صراحة نيوز – كتب أسعد العزوني
رجل معجون بجين الرجولة والشهامة ،تعلم المباديء العسكرية وعمل بها وإلتزم بأصولها ، فحقق النصر في معركة الكرامة الخالدة التي نحتفل هذه الأيام بيوبيلها الذهبي ،رغم تراجع الحال وإنتقال الجميع إلى الإرتماء بالحضن الصهيوني رغم ان البعض قد خدع السذج منا بأنه ينتمي للعروبة والإسلام ،لكنه تبين للقاصي قبل الداني أن هؤلاء لم ولن يكونوا يوما ينتمون للعروبة او الإسلام ،وإنما هم من أبناء التيه اليهودي في الصحراء العربية الذين إكتشفهم بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني في الجزيرة العربية .
إنه الفريق الركن الراحل مشهور حديثة الجازي من عشائر الحويطات العربية الأصيلة ،والذي كان إبان معركة الكرامة الخالدة برتبة عقيد وكان قائد القوات الأردنية ،ويا حبذا لو لم تنسب معركة الكرامة للجغرافيا ،بل نسبت لراحلنا الكبير الذي صنع النصر وأنقذ كرامة الأمة من ذل كان سينهيها في ذلك اليوم.
لم تكن ميزته الأساسية هي وطنيته وحسه القومي العالي النبض فحسب ،بل كان رحمه الله شفافا ونزيها بدرجة عالية ،ولم يبخس الناس أشياءهم او يهدر كرامتهم بطمس إنجازاتهم ،وجاء في شهادته التي تدل على نزاهته أنه أعطى أوامره للجيش الأردني بالتنسيق مع كافة المواقع الفدائية الفلسطينية في المنطقة ،كما تم التنسيق مع الراحل أبو عمار وأبو صيدم ،لإيمانه بأهمية المعركة وانها حاسمة في تاريخ الأردن والمنطقة .
كان بطلنا رحمه الله حريصا على إبعاد السياسة عن المعركة حتى لا تفسدها وتكون مخرجاتها كما البيض الفاسد،وهذا ما يعطيه صفة الإخلاص والريادة في التفكير وتفضيل العام على الخاص ،وكان القرار الأردني –الفلسطيني هو ليس الصمود فقط أمام الغزاة بل تحقيق النصر عليهم وإلحاق الهزيمة بهم ،ولأن النوايا خلصت لله وللوطن فقد تحقق النصر فعلا.
كانت معركة الكرامة التي قادها بطلنا الراحل مشهور حديثة وشارك فيها كل من الراحل الحسين والراحل أبو عمار ،مدرسة حري بكافة كليات الحرب والمدارس العسكرية أن تنهل منها ،فقد أصدر الجازي أوامره للضباط بأن يكونوا في الصف الأول مع الجنود ،على غير العرف والعادة في المعارك حيث يكون الجنود هم الذين يحتلون الصف الأول، اما الضباط فيحرصون على التوجيه عن بعد حماية لأنفسهم من القتل.
قاتل الجميع ضباطا وجنودا أردنيين وفدائيين فلسطينيين بشرف جنبا إلى جنب ،بدليل ان هناك العديد من الضباط الأردنيين قد إرتقوا شهداء في سبيل الله والوطن والقضية ،بعكس ما درجت عليه المعارك الأخرى إذ تكون الخسارة في صفوف الجنود ،ولكن أوامر الراحل مشهور المشهور بإخلاصه للأرض والإنسان والقضية قضت بأن يكون الضباط في المقدمة مع الجنود.
يروى أن الضابط كاسب الجازي إبن عم بطلنا الراحل إتصل به هاتفيا ولاحظ إنخفاض صوته وأنه يتحدث بهمس ،فسأله عن مكان تواجده ،وأخبره انه في الخندق الأمامي القريب من مدرسة الكرامة وهو على النهر مباشرة ،وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على صمود القائد مع ان رتبته تبيح له الإبتعاد عن أرض المعركة وإدارتها عن بعد دون الإهتمام بالنتائج،ولكن النفس الأبية ترفض إلا ان تكون في المقدمة عند المواجهة .
