صراحة نيوز . – العميد المتقاعد زهدي جانبك
روسيا ام الصين ام الهند؟ ام الارهاب اليميني المتطرف؟
خلال السنوات العشر الماضية تعرضت اوروبا الى مئات الهجمات الارهابية من اليمين المتطرف وقد نتج عنها عشرات الضحايا وآلاف الاصابات وقد بلغ عدد الهجمات الارهابية المسجلة التي نفذها اليمين المتطرف في اوروبا منذ عام 2009 ولغاية 2019 اكثر من 419 هجوم ارهابي نتج عنها 123 قتيل، يضاف اليها 39 قتيل نتيجة 1203 هجمات ارهابية ارتكبتها التيارات العرقية والقومية اليمينية خلال نفس الفترة. الامر الذي يرفع عدد الهجمات خلال هذه الفترة الى 1622 هجوم وبرفع عدد القتلى الى 162 قتيل، وهذا يدل بوضوح على تنامي خطر الارهاب اليميني المتطرف في اوروبا وازدياد خطره.
في الجانب الاخر: من المرعب لامريكا ان يتحالف نصف العالم كما قال نور سلطان نزارباييف: «قادة الدول الذين يجلسون على طاولة المفاوضات هم ممثلون عن نصف البشرية» اثناء انعقاد قمة منظمة شانغهاي في كازاخستان عام 2005. قبل ان تنظم ايران الى المنظمة رسميا في ايلول 2021 الى جانب كل من: الصين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان، والهند، وباكستان، وايران.
وقد نشأت منظمة شنغهاي كامتداد لمجموعة الخمس التي بدأت عام 1996 وما لبثت ان توسعت فتم توقيع ميثاق منظمة شانغهاي للتعاون في يونيو 2002، ودخل حيز التنفيذ في 19 سبتمبر 2003. هذا النصف من العالم فيه 4 دول تمتلك قوة الردع النووي ويمثل 43% من سكان الارض ويحتل 25% من مساحة اليابسة.
وتتمتع بصفة عضو مراقب فيه كل من افغانستان وروسيا البيضاء ومنغوليا. بينما تتمتع الدول التالية بصفة شريك حوار: ارمينيا و اذربيجان وسريلانكا و تركيا وكمبوديا ونيبال. وبنفس الوقت طلبت سوريا ومصر عضوية المنظمة بصفة مراقب بينما طلبت العراق واسرائيل صفة شريك حوار.
وبنفس الوقت تتمتع روسيا بعضوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تاسست عام 1994من كل من: ارمينيا، طاجيكستان، قيرغيزستان، كازاخستان، روسيا البيضاء، روسيا. وقد انسحبت منها كل من جورجيا واوزبكستان واذربيجان. وتضم بعضويتها كل من صربيا، وافغانستان كأعضاء مراقبين. ومن المحتمل انضمام ايران اليها.
ويضاف الى كل ذلك عضوية الصين وروسيا في مجموعة بركس (BRICS) الاقتصادية: التي تأسست عام 2001 من كل من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب افريقيا. وقامت المجموعة بتأسيس بنك التنمية الجديد برأسمال 100 مليار دولار، وصندوق نقد احتياطي بمبلغ 100 مليار دولار.
في الجانب المنافس (الولايات المتحدة الامريكية):
وفي نفس الشهر الذي انضمت به ايران الى منظمة شنغهاي للامن والتعاون قامت الولايات المتحدة الامريكية بتأسيس تحالف اوكوس (بالإنجليزية: AUKUS) وهي اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، تم تزويد استراليا بموجبها بتسع غواصات تعمل بالدفع النووي وتأتي هذه الاتفاقية كخليفة لاتفاق أنزوس الحالي بين أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، مع “تهميش” نيوزيلندا بسبب حظرها للطاقة النووية.
