صراحة نيوز – بقلم حسين الرواشدة
هل أخطأت خطأ فادحا حين تجرأت على انتقاد الأداء السياسي للإخوان المسلمين؟ بعض الردود والتعليقات على مقالتي الخميس الماضي “سكة الإخوان والصالح العام”، دفعتني لطرح هذا السؤال.
لا يخطر ببالي أن أرد على الإساءات التي أخرجتني من الملة الدينية والوطنية، ولا تلك التي صنفتني “كاتبا مأجورا” (لمن؟ لا أدري)، لكن حين دققت بأسماء المعلقين وجدت أنها تنتمي لطبقة المتدينين، وبعضهم من قيادات الجماعة وقواعدها، قلت: سامحهم الله، معقول أن يكون هؤلاء تخرجوا من مدرسة الدين الحنيف، أو مدرسة الإخوان المسلمين؟
لا أريد أن أبرئ نفسي من اتهامات الانحياز مع أو ضد طرف أيا كان، أترك هذه المهمة للقارئ الكريم الذي يتابع مقالاتي منذ نحو أربعين عاما، ولا أريد أن أعيد التذكير بواجب الكاتب الذي يفترض أن يكون ناطقا باسم الضمير العام للمجتمع، وأعتقد أنني اجتهدت بما استطعت أن أحافظ على هذا الواجب، ولا أريد، ثالثا، أن أقول: إنني انتقدت السلطة السياسية، بفروعها ومؤسساتها كافة، عبر آلاف المقالات، ولم أسمع أي إساءة منها، رغم قساوة ما أكتبه أحيانا.
أريد أن أشير، فقط، إلى أنني أحد المتخصصين بالشأن الديني والسياسي، وسبق أن تناولت، بالقراءة والنقد، كل الحركات الدينية التي تشتغل بالحقل السياسي، لم أتحرك في كل ذلك من دوافع شخصية، فأنا لا أنتمي لأي حزب، إسلامي أو علماني، وليس لدي مواقف من أي منها، ما أفعله هو مجرد إبداء رأي، ولا أحكم على النوايا، ولا أترصد الأخطاء.
الإخوان المسلمون جزء من هذا المجتمع الأردني، وحزبهم من أكبر الأحزاب وأقدمها، ومن حقي، وغيري، أن ننتقدهم إن أخطأوا، كما أنه من حقهم أن يردوا ويصححوا، لكن بمنطق أدب الاختلاف والحوار، لا بمنطق “الميليشيات” الافتراضية، التي تضرب وتهرب، وتتحفز للهجوم ضد كل من يقترب منها، وكأنها في موقع دفاع عن نفسها خوفا من “الأغيار”.
أحترم، بالطبع، الردود التي كتبها أشخاص أعرفهم، سواء من داخل الجماعة أو من خارجها، لكن ثمة ظاهرة غريبة (ليست جديدة) تتعلق بالهجمات التي يمارسها أعضاء محسوبون على “الإخوان” ضد كل من ينتقد الجماعة أو الحزب، هذه الهجمات المنظمة والمكثفة لا تفتقر، فقط، لأدبيات الخصومة السياسية، ولا لأخلاقيات الدين والعمل العام، وإنما تشكل “فجورا” سياسيا لا يليق بالجماعة أن يصدر عن أي عضو فيها، وإذا حصل فعلى الجماعة أن تحاسبه (وهي لا تفعل ذلك للأسف)، باعتباره فعلا منافيا لمبادئها وتاريخها وخطابها العام.
جراء هذه الإساءات والانفعالات، يخسر الإخوان المسلمون الكثير من المتعاطفين معهم والمعجبين بهم، قبل أن يخسروا خصومهم، كما يخسرون شرعية منهجهم وخطابهم الدعوي والسياسي، القائم على التربية الأخلاقية، والحسنى واحترام الرأي الآخر، حين يكشفون عمليا عن خطاب آخر يتناقض مع كل ذلك.
يخسر الإخوان، ثالثا، الإجابة المقنعة عن سؤال يطرح عليهم غالبا، وهو: ماذا ستفعلون لو وصلتم للدوار الرابع؟ هل ستتعاملون مع من ينتقد أداءكم السياسي بمثل هذا المنطق الهجومي والاتهامي، وهل تصنفون خصومكم على مقاس معي أو ضدي، معظم الحكومات التي عرفناها كان صدرها أوسع من ذلك، فهل ستكونون أسوأ منها؟
يوجد بين الإخوان المسلمين الكثير من العقلاء الذين أعرفهم وأحترمهم، لكن لدى الجماعة حلقات منظمة من الشباب الجاهزين للانقضاض على كل من يتعرض لها بالنقد، وظيفة العقلاء أن يضبطوا إيقاع هؤلاء الشباب، فالجماعة التي تنخرط بالعمل السياسي ليست مقدسة، ولا معصومة من الخطأ، وبدل توزيع الاتهامات والشتائم يمكن أن ينشأ حوار يصب بمصلحة الجميع، ومن لا يريد ذلك، فمن الأفضل أن ينسحب من العمل السياسي والحياة العامة، ويتفرغ لنفسه وحياته الخاصة.
بقيت كلمة أخيرة لإخواننا بالجماعة، لن تسعوا الناس بجاهكم ولا أموالكم، ولا حملاتكم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا ببياناتكم وخطاباتكم، ولا بمعارضتكم للوضع القائم، وإنما تسعوهم، فقط، بأخلاقيات الدعوة التي ترفعون شعارها، والجماعة التي تحملون إرثها، فاستقيموا يرحمنا ويرحمكم الله.