صراحة نيوز – بقلم حسين الرواشدة
ماذا يحمل “بايدن” في زيارته إلى المنطقة؟ أربعة ملفات متداخلة تتوزع بين طلبات عاجلة ،وعروض آجلة ، ووعود وتطمينات غير مضمونة، الملف الأول أمن إسرائيل، والثاني أمن الطاقة، والثالث “بازار” السلاح المعلق بالتهديد الإيراني.
أما الملف الرابع فهو أمن النظام السياسي العربي، المرتبط بمسألتين: إدماج تل أبيب ،وإضفاء الشرعية عليها ،ثم ضمان بقاء واشنطن في المنطقة، وعدم الانسحاب منها.
لكي نفهم الزيارة ،وما تحمله من رسائل، يمكن استدعاء أكثر من سياق وخلفية ،الأولى الحرب الروسية الاوكرانية التي هزت الأمن العالمي ،ودفعت أمريكا وأوروبا للبحث عن بدائل مضمونة للطاقة والنفوذ في منطقتنا.
الخلفية الثانية، التحولات العميقة التي شهدها الشرق الاوسط ،منذ انطلاق موجات الربيع العربي ،مرورا بزيارة ترامب (2017)، وما ترتب عليها من نتائج و تداعيات ،وصولا إلى الصراع على المنطقة ، بين روسيا والصين وحلفائهما من جهة ،وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى.
في إطار الصراع على النفوذ بالمنطقة، تتزامن زيارة بايدن مع زيارة بوتين لطهران،حيث تعقد قمة ثلاثية تشارك فيها تركيا ،ومن المتوقع أن تسفر عن تفاهمات بين الأطراف الثلاثة، حول ملفات الحرب بأوكرانيا ،والتعاون الاقتصادي والعسكري، والقضية السورية .
تبدو الزيارة وكأنها ردّ على جولة بايدن ،ومحاولة لصناعة “قطبية روسية” مدعومة بمحور إقليمي ،وسواء أكانت لإدارة الصراع أو لبناء حالة ردع وتوازن، فإن نتائج الزيارتين ستصب بعكس مصالح عالمنا العربي الذي تحول من طرف في الصراع ،إلى موضوع للصراع الدائر في المنطقة وعليها.
يمكن استدعاء السياسة ،هنا ،لفهم حالة الصراع على عالمنا العربي (والإسلامي)، زيارة بايدن بمثابة تتويج للمشروع الصهيوني، كما أن زيارة بوتين بمثابة دعم للمشروعين التركي والفارسي ،لا تسأل ،بالطبع ،عن المشروع العربي الغائب ، فقد تحول الى أوهام مشاريع متصارعة.
الزيارتان، أيضا، تصبان في رصيد أقطاب تتصارع على الزعامة في العالم ،وتبحث عن اقتسام الثروات ،ومناطق النفوذ والموارد، الواقع السياسي ،هنا ،يفرض اعتباراته على كافة الأطراف، من يجلس منها على الطاولة ، أو على مدرجات المتفرجين.
يمكن استدعاء التاريخ، أيضا ، من هنا مر المغول قبل نحو 800 عاما ،ومن هنا مرة سايكس بيكو حيث اقتسم الإنجليز والفرنسيون الكعكة بعالمنا العربي، من هنا مرت الحرب الباردة، بعد الحرب العالمية الثانية، وتحول عالمنا العربي لمعسكرين، أحدهما مع الاتحاد السوفيتي، والآخر مع أمريكا.
في الطريق ،سقطت فلسطين بيد الاحتلال ،ثم سقطت العواصم العربية تباعا بيد الغالب البديل ،عن المستعمر، من هنا ،أيضا ، مر “بوش الأب” على جثث العراقيين ،كما مر على جثث الأفغان، وعلى الطريق ذاته سيمر الزائرون الجدد، القادمون من وراء البحار، لكن مثلما كانت عين جالوت نهاية للمغول ،وطالبان نهاية لأمريكا بأفغانستان ،ستطبق النهايات على رقاب الغزاة والجبروت ،وتتحرر الأمة من هوانها، ذلك ليس ببعيد .
هذه ليست محاولة لفهم ما يحدث من تحولات و زيارات ،تتصارع على منطقتنا ،وعالمنا العربي ، سواء بمنطق السياسة المعطل والمرتبك ،الذي أدركه العجز عن مخاطبة العالم بلغة الندية والمصالح ،او بمنطق التاريخ الذي أخشى أن نستغرق فيه، دون أن نمتلك ما يلزم من أدوات ومصادر عزم وقوة، لصناعته من جديد .
ما أريده هو محاولة لقراءة أخرى، تتعلق بالمستقبل ،وما يجري من تحولات على صعيد الثنائيات الدولية، و مراكز القوى بالعالم ، وبالمنطقة أيضا ، فنحن أمام عالم بدأ يتغير ، وهذه فرصة لنا كعرب لكي نتغير أيضا.
لنبدأ” ماراثون ” التغيير ،نحتاج لمسألتين ،استحضار الوعي ثم الأمل ، وبينهما مساحة كبيرة للعمل و النهوض من جديد ، تصوروا لو انه “قمة” انتصبت لثلاثة قوميات في الإطار الحضاري الواحد لأمتنا، شارك فيها العرب وتركيا وإيران ،وما أكثر المشتركات والمصالح بينها (دعك من الاختلافات )، ثم توافق المشاركون على اهداف موحدة، تصوروا ،عندئذ، كيف ستكون أصداء زيارة بايدن وبوتين ، وأي خطابات ورسائل ستصلنا منهما ، او- الأصح -أي مواقف سنبعثها لهما، ولغيرهم في هذه المنطقة، وفي العالم أيضا.
يا حسافة..!