صراحة نيوز – بقلم د حسين عمر توقه
اعرف عدوك … أرجو من القيادات السياسية والعسكرية والمخابراتية والإستخبارية قراءة هذا المقال .
يُعرف الخبراء الإسرائيليون الأمن القومي بأنه ” محصلة الإتصالات المتبادلة بين الدولة وبين بيئتها البعيدة والقريبة وهذه المحصلة تعكس قوتها واستعدادها ووسائلها وقدراتها التنفيذية على الدفاع عن مصالحها الحيوية وتحقيق غاياتها وأهدافها القومية ”
لقد تبنت الصهيونية العالمية مهمة تحويل اليهودية الى دين وقومية ووطن . ولكي أوضح مضمون هذه النقطة أسترجع تصريح بن غوريون عام 1948 ” إن دولة إسرائيل ليست هدفاً في حد ذاته بل هي وسيلة الى هدف والهدف هو الصهيونية . فسيادة الدولة في اسرائيل محصورة ضمن حدودها وتطبق فقط على مواطنيها وهم يمثلون 20% من يهود العالم . بينما لا يزال هناك 80% من الشعب اليهودي خارج حدودها . وإن المنظمة الصهيونية قادرة على التدخل في حياة هؤلاء خارج إسرائيل ”
القوة الشاملة :
إن محاولة قياس القوة الشاملة لأي دولة من دول العالم يستند على أساس مساحتها وعدد سكانها ونظام الحكم فيها ومجتمعها وقوة اقتصادها وبالتالي قوتها العسكرية . ولا شك بأن إسرائيل قد قلبت هذه المقاييس رأسا على عقب من خلال بناء دولتها فكيف تمكنت إسرائيل من زيادة عدد سكانها وكيف تمكنت من بناء قوتها العسكرية وانتصرت في الحروب التي خاضتها ضد الدول العربية وكيف أثبتت مفهوم التفاضل وأثبتت ضمن صفحات التاريخ أن القوة الفعلية لا تقاس بأي حال من الأحوال وفق ” الكمية ” وإنما وفق ” النوعية ” وكيف أصبحت بفعل التكنولوجيا المتقدمة دولة عظمى قياسا لما احتوته ترسانتها النووية من رؤوس نووية . وكيف بنت اقتصادا قويا في العالم رغم حصارها من الدول العربية شرقاً وشمالا وجنوباً. وكيف فرضت نفسها على المسرح الدولي سياسيا وإقتصديا وإعلاميا وعسكريا . وتمكنت من عدم الإلتزام بتنفيذ كل قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرارات الأمم المتحدة وأصبحت بحق صاحبة أطول إحتلال عسكري زمني للأراضي الفلسطينية والسورية .
العامل السياسي :
في عام 1897 تم عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا وخرج ثيودور هيرتزل بعد انتهاء المؤتمر وأدلى بالتصريح التالي ” لو أنني أردت أن ألخص أعمال هذا المؤتمر في كلمة … وسأحرص على عدم نشر هذه الكلمة لأن العالم سيقابلني بالضحك والإستهزاء . ولكنني أؤكد لكم بأنه في هذا المؤتمر في ” بازل” قد تم تأسيس الدولة اليهودية وخلال خمس سنوات وبالتأكيد في خمسين سنة فستظهر هذه الدولة ”
وفي عام 1947 تمكنت الصهيونية العالمية من تحقيق حلمها الأكبر حينما اتخذت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قرارها المشؤوم بتقسيم فلسطين وقيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين.
وقبل ثماني ساعات من إعلان بريطانيا إنتهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ 14/5/1948 أعلن ديفيد بن غوريون الرئيس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية ومدير الوكالة اليهودية قيام الدولة الإسرائيلية وعودة الشعب اليهودي إلى ما أسماه أرضه التاريخية .
