الجهات الدولية المانحة وصندوق النقد الدولي والدول الدائنة تشترط إصلاحات ضريبية، سواءا لمزيد من القروض أو الجدولة أو المنح، والعملية ببساطة للتأكد من أمرين، فعلى صعيد الديون والقروض فتبتغي الدول صاحبة الإستحقاق التأكد بأن عملية الوفاء بالدين لن يشوبها عوائق لضمان حقها، وأما الدول المانحة فبرامجها في المساعدات أصبحت ولضمان أن ما تقدمه يذهب في المسار الصحيح تتطلب بيانات إصلاحية مالية وسياسية وإجتماعية وغير ذلك مما يسمى المنح المشروطة.
في الموازنة ولتحقيق السيولة والتدفق النقدي المطلوب من باب الإيرادات تشكل المنح والقروض نسبة لا بأس بها، سواءا لمشاريع رأسمالية أو نفقات جارية.
المعضلة الكبيرة التي يواجهها رئيس الوزراء الأردني هي تحقيق سقف مالي للرواتب الشهرية والتي تبلغ من الموازنة ما قيمته حوالي ٨٥٪ ، وهذا يشكل معاناة يعيشها وزير المالية ورئيس الوزراء على مدار ثلاثين يوما في الشهر، حيث يتم متابعة تدفق الإيرادات بعناية، وتكون الأولوية الأولى للرواتب ثم النفقات الجارية الأخرى والدفعات المستحقة للمشاريع الرأسمالية.
القطاع الخاص والأسواق والتي تشكل دعامة أساسية للقطاع العام يستمدان جزءا كبيرا جدا من إيراداتهما من المواطنين الذين يعتمدون على الرواتب ومن مستحقات الدفع الحكومية للعطاءات والمشتريات، وبذلك تكتمل سلسلة الفائدة وتدوير السيولة، إضافة لما يأتي من سيولة من الخارج من المغتربين.
توقف أو تأخر الرواتب ليس بمصلحة أحد، وأي شيء من هذا القبيل ينعكس سلبا على قيمة العملة وثقة المستثمرين والحالة المعنوية العامة.
الأمور متشعبة كثيرا ولكنها مترابطة جدا، فحتى تدعم الموازنة بالمنح والقروض الدولية وجدولة الديون الخارجية تفرض عليك إصلاحات ضريبية تثقل على المواطن، وحتى تحقق إيرادات توصلك للسقف المالي للرواتب الشهرية في هذا الجمود الاقتصادي المفروض عليك بحكم الوضع السياسي الاقليمي وإنعكاساته تحتاج فرض الضرائب، فالأمر أشبه ما يكون بفكي كماشة تلزمك بالضرائب، والهدف واحد وهو إستمرار دورة السيولة والحفاظ على المواطن وقوته وعلى سعر صرف الدينار وسمعة البلد الإقتصادية.
الخيارات المتاحة محدودة جدا خاصة أمام الإنكماش الإقتصادي الذي أصاب دول الخليج، وضبابية المشهد مع الولايات المتحدة على صعيد المساعدات الاقتصادية في ظل الرئاسة الجديدة.
شعبيا وعلى المنبر الشعبي الفيسبوك ومجموعات الواتس أب تطرح حلول كثيرة، منها المقنع ومنها غير المقنع، ولكنها بمجملها لن تريح الرئيس أمام سباقه الماراثوني لتحقيق سقف الرواتب الشهري.
الإصلاحات الإقتصادية النمطية والمفاجئة كرفع الضرائب وملاحقة العمالة الوافدة والمغالاة بمفهوم الفساد تخلخل أساسات القطاع الخاص، وهذا إقتصاديا يعد مخاطرة كبيرة.
لم يتنبه جهابذة الاقتصاد إلى دور الاقتصاد المعرفي والرقمي والاستشرافي في حل المشكلة الاقتصادية الأردنية، وللأسف وعلى الرغم من وضوح الأمور ووجود الحلول السريعة والمستدامة، فلم يتنبه لها منهم أحد.
هنالك حزمة من المداخلات الجراحية والانعاشية، ونعلمها تماما، ولكن لن نبقى ننادي بها أمام أذان صماء.
أ.د. محمد الفرجات