صراحة نيوز- بقلم موسى العدوان
الوكيل محمود راكان المشاقبة هو أحد المحاربين في كتيبة الحسين الثانية – أم الشهداء – أمضى خدمته العسكرية التي بلغت 24 عاما في الكتيبة نفسها من عام 1958 إلى أن أحيل على التقاعد عام 1982. فقبل حرب عام 1967 كانت كتيبته بقيادة الشهيد منصور كريشان – رحمه الله – تتمركز في مرتفعات القدس، من باب العمود إلى الشيخ جراح وتل الذخيرة، وهي المنطقة الحيوية التي تعتبر مفتاحا لاحتلال القدس.
بعد منصف ليلة 5 / 6 حزيران 1967 شن العدو هجوما مركّزا على مواقع الكتيبة، مستخدما أفضل قواته المقاتلة، والممثلة بلواء المظليين 55 بقيادة العقيد موردخاي غور، بقصد احتلال تلك المواقع تمهيدا لدخول القدس. فقام اللواء بعدة هجمات على مواقع الكتيبة مسندا بالطائرات والدبابات والمدفعية.
وجرى قتال عنيف بين الطرفين أمتد حتى الصباح، حيث تحول إلى قتال بالسلاح الأبيض، بمواجهة عدو متفوق عدة وعددا، وتمكن في النهاية من اكتساح المواقع الدفاعية، مما أدى لاستشهاد أعداد كبيرة من جنود وضباط الكتيبة. كان الوكيل محمود أحد أفراد الكتيبة الذي وقع بالأسر، وواجه صنوف العذاب من قبل جنود العدو، إلى أن أفرج عنه بعد 23 يوما، في صفقة تبادل الأسرى بين الطرفين.
بعد أن أحيل الوكيل محمود على التقاعد، واجه العديد من المشاكل الصحية منها تركيب 8 شبكات للقلب، إضافة لارتفاع الضغط والسكري، ومواجهة أعباء الحياة المعيشية. وكان قد توجه بطلب للديوان الملكي لمساعدته في تدريس أبنائه في الجامعات، إلا أنه لم يحصل على ذلك واضطر لتدريسهم على نفقته الخاصة، كان آخرهم إبنه الأصغر الذي أنهى تخصصه في النظم المعلوماتية من جامعة الزرقاء الأهلية عام 2015 وما زال عاطلا عن العمل.
يقول محمود أنه منذ أن أحيل على التقاعد قبل 35 عاما وهو يتقاضى راتبا تقاعديا أقصاه حوالي 300 دينار، ووضع على قائمة النسيان، إذ لم يتم التواصل معه من قبل أي جهة رسمية، أو دعوته في احتفالات المحاربين القدامى، أو منحة فرصة الحج أو العمرة، رغم اشتراكه في مؤسسة المتقاعدين والمحاربين القدامى.
عندما علم محمود بقرار الرئيس الأمريكي ترامب، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وقع عليه الخبر كالصاعقة وأجهش بالبكاء لأنه يختزن القدس في ضميره. وعندما أطلعته في الأسبوع الماضي، على صور وفيديو تل الذخيرة، وشاهد الخنادق والملاجئ المحصنة التي قاتلت بها كتيبته، أثارت شجونه وتذكر زملاءه الذين استشهدوا أمام عينية في تلك المعركة، فلم يتمالك دموعه التي تدحرجت على وجنتيه بحرارة الذكرى وقدسية المكان.
إن أقصى ما يتمناه محمود المشاقبة هذه الأيام، وهو المحارب الذي واجه الموت والعذاب خلال معارك القدس، ولكن الله تعالى كتب له النجاة، هو أن يحظى برعاية القوات المسلحة التي أمضى في خدمتها ما يقارب ربع قرن، وأن يصلي في المسجد الأقصى، ويزور مواقع المعركة، ليقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء من زملائه، الذين عطروا تراب المكان بدمائهم الطاهرة.
وهنا أود أن اطرح التساؤلات التالية : هل هكذا وبالإهمال يعامل المحاربون القدامى، وخاصة محاربو كتيبة الحسين الثانية أم الشهداء ؟ أليست رعاية المحاربين القدامى الذين ما زالوا على قيد الحياة، من أولى واجبات التوجيه المعنوي، ومؤسسة المحاربين القدامى، وكذلك من واجب كتائبهم ؟ أليس هؤلاء أحق بالعناية الاجتماعية، وأحق بالدعوة للاحتفالات الوطنية أكثر من غيرهم ؟ لاسيما وأن يوم المحاربين القدامى يصادف في 15 شباط من كل عام.
وأتساءل أخيرا : من يكفكف دموع ذلك المحارب القديم محمود المشاقبة، ومن يرعى شؤونه الصحية والاجتماعية، ومن يحقق له أمنيته بزيارة القدس أيها المسؤولون ؟ آمل أن يكون هناك من يقرأ ومن يستجيب . . !