وقد ذكرت مصادر في البيت الأبيض أن هذا التحالف مصمم لمواجهة نفوذ جمهورية الصين الشعبية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبنفس الوقت اعادت الولايات المتحدة الامريكية احياء تحالف كواد QUAD الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الامريكية واستراليا واليابان والهند ، وبذلك تكون قد بدأت مناوراتها لاختطاف الهند من منظمة شنغهاي للامن والتعاون ومن مجموعة بركس.
بالاضافة الى ذلك، هناك تحالف العيون الخمس (بالإنجليزية: Five Eyes)، والمعروفة اختصارا “FVEY”، وهو تحالف استخباراتي يشمل كلّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وشبكة المُراقبة إيكيلون الخاصّة بهذا التحالف.
وقد قرر هذا التحالف تبادل المعلومات معَ مجموعة من “الشركاء ذوي التفكير المماثل”، مثل فرنسا وألمانيا واليابان، منذُ أوائل عام 2018 لمواجهة التَّهديدات الناشئة عن الأنشطة الخارجيَّة للصين وروسيا.
العدو:
هل يعني هذا ان الصين هي العدو الجديد للولايات المتحدة الامريكية؟
من المؤكد ان نية الولايت المتحدة الامريكية قد اتجهت الى معاداة الصين ووقف تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، وانها تسعى لتحقيق هذه الغاية بكافة الطرق. ولكنها بنفس الوقت لا تريد ان يكون ظهرها مكشوفا للاتحاد الاوروبي بحيث يستغل انشغالها بالحرب على الصين لتحقيق تقدم عليها ويرد لها الصاع صاعين جزاء تدمير اوروبا في الحرب العالمية الثانية وحرب يوغوسلافيا السابقة ومحافظة امريكا على نفسها كملاذ آمن للاقتصاد العالمي.
الحل: عدو لروسيا، وأفغان اوروبيين في اوروبا.
وهنا يأتي دور اوكرانيا في العملية الامريكية للمحافظة على قيادتها للعالم منفردة ودون شريك، بحيث تنشغل روسيا بحرب استنزاف طويلة تنشغل بها كل من روسيا واوروبا تتيح لامريكا التعامل مع الصين من خلال اشعال جبهة تايوان وربما كوريا.
وبنفس الوقت تبقى اوروبا حتى بعد انتهاء حرب الاستنزاف الروسية منشغلة بنفسها وبمحاربة عدو قديم جديد يتمثل بانتشار ارهاب القوى القومية والنازية الجديد، بعد ان تكون هذه القوى قد تزودت بمخالب جديدة وقوية من خلال الاسلحة والقوى البشرية التي ستتدفق على هذه القوى اليمينية والقومية من كل اوروبا وامريكا والتدريب الحي الذي ستحظى به هذه القوى اليمينية المتطرفة اثناء حربها في اوكرانيا. بنفس الطريقة التي تم من خلالها انتاج ما يسمى بالافغان العرب في افغانستان.
الارهاب اليميني المتطرف في اوروبا:
على الرغم من الادعاء ان التطرف اليميني بعيد كل البعد عن تشكيل كتلة متجانسة في اوروبا الا اننا يمكن ان نلاحظ بوضوح صعود اليمين المتطرف السريع على الساحة الاوروبية ممثلا بالتيارات والحركات التالية:
اولا: تيار النازيين الجدد:
وعقيدة هذا التيار مبنية على ما يسمى عقيدة الحصار (The Siege Culture ) المستوحاة من الكتاب المسمى Siege ، الذي نشره الأمريكي النازي الجديد جيمس ماسون في عام 1992 ويدعو فيه إلى مقاومة شاملة بلا قيادة وأعمال إرهابية متعمدة لإحداث حرب عرقية وسقوط النظام السياسي العالمي.
