تخضع لتبادلية المنافع ، يحكمها إطار الحقوق والواحبات . فإذا إختلت هذه المعادلة ، إنتفى شعور المواطنة ، وإختفى الإنتماء . وهذا ما حصل في وطني الحبيب الذي كان عزيزاً على كل مواطنيه ، ومُقدّراً عند غيرهم .
سَمِعتُ ، كما سَمع غيري عن ما تعرض له المتقاعدون العسكريون الذي سافروا الى دولة قطر الشقيقة في مهمة محددة تتعلق ببطولة كأس العالم التي ستعقد في قطر . وخَجِلت من إنعكاس ما حصل على سمعة وطني ، وأسِفتُ لما تعرض له المتقاعدون العسكريون من إهانات ، وعدم وفاء في تقديم ما إتُفق عليه ، وصَعُب عليّ ما تسببنا به لدولة قطر الشقيقة من إرباك ، وإنعكاسات سلبية على سمعتها في وقت صعب وحرج ، لأن كل العالم يَرقُبُ أي خطأ تنظيمي من دولة صغيرة — لكنها عظيمة الهِمة — تحدّت كل العالم بإنجاح تنظيم هذه البطولة العالمية .
الخلل كبير ومُعيب ، منذ بداياته ، والجهات الأردنية الرسمية هي المسؤولة عن هذا الخلل منفردة . وقد يقول قائل لماذا !؟ أقول له مايلي :- لماذا لم تقم الجهة الرسمية التي إبتعثتهم بالمهمة كاملة ، ولا أظنها صعبة . وإذا إضطرت تلك الجهة الى تكليف القطاع الخاص بهذه المهة ، فليكن ، لكن من أبجديات ذلك بداية ، طرح مناقصة للقطاع الخاص المتخصص ، ليتم فرز أفضل المتقدمين ، ثم يتم التأكد من الكفاءة ، والخبرة ، والسُمعة ، والملاءة المالية ، وحُسن سيرة القائمين على الشركة ، والتأكد من مسيرتهم المهنية . بعدها يتم تنظيم عقد متكامل يحدد المسؤوليات ، ومستوى الخدمات ، ومن ثم يقوم وفداً رسمياً بزيارة المواقع ، ليقيّم مستوى الخدمات على الواقع في دولة قطر ، ويطلع على العقود التي وقعتها الشركة مع الجهة القطرية ، ومراعاة تجزأت الدفعات للشركة الأردنية وفق تواريخ ، او مراحل محددة . وقبل وصول المتقاعدين الى قطر ، يكون قد سبقهم ممثلين للجهة الرسمية ، وبرفقتهم ممثلي الشركة مع إدارتها العليا .
أعتقد ان من حقي كمواطن أردني منتمي ، ومتعاطف مع المتقاعدين — لأنهم الطرف الأضعف ، وهم موضوع العقد — ومن خبرتي التراكمية في إعداد ومتابعة تنفيذ العقود والإتفاقيات لمدة تزيد عن ( ٤٠ ) عاماً باللغتين العربية والانجليزية ،من حقي أن أُفنِّد الإختلالات التي حصلت وأضرّت بالمتقاعدين ، وشوهت وجه الوطن .
للعلم التعاقد أنواع :- ١ )) تعاقد مُحترم هدفه الإلتزام التام وتنفيذ كل ما تم الإتفاق عليه . ٢ )) وتعاقد مُبهم ، تُستخدم فيه لغة وعبارات فضفاضة ، يمكن من خلاله التهرب من بعض الإلتزامات ، وتنفيذ جزءٍ منها . ٣ )) وهناك تعاقد صُوري ، يهدف الى التحلل من كل الإلتزامات واجبة التنفيذ ، ومراعاة وضع شروط شديدة الحبكة لضمان تحصيل المبالغ المتعاقد عليها ، وهذا النوع هو المنتشر في هذا الزمن الرديء ، لأنه نتاج تغلغل ، وتمأسُس الفساد في الوطن ، والذي من سمات شخوصه : السقوط القيمي ، والديني ، والاخلاقي ، والزئبقية في التعامل ، وإحتراف (( اللهَفْ )) . هذا إذا كانت هناك نية للإلتزام ببنود العقد ، مع ملاحظة وجود طرف ثالث لم تتم إستشارته ببنود العقد ، لا بل ولم يطلع عليها ، مع ان هذا الطرف هو موضوع العقد ، وهو المتضرر من عدم الالتزام ، حيث كان من الضروري ان يتضمن عقد كل فردٍ من أفراد المتقاعدين كل الواجبات المناطة بكل فرد ، والمكتسبات التي سيحصل عليها من خدمات ورواتب .
تألمت حدّ الشعور بالخزي لأنني أعرف الأسباب التي دَعت قطر لِتفضيل الأردنيين على غيرهم ، وتتمثل فيما عُرف عنّا من جدِّية ، وحِرفيه ، وإلتزام ، ودِقة ، وإنضباط ، ومصداقية .لكن كلها ذهبت أدراج الرياح وإنتهت فظهرنا فوضويون ، عشوائيون ، مُنفلتون ، غوغائيون ، مُخادعون ، كذابون ، فاسدون ، نصابون . تصوروا كيف يكون شعور القطريين من رجال أمن أتوا بهم لحفظ النظام يكسرون النظام ويتظاهرون بشكل غوغائي عدة مرات !؟
كان يُفترض ان تُشكِّل الجهة الرسمية الأردنية لجنة تضم إدارة الشركة ، وممثلين للمتقاعدين ، وعند إكتشاف أي تقصير ، يتم عقد إجتماع عاجل مع إدارة الشركة لتصويب الوضع ، وان يتم وضع كبار المسؤولين في الأردن بصورة الوضع ، للتسريع في تصويب الأوضاع ، وان يتم إطلاع السفير الأردني على ذلك ليكون له دور فاعل في ذلك ، كما كان من الضروري إطلاع وزير الخارجية ، لأنه وزير شؤون المغتربين ، وكذلك كان من الضروري إقحام رئيس الوزراء في الموضوع للإسراع في إيجاد حلول جذرية قبل إستفحال الوضع ، حفاظاً على سُمعة الأردن .
لكن عدم التدخل الفوري لإيجاد حلول جذرية وفورية ، أدى الى إرتكاب المتقاعدين أخطاءاً كثيرة ، فتجمعوا ، وتظاهروا ، وأضربوا عن الإلتحاق في أماكن عملهم لتدريبهم على مهامهم ، فظهرنا كغوغائيين ، هوجائيين ، وبدل ان نعمل على إستتباب الأمن أصبحنا نحن مشكلة أمنية مستعصية في بلدٍ لم يألف هكذا أسلوب إحتجاجي فوضوي ، ويُسابق الزمن لإستكمال تجهيزاته لإستضافة أكبر تظاهرة رياضية عالمية .
لولا ما إكتنف تجربتنا مع قطر من مثالب وعيوب يندى لها جبين كل أردني حُرّ ، كنت واثقاً ان عدداً ليس يسيراً من المتقاعدين العسكريين الأردنيين سيعودون بعقود عمل مع العديد من الجهات القطرية في القطاعين العام والخاص . وطني أصبح كما اليتيم على مأدبة اللئيم ، مع كل الحُزن ، والألم ، والأسف .