صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين محمود عمر توقه
باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمن القومي
في بحثي هذا لا أريد أن أتعرض إلى ما يدور في فرنسا ووصمها لكل عمل إرهابي بأنه ناجم عن الإسلام والمسلمين وهو أمر مردود عليهم فالدين الإسلامي أكبر بكثير من تصريحات رئيس لا يرقى في فكره وعاطفته إلى حقيقة أن الأديان السماوية قد أتت لتكمل بعضها .
ولا أريد في هذه العجالة العودة إلى تاريخ الإستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والمآسي والدماء الملطخة وما سببته من ويلات ودمار وما فعلته هذه الدول المحتلة في شعوب الدول العربية المسلمة الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي مخلفة وراءها ملايين الشهداء المسلمين العرب الذين استشهدوا في سبيل الحصول على حرية الأوطان .
حين قامت سلطات الإحتلال الإيطالي بإعدام الشيخ عمر المختار البالغ من العمر آنذاك 73 عاما إيطاليا لم يصرخ الشعب الليبي بأن المسيحية هي دين إرهاب وإنما صرخ وهو يطالب بالحرية والإستقلال عن إيطاليا التي مارست كل أنواع الإرهاب من خلال الإحتلال العسكري الظالم .
وحين قامت حكومة الإنتداب البريطاني بإعدام الشيخ فرحان السعدي وقد تجاوز عمره الثمانين عاما وهو صائم في شهر رمضان بتاريخ 14 رمضان عام 1356 هجري الموافق 27/11/1937 ميلادي لم يصرخ الشعب الفلسطيني بأن المسيحية هي دين إرهاب وإنما صرخ إبان ثورته يطالب بالحرية والإستقلال وإنهاء الإنتداب الظالم الذي سلب الأرض وزرع إسرائيل في قلب فلسطين .
حين أطلق العالم بأسره على ثورة الجزائر ضد المستعمر الفرنسي الغاشم ثورة المليون شهيد قامت الجزائر بتقديم مليون ونصف شهيد بين عام 1954 وعام 1962 لم يصرخ الشعب الجزائري بأن المسيحية هي دين إرهاب وإنما صرخ يطالب بالإستقلال والحرية من الإحتلال الفرنسي الغاشم.
لقد اختلطت الكثير من الأوراق وتغيرت المفاهيم الحقيقية للكثير من المصطلحات والقيم وأصبحت الكثير من الدول تتستر وتختبىء تحت مفهوم الإرهاب وبعض من مدلولاته واستخدمته كذريعة من أجل تحقيق أهدافها الوطنية وشن حروبها الظالمة بدءا بحرب الإرهاب الأمريكية على أفغانستان والعراق . وفي هذا الزمن الحزين أصبح الدفاع عن الوطن والمطالبة بالتحرير والتحرر إرهابا بينما أصبح الإحتلال “الإرهاب الحقيقي” عملا قانونيا ففي الموسوعة البريطانية ” أن أقسى أنواع الإرهاب هو الإحتلال العسكري ” واليوم يطالعنا الكيان الصهيوني المحتل بأن كل نبض فلسطيني وكل حراك فلسطيني يطالب بإنهاء الإحتلال ونيل الإستقلال والحرية إنما هو نهج ومنهاج إرهابي وهذا الإدعاء من دولة الإحتلال هو بمثابة مهزلة القرن العشرين ومهزلة القرن الواحد والعشرين .