وهو تيار يدافع عن مُثُل ألمانيا النازية بين عامي 1933 و 1945 واعضاؤه يقاتلون من أجل الحصول على دولة شمولية، ويدعون إلى التفوق العنصري للعرق الابيض. وقد انتشرت منظماتهم في كل اوروبا منها 4 مظمات في اوكرانيا هي: Azov Battalion (كتيبة آزوف) Patriots of Ukraine و Social-National Party of Ukraine و Social-National Assembly، ومن المنظمات التي انبثقت عن تيار النازيين الجدد:
• شعبة Atomwaffen (السلاح النووي) نشأت عام 2016 في الولايات المتحدة وانتشرت في اوروبا.
• حركة National Socialist Order وهي الوريث الارهابي لحركة Atomwaffen التي تم حظرها.
• حركة Sonnenkrieg Division. ايضا حركة نازية تأسست عام 2018 في الولايات المتحدة بتأثير من المنظمة الام في بريطانيا.
• حركة Feuerkrieg Division
• حركة Vorherrschaft Division
• حركة The Base (القاعدة) وهي حركة نازية نشأت اواسط 2018 في الولايات المتحدة ثم اوروبا.
– منظمة Iron March المسيرة الحديدية النازية التي تأسست عام 2011.
– منظمة Blood & Honour التي تأسست في بريطانيا قبل 4 عقود وهي حركة عنصرية نازية انتشرت الى اوروبا وامريكا واجزاء اخرى من العالم. وتم حظرها في كل من المانيا وكندا وروسيا واسبانيا.
– منظمة Combat 18 منظمة نازية ارهابية تأسست في بريطانيا سنة 1992. ولها ارتباطات بمنظمات شبيهة بها في كندا والولايات المتحدة. وتم حظرها في كندا بوصفها منظمة ارهابية. وعام 2020 تم حظرها في المانيا.
ثانيا: المنظمات اليمينية المتطرفة المعادية للاسلام وللهجرة Anti-Islam and anti-migration movements وهي منظمات يمينية عنصرية تهدف الى المحافظة على الهوية المسيحية والعرقية لاوروبا. ومنها:
– تيارحركة PEGIDA (Patriotic Europeans Against the Islamicisation of the Occident). وقد انتشرت في المانيا والنرويج والدنمارك وسويسرا واسبانيا وبلجيكا وبريطانيا والسويد (ثم انحلت) والنمسا (ولم تستمر بسبب سيطرة اليمين الاكثر تطرفا منها في البرلمان) وكندا وايرلندا وبلغاريا وهولندا وجمهورية التشيك واستونيا وغيرهم.
– تحالف قلعة اوروبا الذي تم تشكيله بموجب اعلان براغ.
– حركة جنود اودين Soldiers of Odin التي تشكلت في فنلندا عام 2015 وما لبثت ان انتشرت في كل دول الاتحاد الاوروبي.
ثالثا: تيار حركات الهوية العرقية Identitarian movements : وعقيدتها مبنية على نظرية الاستبدال الشامل وهي نظرية عرقية قومية تحذر من استبدال السكان الأوروبيين الأصليين بمهاجرين غير أوروبيين. وعلى النظرية الماركسية الثقافية وهي نظرية تروج لوجود مؤامرة ترى أن مجموعة صغيرة من أصحاب النظريات الماركسية قد تآمروا لتدمير الحضارة الغربية عن طريق تولي المؤسسات الثقافية الرئيسية. وهو تيار نشأ لحماية الهوية الثقافية الاوروبية ضد الاسلام والماركسية وعلى رأسها منظمة حركة الشباب المسماة جيل الهوية Génération Identitaire التي تتخذ من فرنسا مقراً لها وما لبثت ان انتشرت في دول الاتحاد الاوروبي.
رابعا: تيارالحركات القومية المتطرفة والفاشية الجديدة. هؤلاء يريدون نظاما شموليًا تقليديًا (غالبًا مسيحيًا) ودولة عرقية قومية. ومن الأمثلة عليها: حركة كازا باوند الإيطالية ومنظمة المعقل الاجتماعي الفرنسي ومنظمة Légió المجرية ومنظمة المعسكر الراديكالي الوطني البولندي الهنغاري وحركة كل الشباب البولندي.
