صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
سمعنا ، وشاهدنا ، وقرأنا ، عن حوارٍ مكثف يقوده رئيس مجلس الاعيان — الذي لشخصه ومحتده كل الاحترام — لكنه جرح كل اردني في كبريائه . فطريقة الدعوة للِقاء ، وكانها إستدعاء يُشبِه الجَلب . وهذا لا يليق بالاردنيين مطلقاً . لا أدري ، ما الذي منعه من الذهاب الى الاردنيين في محافظاتهم !؟ وهي بمجملها ليست اكثر من (( ١٢ )) محافظة ، لاننا لسنا الصين ، او الهند ، ولا امريكا ، ولا حتى الشقيقة مصر ، ليكرموا وفادته ، ويضيِّفوه ، ويَسعدوا بلقاء احد ابناء قبائلهم الكريمة ، رغم تَحفُّظ الكثيرين على شخصه . ومما زاد الطين بِلة انه صَفّهم في مُدرج —كما الخُشُب المُسنَّدة — وهذه الطريقة لا تشي بثمة جديدٍ مأمولٍ قادم ، كنتيجة لهذا الحوار .
أقول : ان هكذا حوار لا يستقم ، كما لا تستقم آليته ، وان النتيجة المأمولة ، كمن يخضّ ماءاً . لاسباب عديدة منها :- ١ )) :— مجلس الاعيان ، هو مجلس الملك ، وعليه فمن الطبيعي ان يكون منحازاً للملك ، ليس بالولاء فقط ، ولكن باقتفاء توجهاته ، وتوجيهاته ، وآرائه ، وتطلعاته . وبما ان النية تتجه لحوار وطني شامل للوصول الى تغيير جذري في هيكل الدولة الاردنية ، فانه ليس من المنطق ان يقود طرفاً مُنحازاً ، او غير محايد على الأقل ، لا بل مُسيساً ومُوجهاً ان يقود حواراً وطنياً . ٢ )) :— إستناداً الى خبرات الاردنيين المتميزة في كل مجالات الحياة ، لماذا لم تُسند ادارة هكذا حوارات حضارية ديمقراطيه ، الى ثُلّةٍ من الشباب الاردنيين الديناميكيين ، المحايدين ، الذين يمكنهم إبتداع أساليب ، وطرق حديثة ، وحضارية ، تمكّنهم من الوصول الى افضل النتائج بأقصر الطرق ، وأقل الاوقات . كما اننا بهذا نضمن الحيادية الكاملة ، ونتجنب التوجيه او التأثير او الضغوطات وخلافه .
٣ )) :— الآلية المتبعة في الحوار : راديكالية ، تقليدية ، روتينية ، موجهة ، من المنطق ان لا تأتي بجديد . ٤ )) :- أسلوب الدعوة للحوار ، واختيار الاشخاص ، وصفِّهم في مدرج — كما الخُشب المُسندة — لا يشيء بثمة جديد مأمول قادم . ٥ )) :— من يتم انتقاؤهم ودعوتهم محسوبون على النهج الحالي ، وخدموا في ظله ، ومصالحهم مرتبطة به ، وبالطبع لا يرتضون التغيير . والطبيعة الانسانية ترفض التغيير ، لانها تخافه ، فالجديد يكون مجهولاً ، والمجهول يكمن فيه الخطر . لذلك هناك عِلم قائم بذاته اسمه (( Managing Change )) أي كيفية ادارة التغيير ، وهذا يعني ان التغيير تكتنفه تعقيدات كثيرة يصعب السيطرة عليها ان لم تكن هناك ادارة لضبطه وتوجيهه والسيطرة عليه وتقليل اضراره . ٦)) :— يتم تحديد عدد من المتحدثين لالقاء كلمات موزونة ومدروسة ومراقبة ومُوافق عليها مسبقاً . ٧ )) :— الاكتظاظ في الجلسات ، حتى انهم لم يراعوا التباعد ، ولا لبس الكمامات ، وهم مُنتشون ، فرِحون انه تمت دعوتهم من قِبل رئيس مجلس الاعيان للمشاركة في الحوار الوطني للتغيير بما يتناسب مع دخول المئوية الثانية ، وهم بينهم وبين الرئيس اكثر من حِجاب ، وحاجب ، احدها لوح زجاجي او بلاستيكي ، لا ادري لماذا !؟ ويُدعي الشخص المكلف بصياغة المحضر لتلخيص الاراء المطروحة وتبويبها والتأكيد على انها ستُؤخذ بالاعتبار ، وستصل صاحب القرار . مع انه لم يتم احترام شخوصهم ، فكيف تُحترم آرائهم ، والدليل انه تم جلبهم الى عمان ، كما القطعان ، وانه تم الترفع عن الذهاب الى حيث هم في محافظاتهم .