إن تعريف الأمن وهو نقيض الإرهاب الذي نحاول تحقيقه في أبسط أشكاله ومعانيه هو ” حماية وتنمية القيم الوطنية والحفاظ على المصالح الحيوية لا سيما السياسية والإقتصادية التي تنتهجها الدول في إطار مفهوم الأمن القومي الخاص بها “.والقيم الإجتماعية والحفاظ على سيادة الدولة واستقلالها والمحافظة على مواطنيها وسلامتهم عن طريق احتواء الأخطار الداخلية والخارجية ومعالجتها واستباق حدوثها. ولما كانت هذه التهديدات مختلفة بين دولة وأخرى اختلفت السياسة
لقد كانت ظاهرة الإرهاب إحدى السمات التي تميز بها القرن العشرون حيث حصلت المنظمات الإرهابية المتطورة على أكبر قدر ممكن من الإهتمام العالمي والتغطية الإعلامية. ولقد شهد العالم أكثر من اتفاقية دولية واقليمية كلها تندد بالإرهاب ولعل أشهر هذه الاتفاقيات الخاصة بالإرهاب اتفاقية طوكيو عام 1969م واتفاقية لاهاي عام 1970م واتفاقية مونتريال عام 1971م والاتفاقية الدولية عام 1973م لمنع ارتكاب الجرائم ضد الأشخاص الذين تتوفر لهم الحماية الدولية بما في ذلك الدبلوماسيين ومندوبي الدول والمنظمات الدولية. وبتاريخ 3/11/1977م صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع على قرار يندد بالقرصنة الجوية بالإضافة الى توقيع الاتفاقية الدولية الخاصة بإحتجاز الرهائن. وبتاريخ 18/12/1985 صادق مجلس الأمن بالإجماع على قرار رقم 579 والذي يندد بجميع حوادث الإختطاف وحجز الرهائن. واستمر عقد الاتفاقات الدولية واستمرت عمليات الإرهاب. ويمكننا تلخيص الأهداف العامة التي حققتها هذه الاتفاقيات الدولية بالتالي:-
1. تشجيع موافقة الحكومات الصديقة على مصلحتها المشتركة في
مكافحة كل أنواع الإرهاب. إذ أن من المحتمل أن نجاح أي عمل
إرهابي في دولة ما سيؤدي الى محاولات لتكرار هذه الأعمال في
دولة أخرى.
2. توفير مناخ دولي يرفض أي إرهاب تتبناه أو تسانده أي دولة
بحيث تدرك الدول التي تحاول اللجؤ الى الإرهاب أن مثل هذه الأعمال
تضر بمصالحها ولا تخدمها.
3. الحصول على موافقة مختلف الدول على عدم تقديم أي تنازلات
جوهرية للإرهابيين.
4. ضمان عدم إساءة استعمال الدول المساندة للإرهاب لإمتيازات
الحصانة الدبلوماسية المعمول بها في العالم.
5. ضمان اتخاذ الإجراءات الفعالة وبشكل مستمر للحيلولة دون
حوادث اختطاف الطائرات أو تخريبها.
6. توفير مناخ دولي يجعل من الصعب على الإرهابيين القيام
بأعمالهم مثل رفض تزويدهم بالسلاح والمتفجرات والمال.
7. عرقلة تحركات الإرهابيين من بلد الى آخر وذلك باستعمال
القوانين واللوائح الخاصة بإدارات الهجرة والجوازات والحدود.
8. ضمان التعاون الشامل بين خدمات الأمن وقوات الشرطة
والمنظمات الأمنية والحكومية والاستخبارية بحيث يمكن تبادل
المعلومات الشخصية والتنظيمية عن الإرهابيين والمنظمات الإرهابية.
لقد تم عقد الكثير من المؤتمرات وتم اتخاذ الكثير من القرارات وإن جل ما نحتاجه هو التوصل الى السبل الأوضح والطرق الأسلم لتحقيق هذه الأهداف وتنفيذ هذه القرارات على أرض الواقع والالتزام بما جاء فيها من توصيات ومتابعة تنفيذها.
وإنني في هذه المقالة لا أريد العودة الى الأبحاث والنظريات التي رافقت تاريخ الإرهاب أو استعراض التغييرات في المفاهيم والمصطلحات التي بدأت منذ حرب التحرير الشعبية الاسبانية ضد الفرنسيين بين عامي 1808م-1813م والتي أضافت كلمة جديدة لمفردات القاموس العسكري
” حرب العصابات ” وإنما أكتفي في هذا المجال بما جاء على لسان الزعيم الصيني الراحل ” ماوتسي تونغ ” والذي أصدر عام 1937 كتابه الشهير ” حرب العصابات ” وأتبعه بكتاب ” النزاع البطيء ” عام 1938. والذي حدد مراحل ثلاث لأي حركة من أجل النجاح وهذه المراحل هي:
1. الدفاع الإستراتيجي: تتميز هذه المرحلة بانسحاب القوات
الصغيرة المسلحة بشكل تدريجي وبطولي أمام القوات النظامية.
ويسبب هذا الانسحاب خسارة في الأرض وربما في الوقت. ويجب
على القوات الثورية أن تتفادى الاشتباك مع القوات الحكومية في هذه
المرحلة لأن هدفها الأساسي هو الصمود وكسب الوقت.