ومن المثير للاهتمام ، أن بعض الجماعات التي مضى عليها عقود في هذه الفئة قد حولت مؤخرًا أجندتها القومية البحتة إلى التركيز على مناهضة الإسلام والهجرة.
خامسا: تيار حركات سيادة المواطنين اليمينية المتطرفة. وأتباع هذه الفئة لا يقبلون شرعية السلطات الحكومية ، بما في ذلك قوانينها ومؤسساتها. والمثال الأكثر شهرة في أوروبا حركة Reichsbürger الألمانية التي تشكل تهديدا امنيا متزايدا، لان شريحة كبيرة من أتباعها من الجناح اليميني المتطرف وتوجد حركات مماثلة لها في دول اوروبية أخرى.
سادسا: تيار المتطرفون اصحاب القضية الواحدة. حيث يرتبط العنف المرتبط بقضية واحدة ارتباطًا وثيقًا بالإيديولوجية اليمينية. مثل حركة Incel وهو مصطلح قصير يعني “العزاب غير الطوعيين”، وهو مجتمع إنترنت كاره للنساء من الرجال الذين يعرّفون أنفسهم من خلال عدم قدرتهم على تكوين علاقات جنسية مع النساء. وقد نشأ التيار في أمريكا الشمالية حيث قام أعضاءه بهجمات تسببت بخسائر بشرية كبيرة. وهو ينتشر الآن في أوروبا أيضًا. ومن الامثلة عليه ايضا كيف استفاد المتطرفون اليمينيون من حركة “السترات الصفراء” في بعض الدول الاوروبية.
وعلى الرغم من تفاوت هذه التيارات من حيث نسبة لجوئها الى العنف حيث تتوخى بعضها الحذر الشديد للبقاء في المناطق الرمادية بين الأنشطة القانونية وغير القانونية مثل حركات الهوية القومية على سبيل المثال التي تخفي أفكارها بعبارات معتدلة وغالبًا ما تدعو إلى اللاعنف الا ان أيديولوجيتهم المتطرفة وخطابهم العنصري مثل (“كن نشطًا أو سيتم استبدالك بالمهاجرين”) لهما صلة متأصلة بالعنف.
اما الجماعات اليمينية الأخرى فهي أقل غموضا بشأن دور العنف في نشاطاتها فالنازيون الجدد على سبيل المثال يظهرون مستويات عالية من العنف داخل حركاتهم، وفيما يتعلق بـالعالم الخارجي ايضا.
فبالنسبة لهم يعمل العنف على ارهاب المجتمع وبث الخوف بين المعارضين لهم ويعجل في تحقيق اهدافهم وانهيارالنظام المجتمعي.
وتختلف الجماعات الأوروبية اليمينية المتطرفة من حيث الهياكل التنظيمية ايضا. حيث تعتبر الخلايا التنظيمية الصغيرة نموذجًا مناسبا لإرهاب اليمين المتطرف، وقد تم الترويج لهذا النوع من التنظيم من خلال نظرية المقاومة بلا قيادة (leaderless resistance theory). كما ان العديد من المتطرفين يلجؤون الى العمل بمفردهم كما يتضح من خلال النسبة الكبيرة جدا للارهابيين المنفردين بدوافع يمينية مقارنة بالارهابيين المنظمين في مجموعات.
ومفهوم المقاومة بلا قيادة المذكور طوره الأمريكيون المتعصبون للبيض في الثمانينيات ويشير إلى الحاجة إلى إبقاء التخطيط للهجمات الإرهابية محصوراً بالأفراد أو الوحدات الصغيرة لمنع كشف قيادة التنظيم واختراقه من قبل سلطات إنفاذ القانون.