صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
دعونا نعترف بأن هناك فضلًا لفيروس كورونا على البشرية عامة، بفرضه هدنة سلام عالمية مؤقتة بين الدول المتصارعة ، بعد أنه أرعب الدول العظمى والممولة للقتال والصراعات الدائرة في العالم ، وأجبرهاعلى تراجع أنشطتها العسكرية ، وسحب قواتها ووقف انتشارها خوفا من تفشي الوباء ولانشغالها في الحفاظ على حياتها وروحها .
وبذلك يكون الفيروس قد منح الدول المتصارعة ، أو تلك التي ما زالت تعاني تداعيات ما يسمى بثورات الربيع العربي ؛ فرصة للتفرغ لمعركتها الجديدة في مواجهة الوباء ، الذي استهدف حياة مواطنيها .
هذه الدول التي نجت من الموت بالسلاح والقتال والإرهاب ، وجدت نفسها في حرب مع الفيروس الذي يهدد حياة أفرادها ومستقبل وجودها ، وكأنه مكتوب عليها مواجهة الموت والهروب منه، إما بالسلاح أو المعقمات ، فتمترست خلف الكمامات بعد أن كانت تتمترس خلف السلاح ، وارتدت القفازات بذات اليدين التي كان تحمل بهما السلاح ، وكأنه لا مفر من القتال ، وإن اختلف العدو أكان سواء مرئيا أو غيرمرئي كالفيروس ، والمضحك المبكي في الأمر ، أن الفيروس أشعرهم بالموت أكثر من الصراع المسلح .
ومع انتشار فيروس كورونا ، شهدنا تراجع الاحتلال الإسرائيلي عن الاستفزازات والمواجهات المتواصلة مع الفلسطينيين ، وأجل جهازالمخابرات الإسرائيلية “الموساد” العديد من مهامه الأمنية الاستخباراتية خوفا من التأثير السلبي لتفشي الوباء على الشبكات التجسسية المنتشرة في البلدان الموبوءة ، وتخوفا من تعليق حركة الطيران ، وإغلاق المنافذ البرية ، والإخضاع للفحوصات الطبية التي قد تطال عملاءهم وتعرضهم للحجر الصحي ، أو خسارة عملائهم في حالة الموت بسبب الإصابة ، فيفقدون مصدرا، إلى جانب خسارة استثماراتهم المالية التي أنفقوها في تدريبهم .
وفجأة تبدد الخلاف الروسي التركي حول إدلب ، وشهدت سوريا تراجعا ملحوظا في العمليات العسكرية ، وسط مخاوف من تفشي الفيروس بين اللاجئين السوريين على الحدود التركية من جانب، و في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام “بشار الأسد” من جهة اخرى .
نجح فيروس كورونا في تهدئة حالة الغضب التي شهدها العديد من الشوارع العربية في الوقت الذي فشل الساسة في تهدئتها ، حيث خلت الساحات العراقية من المتظاهرين ، ليحقق انتصارا عجزت الأحزاب عن تحقيقه في أشهر ، كما شهدنا هدوءا في الشارع اللبناني الذي شهد حالة من الغضب ، وتوقفت المسيرات في شوارع الجزائر الغاضبة .
إلا أنه وجراء اتساع رقعة الفقر بسبب تعطل الحياة خلال مكافحة الفيروس، وفقد العديدين لوظائفهم وأعمالهم أنهى المحتجون في لبنان فترة الهدنة وعادوا إلى الشوارع ولكن هذه المرة أشد دموية حيث سجلت وفيات.
في ليبيا ، استجابت السلطات الليبية للهدنة الإنسانية للتفرغ لمواجهة فيروس كورونا في ظل عدم توافر الإمكانات الصحية ، وبخاصة أن قوات “حفتر” تضم مرتزقة من مختلف الجنسيات ، الأمر الذي يزيد احتمالية انتقال الوباء إلى صفوف قواته ، فيما اقترحت أفغانستان هدنة مع طالبان لمكافحة كورونا.
أما في اليمن ، فقد أجبر انتشار فيروس كورونا “الحوثي” على تخطي الصراعات الداخلية والموافقة عل وقف العمليات العسكرية “تفاديا لحدوث كارثة إنسانية ” ، وكأن القتال العسكري لا يؤدي لكارثة إنسانية !!.
وتراجع تنظيم الدولة “داعش ” عن أعماله الإرهابية ، بعد أن أجبرها لفيروس على تغيير استراتيجيته وتجنب المدن الأوروبية المتفشي بها المرض ، خوفا من إصابتهم بالفيروس.
الخوف من الفيروس الزم التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة”، بقيادة الولايات المتحدة سحب قواته من العراق ، كما سحبت بريطانيا جزءامن قواتها المنتشرة هناك ، إلى جانب عقد اتفاق جرى بين الولايات المتحدة مع حركة “طالبان” لخفض مستوى القوات المنتشرة في أفغانستان .
لأول مرة ، ومنذ سنوات يتوقف الجيش الإيراني عن بث مقاطع فيديو دعائية عن صواريخ جديدة أو مناورات عسكرية بعد أن بات منشغلا بمكافحة الفيروس الذي تفشى بشكل كبير في مختلف المدن الإيرانية.
من الواضح أن فيروس كورونا الذي باعد اجتماعيًا بين البشر ، جمعهم في زاوية مكافحة الفيروس ، وساوى بينهم بنشر السلام ووقف القتال المسلح، وإن كان مؤقتا ومزيفًا، كما أوقفت نشاطات مجلس الأمن ، فلا جلسات ولا اجتماعات لمناقشة فض النزاعات .
رغم أن الأمر يظهر بأن هناك وجها إيجابيا – إن جاز لنا التعبير – لـ” كورونا ” ، في فرض هدنة إجبارية ، أوقفت إطلاق النار في العالم – مؤقتا – لمواجهة الوباء، وإنقاذ ملايين البشر من الموت الذين سيجدون أنفسهم يقعون في شرك الفقر والبطالة ، الأمر الذي سيعيد المواجهات والصراعات بعد انتهاء الهدنة إلى الواجهة مرة أخرى ، لكن هذه المرة ستكون مواجهات أشد وأبلى من سابقاتها، خاصة في الدول التي مازالت ترزح تحت تأثير ثورات الربيع العربي المزعوم ، فيما بدت بوادرتظهر في لبنان بعد عودة المحتجين إلى الشوارع وبأكثر دموية.
Jaradat63@yahoo.com