الأيام المقبلة ” حبلى” بالمفاجآت، لدي، ولدى غيري، ما يكفي من المؤشرات التي تدل على ذلك، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية، على صعيد النخب او ما يتغلغل داخل المجتمع، حالة الترقب والانتظار، ربما تستنزف طاقات الدولة والمجتمع، لكن من الواجب أن تدفعنا لاستباق أي حدث طارئ، فبلدنا لا يتحمل أي هزة جديدة، والمصلحة تقتضي أن يتحرك العقلاء لطرح وصفة تساعدنا على الخروج من مرحلة ” الاستعصاء” والتجاذبات والمكاسرات، إلى مرحلة تسمح بوضع “الحجر الوطني” على بساط واحد، يتحمل الجميع وضعه في المكان المناسب. وسط هذه المناخات المشحونة بالغضب والارتباك والخوف، لا يسمح المجال للتذكير بما يتعرض له بلدنا من ارتجاجات تسببت فيها فجوة الثقة الواسعة بين الدولة والمجتمع، ولا بما يواجهنا من قصف عشوائي، داخلي وخارجي، بعضه من صنع ايدينا والآخر لا نعرف من يقف وراءه، أريد فقط أن اطرح سؤالا واحدا يجب أن نجيب عنه بكل صراحة، وهو: هل نضمن في ظل استمرار الوضع القائم السلامة لبلدنا؟ وإذا كانت الإجابة لا، فما الذي يفترض أن نفعله لتجاوز سكة الندامة نحو بناء مرحلة جديدة آمنة؟ مهمة الإجابة تتوزع على الدولة والمجتمع معا، الدولة لابد أن تغير سلوكها العام، وأن تبدأ بإشاعة مناخات دافئة لتطمئن الأردنيين على جدية التحول والإصلاح، والرغبة الحقيقية بمصالحات تحسم الجدل على قضايا ما تزال عالقة، تحقيق ذلك يستدعي إيجاد ” مطبخين”، أحدهما سياسي والآخر إعلامي، يتوليان تقديم رواية واضحة وموحدة تمثل الدولة بكل مؤسساتها، وتعكس ما تفعله وما تريده ، بمقدار أهمية الفعل الرسمي وحجمه، فإن إيصاله للأردنيين وتأثيره فيهم، من خلال خطاب يحظى بالمصداقية، مهم أيضا. أما المجتمع، أقصد النخب التي تمثله، او الكتلة التاريخية التي يجب أن تتحرك باتجاه تقديم وصفة للخروج من أزمة الاستعصاء، فعليها أن تستثمر أولا اللحظة التاريخية التي يمر بها بلدنا، وان تتوافق على هدف واحد، يكون بمثابة مفتاح لإغلاق مرحلة والدخول بمرحلة جديدة مختلفة، ليس لدي عنوان لهدف ارشحه، لكن يمكن أن أشير إلى إطاره العام وهو “العقد السياسي” كقاسم مشترك بين الدولة ونظامها السياسي وبين الأردنيين. أعرف اننا امتلكنا فرصة “تحديث المنظومة السياسية” التي كان يمكن أن تطرح لنا خريطة طريق تحظى بإرادة سياسية وحاضنة اجتماعية، اعرف، ثانيا، أننا خسرنا جولات استعادة الثقة بفعل بيروقراطية متجذرة، وصراعات على تخوم المصالح، وأعرف، ثالثا، أننا نواجه محاولات “للنبش” بملفات ملغومة، أو العبث بنواميس وطنية ثبتت واستقرت، هذا لا يعني أن نستسلم، أو أن نراهن على أقدار لا نعرفها، بل يجب أن نتحرر من أوهامنا وحساباتنا الضيقة، ونفتح على الفور ورشة “نفير” وطني قادرة على صناعة معادلات جديدة، تسترخي فيها الدولة والمجتمع، للانطلاق إلى المستقبل بخطوات محسوبة. هل نبدأ، اذاً من الصفر؟ لمَ لا، ما دام ان لدينا أرضية تاريخية عمرها مائة عام، يمكن أن تشكل لنا، بما فيها من إنجازات ومواثيق وخبرات، نقطة ارتكاز وإلهام، ويمكن أن تساعدنا على صياغة ” مشروع” وطني، او على الاقل تسويات وطنية، بموجبها تتلاقى الإرادات والطاقات، وينزل الفاعلون السياسيون من أعلى الشجرة، ليس فقط لوقف حالة التدهور، وإنما للإنجاز والبناء… مهمة البناء هنا صعبة ومكلفة لكنها ليست مستحيلة، كما انها ضرورية للحفاظ على وجود الأردن واستمراره… هل وصلت الرسالة؟ أرجو أن تكون وصلت.