لا يخفى على المتتبع لمجريات الاحداث السياسية في الاردن ان هنالك ازمة سياسية تلوح في الافق، بدأت اعراضها بالنزول الفعلي الى الشارع، واسترجاع ذكريات الحراك، واجترار انجازاته التي حفظت وغابت في الادراج الرسمية، المطلب الرئيس لهذا الحراك الصاعد هو اسقاط حكومة هاني الملقي، التي مارست خلال فترة قصيرة أبشع انواع الجباية، وتحميل المواطن فشل السياسات الرسمية المتراكم، الا ان الجديد في هذا الحراك هو لجوء بعض اعضاء مجلس النواب الحالي لتحريك الشارع المحتقن، او حزب “الكنبة” كما يسميه البعض.
النواب الذين قرروا ان يوجهوا خطاباتهم الى القواعد الشعبية، برروا ذلك بأن صوتهم لم يصل الى مراكز صنع القرار، واللافت في الامر هو ان يشتكي النائب الحكومة للشعب، في الوقت الذي اختار الشعب هذا النائب ليكون صوته في غرف التشريع والرقابة، وهنا يلتبس الامر على المراقبين والمحللين، فالنائب الذي رضي بقواعد اللعبة الديمقراطية، سارع الى سياسة الخطابات الشعبوية وتهييج الشارع، قبل ان يتم المجلس عامه الاول، وقبل ان يطرح مجلس النواب حلولاً حقيقية من خلال ممارسة دوره الدستوري، وقبل ان يستنفذ –اي النائب- كافة ادواته واسلحته المشروعة، فهل المطلوب فقط هو اسقاط حكومة هاني الملقي؟ ام ان المطلوب هو تغيير حقيقي في كيفية ادارة الدولة من خلال التأثير على راسم السياسات؟!
عقل الدولة المركزي سارع بدوره الى تفكيك القنبلة الموقوتة وامتصاص الغضب المتزايد، من خلال اجتماعات ولقاءات عقدها جلالة الملك مع شخصيات سياسية وإعلامية ونيابية، جرى خلالها الحديث بكل وضوح وشفافية عن تحديات المرحلة، وعن متطلباتها، والادوار المطلوبة من كل طرف، بما يكفل التهدئة على كافة المستويات، والتريث لحين عقد القمة العربية في آذار القادم من جهة، وانقشاع الضباب عن النوايا الامريكية سواء فيما يخص القضية الفلسطينية او الاوضاع الاقليمية من جهة اخرى.
التصريحات والتقارير الواردة من مجلس النواب تقول بأن الضرائب والرسوم التي فرضتها حكومة هاني الملقي تجاوزت المبلغ المطلوب منها والذي صرحت به سابقاً وهو 450 مليوناً، لذا فإن المعادلة لم تعد عصية على الفهم، وطالما ان المطلوب هو اسقاط حكومة الملقي! إذاً فلتسقط حكومة الملقي، ولتأتي حكومة اخرى ترأسها شخصية تحظى برصيد شعبي الى حد مقبول، وسيكون لديها هامش لا بأس به من الضرائب والرسوم والاسعار التي تستطيع ان تبادر الى تخفيضها، وبذلك نكون قد ضربنا كل العصافير بنصف حجر!! وسيكون النصر المؤزر حليفاً لقادة الحراك الذي لن يدوم طويلاً، كما سيعود المواطن الى بيته هانئاً مرتاح البال بعد ان ازاح الملقي عن دفة القيادة، فمسوغات النزول الى الشارع تكون قد تبددت وحققت اهدافها وفوقها “حبة مسك”.
الحراك الصاعد بشكله الحالي لن يرقى الى مرحلة الضغط على صانع القرار لدرجة تغيير السياسات، وذلك لعدة اسباب اهمها ان هاني الملقي نفسه يعلم علم اليقين بأن حكومته لا تستند الى دعائم قوية في الاوساط الشعبية والرسمية، فضلاً عن افتقارها الى التجانس واللون السياسي، وبأن دور الملقي لا يتجاوز تحمل اعباء المرحلة واستيعاب الضغط النيابي والشعبي، لذا فالاطاحة بحكومته لن يكون ذا كلفة سياسية عالية، حتى وإن حاول التملص من المواجهة من خلال تعديل وزاري، او إعلان الحرب على الفساد، فالراسخ لدى المواطن من خلال التجارب المريرة مع الحكومات المتعاقبة، ان الفساد اكبر من ان تحاربه الحكومات، وان “زجاجتنا الاردنية” كلها عنق، طالما ان التغيير يحتاج الى ارادة سياسية حقيقية تؤمن به وتتبناه.
محمد يوسف الشديفات