يا عيب العيب ، هذا يحدث في الاردن ، الذي كان عظيماً برجاله ، واحترام كرامة وكبرياء مواطنيه . هذه الآلية لما يسمى باطلاق حوار للتغيير ، فيها اساءة كبيرة عظيمة للاردن واستخفافاً كبيراً بعقول الاردنيين .
إذا كنتم تودون اصلاحاً حقيقياً جذرياً ، يُذهب كل الغث ، ويأتي بالسمين للوطن ، هاكم اقتراحات تقود لنتائج راقية ، يتم الوصول اليها بآليات تحترم الاردن وعقول الاردنيين : ١ )) لماذا لا تُطلَق يد النقابات المهنية للمشاركة في قيادة وصياغة حوار وطني راقي ومنتج !؟ أوعزوا للنقابات بالاستفادة من فروعها في المحافظات للتصدر والمشاركة بحوار وطني منجِز ومفيد ، وللعلم قيادات واعضاء النقابات في المحافظات يعرفون الشخصيات الفاعلة المثقفة المهتمة بشؤون الوطن ، كل في محافظته . ٢ )) لماذا لم يتم إنشاء منصة الكترونية تحت عنوان (( شارك في التغيير )) لاستقبال اقتراحات المواطنين فيما يتعلق بالتوجه الاصلاحي ، إذا صحّ ذلك !؟ ٣)) لماذا لم تستعينوا في رؤساء واعضاء البلديات ، ورؤساء واعضاء المجالس المحلية بالتفاعل والتواصل وتقديم ما يصلون اليه . ٤ )) لماذا لم تستعينوا بالاحزاب ال (( ٥٧ )) التي اسستموها وتنفقون عليها من الخزينة لتُقدِّم الاحزاب مجتمعة او منفردة مقترحاتها للاصلاح !؟ ٥ )) لماذا لم تستنهضوا وتستعينوا بمنظمات المجتمع المدني الفاعلة الرشيدة الواعية لتشارك وتكون احد حواضن الحوار الوطني !؟ ٦) لماذا لم تتم الدعوة لمؤتمر وطني لبضعة ايام ، ودعوة الشخصيات الفاعلة وليس المنتفعة .
أثقلتم كاهل الوطن ، أثقل ربي كواهلكم . لماذا تعشقون السيطرة والاستحواذ على كل شيء !؟ لم يمنعكم لا عُمُرْ ، ولا مناصب لا تُعد أشغلتموها ، عن الإبقاء على نافذة لآخرين ليخدموا من خلالها الوطن . ما دام هناك نية للاصلاح ، لماذا لم ، تتركوا فُسحة للغير من المواطنين الثقات الأكفياء ، المتحمسين لتقديم خدمة للوطن !؟ آااااااااخ على رجل المواقف الجريئة / فلاح المدادحة ، ومضبطته .
عتبي على بعض ابناء الشعب الاردني الذين يستمرؤن دور القطيع ، يُساقون ، ويوجهون ، ويفترى عليهم انهم يشاركون في التغيير او الاصلاح وهم صامتون ، يلبون دعوات تؤكد خنوعهم ، وذِلتهم ، وانقيادهم ، وتبعيتهم . كل من لبى هكذا دعوة اعتقد انه أردني الهيئة والهوية ، لكنه ليس اردني الهيبة ، الاردني لا يرضى الدنية .
هذه الدعوات ، غريبة ، لا اجد ان مسماها وآليتها لها ارتباط بهدفها المعلن . هي بالقطع ليست احتفال في مدرج ، ولا هي ندوة ، لان الندوة يشارك فيها عدة متحدثين ، ويَسأل الجمهور ويحاور دون رقابة او توجيه او تحديد توجهات المحاورين . ماذا يمكن تسمية تجمع لعدد كبير من الاشخاص غير متجانسين عمرياً ، ولا ثقافياً ، ولا تعليمياً ، هم متجانسون مناطقياً او محافظاتياً فقط . منطقياً وعقلانياً وواقعياً هي محاضرة موجهة من ناحية الموضوع والنتائج .
إن ما يدور ، هو حوار طرشان ، او قطعان ، يعني (( راعٍ ، ومرياعٍ ترباية قِدَحْ )) . مساكين هؤلاء ، لا يعلمون ان الشعب الاردني العظيم قد تجاوزهم ، ويستغرب اساليبهم التي لا تنطلي الا على من يستمرؤن الذل والخنوع والانقياد . وأختم ببيت من الشِعر :-
كُلُّ بِناءٍ لم يؤسِسهُ رَبُّهُ / على صَخْرةِ العِلمِ الصحيحِ تَهَدَّما .