صراحة نيوز – بقلمم. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
نبحر في مركبة الحياة فتمر بنا بين محطات متنوعة، تتقلب من حال إلى حال فنشعر في بعضها وكأن أرواحنا تقفز فرحاً وسعادة بين الغيوم، لحظات تطغى فيها إبتسامة السعادة والفرح على كل جوانب الحياة الأخرى، ويغمرنا فيها شعور وكأننا وقعنا عقد إمتلاك صيانة مفاتيح السعادة والهناء لبقية أيام حياتنا.
بينما في لحظات أخرى نجد أنفسنا وكأننا نغرق في وحل يمتلأ بالألم والأحزان، لحظات لا نستطيع فيها مدافعة الألم وحرقة الدموع وكأننا أصبحنا نقف على أعتاب خط النهاية، ولا نجد حتى الفرصة في التفكير في شئ من تفاصيل حياتنا سوى شدة الألم الذي يسيطر علينا ويعصف بضلوعنا وأرواحنا أو بعاصفة الأحزان التي تصبح محاصرة لنا من كل جانب.
وهاهي هند بنت النعمان التي كانت من أشهر شعراء وكتاب زمانها، وليس هذا فقط بل جمعت لجمال كلمتها جمال مظهرها أيضاً فكانت من أجمل نساء زمانها، وكانت تعيش عز وجاه الملوك في كنف والدها النعمان بن المنذر أحد أشهر ملوك المناذرة في حيرة العراق، تتمتع بحياة تملأها لحظات السعادة والفرح والعز والفخر والجاه والقوة والمنعة فلا تطلب طلباً إلا وتتسابق لها الأيادي لتلبية كل طلباتها وإحضارها في الحال.
ولأن لحظات الحياة تتقلب ما بين حال وحال فقد جاء ذلك اليوم الذي لا يتمنى أحد أن يباغته ويقلب أحواله، فقد جاء اليوم الذي غضب فيه كسرى ملك الفرس والذي كان حكم المناذرة تابع لحكمه فاتخذ قراره بالتخلص من الملك النعمان بشكل نهائي، وهو ما تحقق بالفعل فقام بالقضاء عليه وعلى ملكه، ولأن هند كانت تعيش حياة والدها الملك فكان لابد أن تسير في مركب ملكه صعوداً وهبوطاً وأن تنقلب حياتها بانقلاب حياة والدها، فأصبحت بين ليلة وضحاها شريدة طريدة لا تعرف لها وجهة ولا إستقراراً ولا أمان، حتى أنها وصفت حالها في تلك الأيام بقولها: (لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكاً، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل الناس، وأنه حق على الله ألا يملأ داراً خيراً إلا ملأها عبرة)، وهي التي كان من أشهر أقوالها بعدما دارت عليها الدوائر:(أصبحنا ذا صباح وما في العرب أحد إلا يرجونا ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا).
فسبحان مقلب الأحوال كيف يقلب الحال في لحظات من عز إلى ذل ومن عافية لمرض ومن هناء إلى شقاء.
سأل الحجاج بن يوسف الثقفي أحد الحكماء يوماً عن النعمة، فقال له الرجل: الأمن فاني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش، فقال له الحجاج زدني: فقال له الرجل: فالصحة فاني رأيت المريض لا ينتفع بعيش، فقال له الحجاج: زدني فقال الرجل: فالغنى فاني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش، فقال له الحجاج: زدني فقال الرجل: ما أجد بعد ذلك مزيداً.
ولعلنا نمعن النظر قليلاً لنرى ترى هل نجد أحد يهنأ بحياته وهو يعاني الخوف الدائم ولا يعرف أمناً ولا إستقرار، أو وهو يعاني الأمراض والأوجاع المستمرة، أو يعاني العوز والحاجة ويبقى محتاجاً منتظراً شفقة غيره عليه، وهو ما يقودنا لأن نسأل أنفسنا سؤالاً آخر هنا، ترى لماذا جعل الله عزوجل من أهم أركان نعيم الجنة وهي المكافأة الكبرى التي يمنحها للمؤمنين من عباده الاستقرار والأمان والخلود فيها، والصحة والعافية بلا مرض ولا وجع فيها، والغنى بنعيم الجنة من كل ما تشتهي الأنفس والأعين !
ولعل كل ما سبق مع ما يمر بنا من تغيرات وتقلبات في حياتنا يزيد يقيننا كل يوم أضعافاً مضاعفة بأن أكبر النعم على أحدنا هو أن يكون آمناً مستقراً معافى لديه ما يغنيه عن سؤال غيره، وهو ما نجده في قول خاتم الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والذي رواه الترمذي: ((من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها))، فليتنا نسأل أنفسنا ترى هل حيزت لنا الدنيا أم لا ؟ لعلنا نحفظ نعم الله علينا بشكرها والحفاظ عليها قبل أن نتحسر على التفريط بها يوماً لا ينفعنا فيه ندم ولا حسرة.