كان رحمه الله صاحب قرار رغم ان القائد الأعلى للجيش وهو الراحل الحسين كان على أرض المعركة مقاتلا أيضا ،ومع ذلك فإن القيادة الصهيونية بعد أن تبين لها أنها منهزمة لا محالة ضحى ذلك اليوم ،طلبت وقف إطلاق النار لوقف نزف خسائرها ،وبعد ذلك إتصلت القيادة الأردنية براحلنا البطل تبلغه بذلك ،لكنه تمسك بإخلاصة وإنتمائه للرتبة التي أنعمها عليه جلالة القائد العام آنذاك الراحل الحسين .
رفض مشهور حديثة الطلب الصهيوني وتصرف كبقائد ميداني وصاحب قرار لأن همه الوطن ،ولذلك إستمر بالقصف المدفعي للغزاة حتى خرجوا من أرض الكرامة مذمومين مدحورين أذلاء يجرون وراءهم أثواب الذل والخزي ،ولم يتمكنوا حتى من تنظيف أرض الكرامة من نجاساتهم المتمثلة بمجنزراتهم ودباباتهم المعطوبة وإخلاء قتلاهم وجرحاهم.
تجلت شرفية الرجل برفضه وقف إطلاق النار رغم ان الصهاينة وكبادرة حسن نية اوقفوا القصف الجوي، الذي يتفوقون فيه بسبب إمتناع الدول العربية عن توفير منظومة جوية وغطاء جويا يحميه من الإعتداءات اصهيونية المتكرر آنذاك،وكان بأوامره العظيمة وموقفه الحاسم قد منع الغزاة من حرية الإنسحاب الآمن بسلام ،كما فعلوا بالجيش السوري في حرب عام 1982،عندما كانت آلياته منسحبة عبر طريق ضهر البيدر في لبنان ،وقاموا بقصفها جوا وتدميرها وقد رأيت ذلك بأم عيني،وبذلك يكون البطل الراحل مشهور حديثة قد سجل سابقة وهي ان جعل إنسحابهم تراجها إنهزاميا.
لم يسجل الجازي للأردن مكانته الرائعة فقط ،بل قام بتوسيع مساحته المعنوية وتكبيره بين الأشقاء برفع رأسه ،وقد سارع الأشقاء العرب آنذاء بتقديم الدعم المادي والإقتصادي للأردن ،لأنه كسر القاعدة وأثبت ان الجيش الصهيوني يمكن قهره وهزيمته بسهولة في حال توفرت الإرادة،وعندما يدق الرجال على صدورهم ،علما ان نسبة القوات الأردنية المشاركة آنذاك مع القوات الغازية كانت 1-15،ومع ذلك غلبت القلة المؤمنة الكثرة الغازية .
ويقول الراحل الجازي الحويطي:لم يكن لدينا غطاء جويا ،ولو كنا نمتلك هذه الميزة لأسرت الآلاف من جنودهم ،بل ولقررت العبور إلى الأراضي الفلسطينية ،وهذا دليل اكيد على عزم الرجل وصدق إنتمائه وطيب معدنه وحسن أصله.
لم يكن الجازي الحويطي عسكريا فحسب ،بل كان سياسيا مع انه أبعد السياسة عن المعركة حتى لا تبطل نتائجها ،وكان سياسيا محنكا ،ويقول وهو يتحدث عن السلام :نحن دعاة سلام وديننا يدعو للسلم ،ونحن ومنذ 50 عامل في حالة حرب دون نتيجة ،لكن ذلك لا يعني التنازل عن حقوقنا المسلوبة ،وهنا تحدث بشمولية ،ولم يقل بعضا من حقوقنا أو جزءا من حقوقنا.
وقال بإستشراف صادق أن المستقبل سيكون لصالح الأمة ،لأنه لا يوجد مستحيل ،فقد كانت معركة الكرامة درسا مبكرا من أصغر قوة في المنطقة وهي القوة الأردنية ،بإمكانية تحقيق الإنتصار عند توفر الإرادة.
رحم الله فقيدنا البطل الذي أسس لنصر مؤزر لم نحافظ عليه ،بل لم نرتق لعليائه بطريقته ،فقد إنفرطت المسبحة ولم يعد لدينا هذه الأيام لا مرجعية قومية ولا مرجعية دينية بعد فضيحة صفقة القرن ،ولكننا مؤمنون بما قال ان المستقبل لنا وان الغمة الحالية ستنقشع يوما بإذن ويبعث فينا ألف مشهور الجازي وألف عبد الله التل.