أسوأ ما يفعله بعض المحسوبين على الطبقة السياسية، ممن يخشون على مصالحهم، ويدافعون عن “حوزاتهم”، هو الاختباء خلف عنوان الدولة والنظام السياسي، ومباشرة إطلاق النيران على من يختلف معهم، أو يدافع عن البلد من وجهة نظر أخرى، هؤلاء حملة المباخر السياسية، أخطأوا مرتين: مرة حين اختزلوا الأردن بهم وحدهم، واعتقدوا أنهم الحريصون عليه، والمؤتمنون على مستقبله، ومرة ثانية حينما جرّدوا الآخرين من وطنيتهم، وأخرجوهم من دائرة المعنيين بالصالح العام لدائرة العابثين به، ثم قسّموا المجتمع لفسطاطين: أخيار وأشرار، فيما الحقيقة أن الأردنيين، كلهم بلا استثناء، أخيار بذاتهم، ولبلدهم أيضا. معظم الذين يتطوعون لتقديم النصائح والمواعظ، والتحريض ضد كل من ينتقد الأداء العام، سبق للأردنيين أن جربوهم، وربما ما يزالون، ثم كشفوهم، فجردة إنجازاتهم بيدر من الأزمات التي نعاني منها حتى الآن، كان يمكن أن نسمع لهم ونصدقهم، لو اعترفوا بأنهم جزء من المشكلة أو سبب فيها، لكنهم ظلوا يتصارعون على الخيبات، ويحمّلون الأردنيين الطيبين فشلهم وعجزهم، وحين خرج بعضهم من الوظيفة العامة، أو تأخر نصيبه بموقع جديد، لم يتردد عن ركوب الموجة، أي موجة، ما دام أن الهدف محسوب على مسطرة المكاسب والغنائم. لقد حرم هؤلاء بلدنا من كفاءات أبنائها المخلصين، وتركوه مسرحا لموظفي ” ليلة القدر” الذين نزلوا ببركة الواسطة والمحسوبيات، ودعوات كبار ” الذوات” وتزكياتهم، ولكي يستمروا في ذلك احتكروا وصفة الوطنية، وأطلقوها على دائرة ضيقة من المزايدين، ونصّبوا أنفسهم حراسا عليها، فهم وحدهم من يمنح صكوكها، ويرسم حدودها، كل ذلك وفقا لاعتبارات مغشوشة، لها علاقة بالمكاسب لا بالمبادئ، وبالعقوق للبلد الذي منحهم فوق ما يستحقون. يخطئ من يتصور أن إقصاء بعض الأردنيين، أو تخويف الناس منهم، مدخل للتوافق أو مخرج من الأزمة، أو أن وضع “الحجر الوطني ” وظيفة طرف دون الآخر، أو مهمة البديل على حساب أصيل، كما يخطئ من يظن أن انقسام المجتمع دليل على العافية والنجاح، وأن بيع الوهم طريق لإعادة الأمل، وإن شراء الوقت أقصر طريق إلى صيدلية الحل. لماذا أقول ذلك؟ لثلاثة أسباب، على الأقل، الأول انه لا يوجد شعب بالعالم العربي أعطى حكوماته والمسؤولين عنه من مجتمع النخبة، مهلة للإصلاح كما فعل الشعب الأردني، ولا يوجد شعب تحمل وصبر على أزمات بلده، وتعامل مع الذين أفسدوا حياته وسرقوا أمواله وأعمار أبنائه، بسماحة كما فعل الناس في بلدنا، أفلا يستحقون، بعد كل ذلك، أن يقولوا لهؤلاء الذين يغيرون أقنعتهم: كفى، أعيرونا صمتكم، وعودوا إلى بيوتكم سالمين. السبب الثاني: لا يوجد أحد من الأردنيين، حتى على أقصى يمين ممن يصرخون باسم المعارضة، يؤمن أو يدعو للمسّ بالنظام السياسي، الكل يعتقد أنه من الثوابت الوطنية غير المسموح العبث بها أو الاقتراب منها، وبالتالي فإن هذا الإجماع الوطني لا يمكن أن يجيّر لطرف على حساب طرف آخر، أو أن يُستخدَم او يُوظَف لصالح طبقة سياسية قائمة، ضد طبقة معارضة، إذا سحبنا هذه الذريعة ممن يرفعها، فإن أي انتقاد مجاله الأداء العام للحكومات والمؤسسات الفعالة، حق وواجب على الجميع، ولا يجوز أن يخضع لمعادلة القبول بالملّة الوطنية أو الطرد منها. السبب الثالث: ثمة مستثمرون يستغلون ” الازمات” التي تمر ببلدنا، ظانين انها أفضل فرصة لإثبات أحقيتهم بالمواقع العامة، أو استمرارهم فيها، أو عودتهم إليها، أو لحماية ما حصلوا عليه من امتيازات، أو لمنع أي تغيير يفقدهم حضورهم هؤلاء لا يجدون طريقا لتقديم أنفسهم سوى ” الضرب” بالآخرين، والتشكيك فيهم، وتهشيم أفكارهم، لديهم قناعة بأن الناس يثقون بهم ويصدقونهم، فيما الحقيقة عكس ذلك، فمواقفهم تصب باتجاه العكس تماما، وتولد مزيدا من الشحن والتحريض أيضا.