صراحة نيوز – بقلم جمال الدويري
هناك من اجتزأها وقرأها كما قرأ واجتزأ: ولا تقربوا الصلاة, فتركوا فرضا من فروض الله سبحانه, وهنا ترك البعض, احترام وتبجيل المعلم الذي كاد ان يكون رسولا, فهو صاحب رسالة تنويرية نبيلة, تحمل من الظلمات الى النور, من الجهل وظلمات عدم الوعي والإدراك, الى نور المعرفة والفكر والثقافة والبناء المعرفي النافع, وذلك لسوء النية, او لكبْرٍ في نفسه, او مسح جوخ لأحد على حساب أحد, فقاموا له بسكين بغيضة ولسان وقلم ومنصب ولقب, ليجلد ويجرح ويُجرّم ويَجْرُم, عماد الحضارات والثقافة والفكر والعلم ونهضة الأمم, وكأنه لا يكفيه ضنك العيش والعوز والفاقة وقلة احترام غير المحترمين له, والإهانات والاعتداءات في حرم المدرسة والجامعة وأنّا وُجد المعلم, والتي اصبحت بطولات السفهاء التي يجري الحديث عنها في المجتمع بكل روتين وعادية, بل وتفاخر وزهو.
وكفانا ان نسمع مكررا: والله رحتله عالمدرسة ونهنهته من الكتل, يا زلمة مصيّح عالولد. ولا يجد من يردعه ويقل له: كسر الله يدك على شنيع فعلك وجهلك.
لست شخصيا, ممن يدفنون رؤوسهم بالرمل, ويزكّي المعلم على الله, بالمطلق وبلا حدود, أو يدافع عن أخطاء البعض منهم وتجاوزاتهم, بحق الطلبة, والوظيفة والرسالة التي يؤديها او لا يؤديها كما يجب, ولكن هؤلاء يبقون أمثلة قليلة شاذة, خارجة على الوضع العام والأكثرية التي, تذوب شمعا لتنير الطريق والعقول للمجتمع وأدوات بنائه وتطويره, المعلمون الملتزمون الباذلون كل جهد ممكن, بأمانة وإخلاص, رغم أوضاعهم المغرقة بالحاجة وضيق ذات اليد.
وبدل ان يرفع مسؤولونا ونوابنا القبعة احتراما وتقديرا وعرفانا للمعلمين الذين تتلمذوا هم ايضا على أيديهم, والذين اوصلوهم بعد الله, الى ما هم به من نعماء المنصب وجاه السلطان, ينكر بعضهم جميل هذه الشريحة التنويرية المحترمة, ويجردون عليهم كل سلاح ممكن وغير ممكن, ويعلنون عليهم حربا ظالمة لا مبرر لها, ويرفعون عليهم الصوت واليد وسطوة المنصب, كالحلقة الأضعف بالمعادلة المجتمعية, غير آبهين بالمنطق والموضوعية وحسن التعامل, ولا مكلفين أنفسهم البحث عن الأسباب الحقيقية لتردي العملية التربوية التعليمية ومخارج مدارسنا وجامعاتنا, خوفا على رؤوس الأموال القذرة التي امتهنت التجارة وتربية المال وتعويمه, بدل تربية الجيل وتعليمه, واقتناصا لمزيد من الفرص الشخصية والامتيازات وتزلفا للرسمية الحكومية, التي فشلت فشلا ذريعا بتقييم نظامنا التعليمي وتصويب مساره ووضعه, وخوفا على السياحة التعليمية التي أصبحت تتراجع بالفعل والأرقام.
