صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
كان أول من أطلق عبارة ” أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر “، هو الفنان ورسام الكاريكاتير ناجي العلي، وذلك من خلال رسوماته الناقدة والمعبّرة. ثم وردت كذلك في مقالات الأديب غسان كنفاني، واستخدمها فيما بعد صلاح خلف في كتابه ” فلسطيني بلا هوية “، عندما رأى بأم عينيه رفاقه ( المناضلين ) يبيعون القضية الفلسطينية، ويتنازلون عن حقوقهم خطوة بعد أخرى.
ففي هذا الزمن الرديء الذي انقلبت به الموازين، بات السباق بِ ( وجهة النظر ) في التطبيع مع العدو الإسرائيلي، هدفا تسعى إليه الحكومات العربية البعيدة قبل القريبة. ويتجسّد هذا التوجه من خلال استخدام بعض العملاء والمأجورين، من ممثلين وفنانين وصحفيين ورجال دولة، لتحقيق مصالح تجارية مغموسة بوباء الخيانة.
ولا شك بأن خيانة الوطن، سواء كانت من قبل الحكومات، أو من قبل أشخاص فرادى وجماعات هي خطيئة كبرى، لأنها لا تحقق أية مصلحة وطنية أو إنسانية، ولا تحافظ على الحقوق المشروعة للمواطنين العرب، بل أنها تصب في مصلحة العدو الصهيوني وأطماعه التوسعية، في خلق دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. ولهذا فإن الارتماء في أحضان العدو تحت أية ذرائع، ما هو إلا انتحار تاريخي بحق الأمة وأجيالها القادمة.
مناسبة هذا الحديث هو ” مسلسل أم هارون الخليجي ” الذي تبثه هذه الأيام قناة mbc السعودية، والذي يشكل تطبيعا ناعما مع العدو الإسرائيلي بكل صلافة. ومن المؤسف أن من يلعبون أدواره كتابة وإخراجا وتمثيلا هم من أشقاءنا العرب، وعلى رأسهم الممثلة المعروفة حياة الفهد، التي تقمّصت دور سيدة يهودية تعاني من اضطهاد العرب لها بسبب ديانتها اليهودية.
هذه السيدة – حياة الفهد – التي كانت موضع احترام الكثير من المشاهدين العرب، قامت بهذا الدور السيء والذي يتنكر لحقوق الفلسطينيين، فإنه يرقى إلى مستوى الخيانة الوطنية، دون احترام لسنها أو لآخرتها يوم الموقف العظيم. وبعملها هذا فقد أساءت لتاريخها ولمتابعيها، في مسلسلاتها الدرامية السابقة، التي كانت تُبث على مختلف الشاشات العربية ويستقبلها المشهد العربي باحترام كبير. ولكنها انحرفت هذه الأيام إلى اتجاه مغاير، من أجل كسب مادي زائل لشركتها وشركة دخلان.
تعترف ( السيدة اليهودية المظلومة ) بأن الفلسطيني محمد دحلان، مستشار ولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، هو من أقنعها بقبول التمثيل في المسلسل، بزعم أن به مصلحة للقضية الفلسطينية. ورغم أن هذا المسلسل واجه الكثير من الانتقادات وأوقفت دولة الكويت بثه، إلا أن قناة mbc استمرت ببثه في شهر رمضان المبارك، متحدية مشاعر المشاهدين العرب والمسلمين. وفضلا عن ذلك فإن السيدة ذاتها تصر على أنها غير نادمة، على المشاركة بهذا العمل التلفزيوني البغيض.
المسئولون الإسرائيليون ووسائل إعلامهم، ابتهجوا بهذا المسلسل الوثائقي باعتباره ” وشهد شاهد من أهله “، يؤكدا على حقوقهم في دول الخليج، وعلى أنهم ظُلموا وهُجّروا قسرا من تلك البلاد. كان على السيدة حياة الفهد أن لا تأخذ برأي دحلان، الذي تخرّج من سجون ( أو فنادق ) الإسرائيليين، بعد دورة امتدت لخمس سنوات في أوائل الثمانيات الماضية، وأصبح يتقن لغة ( المعازيب ) بطلاقة.
تولى دحلان مناصب قيادية عديدة في السلطة الفلسطينية، ولكن محمود عباس قام بتجريده من كل تلك المناصب بتهمة قتل ياسر عرفات سرا، ثم طرده من الضفة الغربية عام 2011. ومن حسن حظه أن تلقفه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وعينه مستشارا أمنيا له. وبذلك أصبحت أموالا طائلة تحت يده تمكنه من مد ذراعيه ، إلى مساحات واسعة في الوطن العربي من شرقه إلى غربه.
أيها المطبعون العرب . . أذكّركم بأن صفقة القرن أصبحت على أبوابكم، وأن القدس الموحدة أعلنت عاصمة لإسرائيل، وأن يهودية الدولة قد شُرّعت، وأن ضم الأغوار الفلسطينية في طريقه إلى التنفيذ قريبا، وأن المسجد الأقصى – مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام – تجري من تحته الحفريات وتدنّسه قطعان المستوطنين يوميا. كل ذلك يجرى بقرارات إسرائيلية ومباركة من صديقة العرب أمريكيا.
أيها المطبعون العرب . . إن الكثيرين منكم لا يعرفون الأرض المقدّسة، ولم يقدموا شهيدا واحدا للدفاع عنها، ولكن رفاة الشهداء الأردنيين والفلسطينيين ما زالت تعطر تراب تلك الأرض. فإن كنتم لا تحترمون تاريخكم العربي ومصير أوطانكم وأبنائكم، فعلى الأقل احترموا أرواح الشهداء التي تحلّق فوق رؤوسكم، وأنتم تؤدون أعمالا مؤسفة وتتنكرون لتضحياتهم.
ختاما أقول : لقد صدق ناجي العلي رحمه الله في تنبؤاته عندما قال : ” أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر “. ولو كان ناجي حيا اليوم لقلت له : سيصدق قولك هذا أيضا في المستقبل، طالما أنه يوجد في أمتنا العربية، كثير من المطبعين وخونة الأوطان . . !
التاريخ : ١١ / 5 / 2020