2. مرحلة الركود: بحيث يظل ” البقاء هو الهدف الأساسي”
والطريقة المتبعة في ذلك….. أن تضرب قوات العصابات
ضربات سريعة يتلوها انسحاب سريع وينتج عن هذه المرحلة
شعور في قوات النظام الحاكم بعدم جدوى المقاومة والتصدي.
بالإضافة الى زيادة ثقل العبء العسكري والمادي والمعنوي.
3. مرحلة الهجوم الاستراتيجي: عندما يكتمل تدريب أفراد
العصابات يتم انتقاء الأهداف ويعمل على ضربها بدقة فائقة.
ولو تمعنا مفهوم المرحلة الثالثة واستعرضنا هدف الإرهاب بشكل عام المتمثل في الحصول على أكبر قدر ممكن من الاهتمام العالمي والتغطية الإعلامية . ومن ثم اغتيال وقتل ممثلي الدولة في الداخل والخارج ومهاجمة الأماكن المقدسة واختطاف الطائرات والقيام بعمليات التفجير من أجل تعطيل الأعمال الحكومية وإشاعة الخوف والقلق وممارسة الضغوط النفسية والإعلامية. وهذه الحالة تعرف في مفهوم مكافحة الإرهاب بإسم “البؤرة الثورية” وهي النقطة التي يتسرب من خلالها الإرهابيون من أجل توجيه ضربات مؤلمة وموجعة وغير متوقعة ومردودها الإعلامي ضخم. وبمفهوم أوضح ” اقطع السلسلة من أضعف حلقاتها” أو كما يقول ماوتسي تونغ “عُض واهرب”.
إن مرحلة توزيع المنشورات واستخدام الفاكسات في الهجوم الإعلامي من الخارج نحو الداخل ومهاجمة واختطاف الطائرات ومحاولات تهريب السلاح الى الداخل هي الخطوة التمهيدية التي تسبق محاولات التسلل والقيام بأعمال إرهابية
ويجب أن نؤكد هنا بأن الإرهاب يتمتع بالديناميكية وأن وسائله تتطور وأنه يلجأ الى التخطيط المدروس قبل عملية التنفيذ. ” فالإرهاب في حد ذاته وسيلة لنشر الذعر والفزع واللجؤ الى الإغتيال والقتل والإعتداء على حريات وحياة الأبرياء وتعطيل الدستور والنظام ” فهناك الإرهاب القائم على القهر والتعسف والإجبار وهناك الإرهاب القائم على إشاعة الفوضى وإعاقة مجرى العدالة والخروج على القوانين المتعارف عليها وهناك الإرهاب الذي يستهدف المثل والقيم والمقومات الدينية والإجتماعية والنفسية وفقدان الثقة والإحباط واليأس.
وهنا يتوجب علينا التمييز بين الإرهاب في دولة بعينها حيث يكون الإرهاب وسيلة لتدمير الحكومة الوطنية من قبل تنظيمات معادية ويتم تمويل الارهاب من الداخل وتقتصر عمليات الارهاب في نطاق وحدود دولة بعينها. وهناك الارهاب الخارجي الذي تقوم بتدريبه وتمويله وتسليحه دولة أخرى معادية وذلك للقيام بعمليات إرهابية مختلفة من قتل وزرع للمتفجرات وخطف الطائرات وتهديد الأماكن والمباني العامة واغتيال
رجال الدولة أو ممثليهم أو ضرب وتدمير المرافق الحيوية مثل آبار البترول وأنابيب النفط والمحطات الكهربائية وشبكات المياه والطرق والجسور.
وهناك ما تعارف عليه باسم الارهاب الدولي والذي تشترك فيه مجموعات إرهاب من جنسيات مختلفة وتتستر وراءه أكثر من دولة وأكثر من منظمة الهدف منه تجنيد عملاء إرهابيين محترفين من جنسيات مختلفة للقيام بعمليات إرهابية في أماكن متعددة ودول مختلفة.
وكما أوضحنا فإن الإرهاب قد يستهدف أشخاصاً أو أماكن عامة أو حكومية أو طائرات نقل أو أماكن مقدسة. وفي كل الظروف والمناسبات فإنه يتم تعريض حياة الأبرياء الى الخطر. وهذا هو مفتاح الإرهاب أي التركيز على “الخطر” فما هو هذا الخطر الذي نتحدث عنه والذي تهدف عمليات الإرهاب الى تجسيده وتحقيقه.