وأتحدى, كل المعنيين الرسميين, ان يكونوا قد قاموا بدراسة مهنية ميدانية محترفة, لمداخل ومخارج العملية التعليمية برمتها, ترتكز على بنك للمعلومات والإحصائيات الموثقة, تضع يدها على الخلل وأسباب السقوط, ثم تضع استراتيجية محترفة ايضا, وتكتيك مؤسساتي واضح المعالم, من خبراء محليين او دوليين, لا يهمهم الوزير الفلاني ولا المسؤول العلاني, وليس جزءا من عمليتهم, التسحيج لصاحب المعالي هذا او إدانة ذاك.
وكما تعرف الأكثرية وأصحاب الاختصاص, بأن العملية التربوية التعليمية, تقوم على مثلث لا تستوي العملية ولا تستقيم, اذا ما اختلت احدى اطرافه او زواياه, الا وهي: البيئة التعليمية, من غرف صفية وملاعب ومختبرات وأعداد طلاب تسمح لأطراف المعادلة بالأداء المطلوب, والمعلم, من حيث استقراره الشخصي والنفسي, وعدم الخوف على مستقبله الوظيفي والعائلي, والإعداد النظري والعملي الجيد له, القائم على نظريات علمية مجربة وخبرات محلية وعالمية ناضجة, الى الحرية بالخلْق, والتحفيز المؤدي الى التميز والإبداع, وثالث الأثافي, المنهاج الوطني التعليمي الانساني الملهم, الذي يخلط بين الإرث والأصالة والثوابت, والتحديث ومتابعة ركب التطور التقني والاليكتروني ووسائل المعرفة والتعلم الحديثة.
وإذا ما اخضعنا نظامنا التعليمي لهذه القواعد ومضاعفاتها, وبموضوعية وتجرد, فلسوف تفزعنا النتيجة ويقض مضجعنا الخوف على الغد العلمي والرقي الحضاري المأمول, ولنجد الكثير من الخلل, الذي استشرى وتعمق, عندما خضعت التربية والتعليم لموازين السياسة والحسابات المحلية والدولة المتدخلة بما نرغب ولا نرغب, فطمس اللجوء والتقصير الرسمي بمواكبة الحاجة والاتساع, معالم وصحية بيئتنا التعليمية, وقصرت هذه ايضا بحق المعلم واستقراره وسبل إعداده الكافي والضامن للأداء المطلوب, وكذلك فعلت مناهجنا التي أصبحت عجينة مطواعة يشكلها ويلعبون بها غرباء على الوطن والدولة والثوابت الأردنية.
ومن نافلة القول, ان نؤكد على ان الحضارات تقوم على كواهل وقدرات المعلمين, وتسقط ان هم سقطوا او أُُهملوا, وليعلم الجميع بأن بعضا من القناديل التي تضئ درب المجتمعات للنهضة والرقي, انما تُسرج بدم وعرق المعلمين وكدهم وعظيم جهدهم, وتحميها زنود العسكر ومشاريع الشهادة, ولذا, ولأسباب كثيرة غيرها, فإنه لا يجوز لأحد, مهما كان لقبه ومنصبه وموقعه الوظيفي, ان ينال من كرامة وسمعة وجميل هذا المعلم, عماد الصرح وحامل راية العلم والمعرفة والتربية.
ولا تنسوا, أننا جميعا, لم نكن لنصل الى مواقعنا ومعرفتنا وقدراتنا الفكرية والمهنية, لولا الله, ومعلما أمسكنا طرف خيط العلم والمعرفة, وكشف عن ابصارنا وبصائرنا, غمة وحلك ليل الجهل وأذاه, وانه لزاما علينا احترامه وتقديره وحمايته من جهل البعض وسوء إدارة الحكومات المتعاقبة لمشاكله وتقدير معاناته وإزالة أسبابها.
وأشكر بهذا المقام, والدي رحمه الله وأحسن مثواه, الذي علمني الحرف الأول والإدراك الأول بقيمة العلم والمعرفة, والشكر الموصول وجل الاحترام, لكل معلمي الارض والوطن.
على فكرة, انا مع البصمة الإليكترونية لدوام المعلمين, وبلا تحفظ.