ولا شك بأن كلا من العمق الإستراتيجي للدولة والطاقة البشرية والقوة العسكرية هي من العوامل الأساسية في قياس قوة الدولة . فمن حيث العمق الإستراتيجي قام وزير الأديان الإسرائيلي في القدس الحاخام يهودا ميمون وأعلن ” ما تزال أمام الكيرن كيميت أعمال عظيمة. إن دولة إسرائيل كلها أمامها وأن حدود تلك الدولة هي من الفرات الى النيل ” وكان يشير بذلك الى أن مسافة الحدود الإسرائيلية بين طولكرم وبين البحر الأبيض المتوسط لا تتجاوز 15 كيلو متراً . وكما جاء في تصريح ” أبا إيبان ” عام 1972 ” إن الحدود الآمنة هي الحدود التي لا تضطرنا الى شن حرب وقائية “.
وهو ما تجاوزه اليوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحاته أن لا عودة لحدود 1967 وأن القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة وأن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية هي واقع ديمغرافي جديد يفرضه استيطان ما يقارب المليون يهودي وأن الحدود الفلسطينية الأردنية والحدود الفلسطينية المصرية وحدود الجولان المحتلة التي تم ضمها إلى السيادة ألإسرائيلية ستظل تحت إشراف إسرائيل العسكري . وأن المنطقة العربية فلسطين وغزة والجولان ستظل مناطق معزولة من السلاح باستثناء السلاح الإسرائيلي.
العامل الديمغرافي :
ولقد طالبت الصهيونية العالمية من يهود العالم الهجرة الى إسرائيل واعتبار كل من يتقاعس عن ذلك مقصراً تجاه دينه وقومه وإسرائيل. وطالبت اليهود الذين لا يهاجرون الى إسرائيل أن يدينوا لها بالولاء . أي أن يتواجد لديهم ولاء مزدوج للدولة التي يعيشون فيها ولإسرائيل. وفي عام 1950 تمت الموافقة على قانون الهجرة الإسرائيلي الذي يعطي كل يهودي الحق مهما كانت جنسيته ومكان مولده بأن يصبح مواطنا تلقائيا بمجرد وصوله الى اسرائيل. وأن قانون الهجرة هذا يعطي كل يهودي حقا طبيعيا بالجنسية الإسرائيلية أي أن اليهودية قد أصبحت دينا وقومية ووطن.
أما من حيث الطاقة البشرية فلقد تعاظمت الهجرة اليهودية الى فلسطين المحتلة كما هو موضح في الجدول التالي
الفترة الزمنية عدد المهاجرين بالآلاف
1919 – 1948 45
1949 – 1951 686
1952 – 1954 54
1955 – 1957 164
1958 – 1960 75
1961 – 1964 228
1965 – 1968 81
1969 – 1974 259
1975 – 1977 61
كما هاجر الى اسرائيل في سنوات التسعين حوالي 956 ألف مهاجر وبالرغم من انخفاض عدد المهاجرين اليهود عام 2000 الى 33 ألف مهاجر وفي عام 2001 الى 43 ألف مهاجر وفي عام 2002 الى 33 ألف مهاجر وفي عام 2003 الى 23 ألف مهاجر وفي عام 2004 الى 21 ألف مهاجر إلا أن هذا لا يعني توقف الهجرة وتزايد أعداد اليهود حيث بلغ تعداد سكان إسرائيل اليوم 7.4 مليون منهم 23% من عرب عام 1948 ولا زال هناك 5 ملايين يهودي في الولايات المتحدة و600 ألف يهودي في دول الإتحاد الأوروبي و450 ألف في دول الإتحاد السوفياتي سابقا. و 400 ألف في أمريكا اللاتينية و350 ألف في كندا . ولا يجب أن تخدعنا الأرقام والإحصائيات لأن هناك أعدادا هائلة من اليهود لا زالوا في الهند وفي دول إفريقيا وقد عمدت إسرائيل الى إخفاء الإحصائيات المتعلقة بهم. كما أننا لا نريد الوقوع في الفخ الذي نصبته إسرائيل فنفترض جدلا أن كل من يدين باليهودية هو فعلا يهودي الإنتماء وإسرائيلي الجنسية لأن الكثيرين من يهود العالم غير محسوبين على إسرائيل لا سياسيا أو عقائديا. كما يجب الإشارة الى تنامي الهجرة المعاكسة والهروب من إسرائيل والعودة الى دولهم الأصلية. لقد تمكنت إسرائيل من إبطال نظرية القنبلة الموقوتة المتعلقة بالتعداد السكاني وتزايد معدل الولادة في الجانب الفلسطيني وأثبتت أن هناك كما هائلا من يهود العالم يفوق تعداد الفلسطينيين حيث أعتبرت كل من يدين باليهودية هو إسرائيلي له كافة حقوق المواطنة الإسرائيلية حالما تطأ قدماه أرض إسرائيل وهي الآن تحاول فرض واقع آيديلوجي آخر من خلال ربط الدولة الإسرائيلية بالديانة اليهودية وإعتبار إسرائيل دولة يهودية