إن الخطر يتكون من ثلاثة عناصر هامة هي:-
1. الأول منها هو الشخص الإرهابي المدرب للقيام بالإعتداء
والمشحون بالإشباع السياسي أو العقائدي لا سيما في أوساط الطلبة
وصغار السن أو الخبراء المتخصصين في شؤون الإجرام والقتل
وهدفهم في أغلب الأحيان الكسب المادي.
2. العنصر الثاني هو أداة الإعتداء أو وسيلة الهجوم فقد يستخدم
الإرهابي المسدس أو المتفجرات أو الأسلحة الرشاشة أو أي أداة
تتراوح بين السكين وبين كل ما يمكن التفكير فيه من وسائل ومن
سموم الى مستوى القصف والتدمير وكل ما من شأنه تعريض حياة
الأبرياء الى الخطر,
3. أما العنصر الثالث فهو الشخص المستهدف فقد يكون هذا الشخص
رئيس دولة أو وزيراً أو سفيراً أو أي طفل أو إمرأة أو بناء حكومي أو
فندق أو طائرة أو قطار أو ميناء أو جسر.
وإن أفضل وسيلة لإبطال الخطر ومنع وقوعه هو العمل على تحقيق المبدأ التالي…… عدم إجتماع عناصر الخطر الثلاثة في نفس المكان والزمان في آنٍ واحد…. ويجب دائماً العزل بين هذه العناصر. ومن هذه المعادلة يأتي مفهوم الأمن ويأتي دور الأجهزة الأمنية في السيطرة على هذه العناصر والتأكد من عدم إجتماعها معاً أو إلتقائها في نفس المكان والزمان.
إن المحلل لمحاولات الإغتيال والتخريب يلاحظ بوضوح وجود حوافز سياسية ومادية ودوافع عقائدية دينية أو حزبية بالإضافة الى توفير التدريب اللازم والإصرار على القيام بأعمال الإرهاب….. كما وأن نجاح أي عملية إرهابية يدلل بكل وضوح على وجود تنظيم وتخطيط مسبق وفعال يتمثل في التمكن من القيام بمحاولات الإغتيال وخطف الطائرات في فترات زمنية متقاربة نسبياً. ولا شك بأن كل عملية قد صاحبها مسح ومراقبة وتخطيط وإصرار على تنفيذ المخطط الإرهابي.
وإن ما يهمنا في هذا المجال هو المعلومات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية
والإستخبارية فيما يتعلق بالجهات الإرهابية المسؤولة عن هذه الأعمال الإرهابية وذلك كي تساعدنا هذه المعلومات في دراسة المنظمات الإرهابية وتنظيماتها المختلفة والعمل على محاربتها وإفشال مخططاتها والقضاء عليها بأقل التكاليف والخسائر.
ومن أجل مكافحة الإرهاب هناك ثلاثة مستويات لمجابهة الإرهاب:
1. المستوى الأول: هو المقاومة السلبية والإكتفاء بالإجراءات الأمنية
العادية والإلتزام بالقوانين الدولية والرضوخ لسياسة الأمر الواقع
وتقديم الشهداء واحداً تلو الآخر مما يؤدي الى تردي الأوضاع الأمنية
وفقدان ثقة الشعب بقيادته وحكومته.
2. المستوى الثاني: هو إتخاذ أسلوب الردع المتمثل في إتخاذ
الإجراءات الأمنية اللازمة للمناطق الإستراتيجية والحيوية
وللسفارات وأعضاء السلك الديبلوماسي والحدود والمطارات
والطائرات.
3. المستوى الثالث: الرد بقوة على كل محاولة اعتداء أو محاولة
إغتيال أو تخريب أو تفجير أو خطف طائرة. وبعد تطبيق ما جاء
في أسلوب الردع من الإجراءات الأمنية الأولية الأساسية والتركيز
على عمليات الإختراق الإستخبارية وتجنيد عدد من العملاء والعمل
على مطاردة الجهات المدبرة لكل عملية تخريبية. بالإضافة الى
إتخاذ الإجراءات الوقائية والإستخبارية واستباق الأحداث وتنشيط
العمل الإستخباري المضاد والتركيز على برامج تدريبية متقدمة
وإختيار الصفوة من أبناء الوطن المعروفين بإخلاصهم ووفائهم
وتفانيهم.