صراحة نيوز – موسى العدوان
في كتابه ” أوراق مطوية في كتاب الزمن ” يقول اللواء عمر المدني ما يلي وأقتبس :
” أحبائي: أرجو أن تعلموا أن الرأي الصريح الحر، قوة ينبغي أن لا تخلو منها أمة من الأمم، الآخذة بأسباب الحضارة. ووجود هذا الرأي ألزم من وجود البرلمانات، في ضمان العدالة والحد من طغيان السلطات الحاكمة. لأن هذا الرأي يتطرق عادة إلى ذلك الفساد الذي يشوب أعمال النظم السياسية والاجتماعية، فهو صادر عن قلب حر نبيل ارتفع عن دنيا الأغراض والمجاملات. على أن المشكلة هي دائما : كيف نعثر على هذا الرأي ؟
قد نستطيع أن نظفر بالعنقاء أو الغول أو الخل الوفي . . ولكننا لن نستطيع أن نظفر في كل زمان بصاحب الرأي الصريح الحر، لماذا ؟ لأن هذا المخلوق ينبغي أن يكون مركبا تركيبا مخالفا لتركيب أغلب البشر، فلابد أن يكون قد عرف أن يستغني عن الناس، وأن يكون قد وطّن نفسه على أن يمضي في طريقه دون أن يعبأ بسهام الناس التي أصابت جسده، وألاّ يكون له عند أحد حاجة ولا مطمع. وأن يكون محبا للوِحْدة، ميالا للعدالة، قانعا من الدنيا بأبسط متاع وأقل مؤونة.
ذلك أن أول خطوة في هذا الطريق الوعر يصادفها صاحب الرأي الحر، هي فقدان الأصدقاء والأعوان، ثم يلي ذلك تألب الجميع عليه، لأنه لم يرضِ أحدا ولم يمالئ مزيفا ولم يعتصم بجاه جهةٍ من الجهات، ولم يستظل بقوة من القوى،إنه وحده منبع كل شيء. وهو بمفرده الواقف في وجه الجميع. ولكن راية الرأي الحر تبقى خفاقة في الهواء عالية مرفوعة في يده الميتة.
لقد أتاحت لي الظروف أن أطلق رأيي ذات يوم حرا في بعض الأمور، فأحسست في الحال أني فقدت كل سند من كل جهة من الجهات، ولم يعد لي صديق، ولم يبقَ لي سوى عيون نارية تنتظر ساعة الانقضاض علي والفتك بي. ألم حدث هذا في حياتي العملية . . . ورغم ذلك كله شعرت في عين الوقت، أن في يدي شيئا تحقق عاليا . . أدركت أنه هو وحده الباقي “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
الصراحة المطلقة في مختلف المواقف غير مقبولة، لأن الكذب والمجاملة أصبحا سمة المجتمعات العربية، التي تفرض علينا عدم الجرأة في التعبير بصراحة، عما يختلج في صدورنا تجنبا لدفع الثمن.
والصراحة تعتمد على الموضوع المطروح، والأسلوب الذي تتم به المصارحة. فإن كانت القضية تتعلق بمصالح الوطن والشعب، يجب أن لا تخضع للمجاملة، بل يجب أن تُقال لصاحب القرار بمنتهى الصراحة والصدق، لكونها نصيحة تصحح مسار الوطن. وأما أن كانت القضية تتعلق بالقضايا المجتمعية بين الناس، فيمكن المناورة بها، وتقديمها بأسلوب مناسب يقنع الطرف الآخر، وإلا سيفقد الإنسان أصدقاءه وحتى المقربين منه. وقد قال الرسول الكريم (ص): ” أمرنا معشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم “.
فالمخلوق الذي وصفه الكاتب بِ ” صاحب الرأي الحر الصريح والمخالف لتركيب أغلب البشر” غير موجود في مجتمعاتنا، لأن الإنسان خُلق مدني بالطبع، ولا بد له من إدامة العلاقات الإنسانية مع الآخرين بأسلوب مرن يحفظ توازن المجتمع.
التاريخ : 9 / 11 / 2018