عامل القوة العسكرية :
أما فيما يتعلق بتحقيق القوة العسكرية المطلقة في كل الأزمان والأماكن حسب المفهوم الإسرائيلي القائم على الجاهزية القتالية المستمرة فهي تشتمل ثلاثة متغيرات التأهب الدائم والإستنفار في أقصى حالاته وشن الحرب الخاطفة داخل أراضي العدو بأقل الخسائر. وإن هذه الجاهزية القتالية هي التي تعطي القوة الشاملة الزخم المطلوب لتحويلها الى قدرة فعلية قادرة على تحقيق الغايات القومية من خلال التقدم التكنولوجي والصناعة العسكرية المتطورة والحصول على السلاح النووي والدخول إلى عالم القوى العظمى في العالم .
وإن سياسة إسرائيل العسكرية ضمن الغايات القومية تهدف الى تحطيم الجيوش العربية بكل الوسائل المتاحة والى استمرار تفوق الجيش الإسرائيلي والإستمرار في سياسة الإحتلال وضم ما يمكن ضمه . وكما جاء في تصريح ” زئيف شيف ” المراسل العسكري والصحفي الإسرائيلي ” لو لم تكن الأراضي المحتلة بحوزة إسرائيل في حرب أوكتوبر لوجدنا أنفسنا نقاتل السوريين في سهل الحوله ووجدنا أنفسنا نقاتل المصريين في النقب . ولكان الإنتصار عندئذ يكلفنا أعداداً هائلة من الضحايا والخسائر “.
ويستطرد الخبراء العسكريون الإسرائيليون أن هذه القوة لا بد وأن تحتاج الى وسيلة من أجل تحقيق الغايات القومية وهذه الوسيلة تشكل سقفا لمفاهيم متعددة مثل العقيدة والسياسة والإستراتيجية الشاملة والتكتيك . ومن دون هذه الوسيلة لا يمكن تسخير القدرة ولن يكتب النجاح للتنفيذ ولن تتحقق الغاية . فالوسيلة إذن بالإضافة الى جمعها بين مفهومي القوة والغاية تستفيد من دروس الماضي وتوقعات المستقبل والرد على التحدي … فالقوة هي كل شيء . أما القاسم المشترك الأعظم الذي يحقق من إئتلاف هذه العناصر الثلاثة القوة والوسيلة والغاية النجاح والنصر فهو عامل التنفيذ أي تسخير القدرة والوسيلة لتحقيق الغايات ومواجهة التحدي والإنتصار في ميادين المعركة في شتى الظروف والأحوال من خلال وضع إستراتيجية حربية عليا وهنا يأتي دور الأجهزة الإستخبارية والمخابراتية الثلاثة الشاباك المتخصص في محاربة حركات المقاومة الفلسطينية وإحباط عملياتها ضد إسرائيل . وشعبة الإستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي التي تقوم بتزويد الحكومة الإسرائيلية بالتقييمات الإستراتيجية والتي تتم على أساسها صياغة السياسات العامة للدولة وبالذات على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي وهي تعتمد في جمع معلوماتها على التقنيات التكنولوجية المتقدمة إلى جانب المصادر البشرية . أما الجهاز الثالث فهو جهاز المخابرات ( الموساد ) المكلف بجمع المعلومات وتنفيذ العمليات السرية خارج إسرائيل ويعتبر جهاز الموساد من أخطر الأجهزة المخابراتية في العالم ولقد اتسمت عملياته بالدموية لا سيما في عمليات الإغتيالات التي تم تنفيذها ضد القيادات الفلسطينية كما أن عملية إختطاف النازي آيخمان تدرس في مدارس ومعاهد المخابرات المختلفة في العالم .
إن إسرائيل في عقيدتها القتالية لا تحتمل خسارة أي معركة بينها وبين الجيوش العربية لأن خسارة أي معركة تمثل بداية النهاية لدولة إسرائيل .
التحالف الإستراتيجي :
وهناك بعد سياسي استراتيجي تتمسك به إسرائيل في كل الأزمان وفي كل الظروف يتمثل في تحفيز اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة واستمرار التعاون الإستراتيجي العسكري والإقتصادي والسياسي والإجتماعي بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل في كل المحافل وفي كل المجالات ومحاولة كسب تأييد دول حلف الأطلسي بالإضافة الى روسيا والهند والصين .
ولو حاولنا اليوم تحديد مهام مجلس الوزراء الإسرائيلي في مضمار ومجال الأمن القومي . لوجدنا أن هذا المجلس يقوم برسم سياسة إسرائيل القومية وتحديد مسارها فهو يضع في الإعتبار كلاً من الدستور والقوى السياسية والإقتصادية والحربية والنفسية من جهة والغايات والمبادىء والأهداف والإلتزامات القومية من جهة أخرى. وبعد الدراسة يقوم مجلس الأمن القومي باستخلاص المصالح القومية والتي يحددها عن طريق الأهداف القومية. وبناء على هذه الأهداف يتم التخطيط لرسم معالم السياسة الداخلية والخارجية للدولة بما فيها من تعهدات سياسية واقتصادية وثقافية . وسياسة حربية بما فيها من التزامات عسكرية وتحديد الموقف الإستراتيجي ورسم الخطة الإستراتيجية للجيش الإسرائيلي التي تضمن التفوق العسكري الدائم على كل الجيوش العربية . وكما جاء في كتاب إيغال آلون عن الجيش الإسرائيلي ” إن الحدود الآمنة بدون سلام أفضل من السلام بدون حدود آمنة ” وكما أوضح مردخاي غور في عرض إستراتيجية إسرائيل واستمرارها في إحتلال الأراضي العربية فيقول ” لا بديل للعمق الإقليمي حتى في عصر التكنولوجيا المتقدمة والصواريخ بعيدة المدى ”
إحتلال المزيد من الأراضي العربية :
من هذه التصريحات يمكننا التوصل الى قناعة بأن إسرائيل سوف تستمر في الإستلاء على المزيد من الأراضي العربية وأن كل منطقة جديدة تقع في ألأيادي الإسرائيلية يتم تحويلها الى منطقة عازلة ومنطقة تجمع للقوات الإسرائيلية بحيث تتمكن إسرائيل من نقل الحرب الى الأراضي العربية. كما أن إسرائيل لديها الآن من التفوق التكنولوجي ما يمنحها القدرة على ضرب الأهداف الإستراتيجية في كل دول الجوار العربي دونما حاجة الى تحريك أي جندي إسرائيلي فهي تضم اليوم آلاف الصواريخ الباليستيكية والتي تستطيع الوصول إلى كل العمق العربي من الشرق إلى الغرب . وإن الإستمرار في تهجير الشعب الفلسطيني والإصرار على إقامة المستوطنات اليهودية لأن هذه المستوطنات حسب الأهداف الصهيونية هي حدود دولة إسرائيل وتأمين الحماية والأمن لهذه المستوطنات هي حجة إسرائيل في الإستيلاء على المزيد من الأراضي العربية.
ونعيد الى الأذهان تصريح شمعون بيريز رئيس إسرائيل حين قام بالإعلان عن تشكيل الحكومة الإئتلافية تحت رئاسته ” بأنه لن يعيد الضفة الغربية الى الأيدي العربية ” .
وفي النهاية فإن نظرية الأمن القومي في إسرائيل تتكون من القوة الشاملة والعامل السياسي والعامل الديمغرافي والقوة العسكرية والتحالف الإستراتيجي والإستمرار في إحتلال المزيد من الأراضي العربية .
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي