صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
الديناصورات كما هو معروف حيوانات عاشت على وجه الأرض قبل ملايين السنين. وكلمة ديناصور في الأساس مشتقة من اللغة اليونانية وتعني ” السحلية المخيفة “، رغم الفرق الكبير في الوزن بين الديناصور والسحلية. فوزن الديناصور يبلغ أضعاف وزن الفيل، بينما لا يزيد وزن السحلية عن بضع مئات من الغرامات، ولكن يجمعهما التشابه في الشكل.
سيطرت هذه المخلوقات على الأرض ملايين السنين ثم انقرضت في وقت لاحق. وجرى تصويرها في كثير من الروايات والأفلام السينمائية التي تعرض على المشاهدين، وأصبحت هياكلها العظمية تقام في المتاحف حول العالم، وتشكل معالم جذب سياحية هامة.
ورغم أن الديناصورات الحيوانية قد انقرضت من العالم، إلا أننا في الأردن اكتشفنا أن لدينا ديناصورات بشرية. وكان أول من اكتشفها وأعلن عنها هو جلالة الملك عبد الله الثاني، عندما تحدث مع الصحفي الأمريكي ( جولد بيرغ ) الذي كان يرافقه في الطائرة العمودية محلقا في سماء المنطقة الجنوبية في شهر آذار 2014. في تلك الرحلة الجوية أبلغ جلالته رفيقه الصحفي، بأنه سيجتمع بعد قليل مع بعض الديناصورات المتقاعدين من السياسيين والعسكريين. فأصبح هذا الاصطلاح دارجا بين عامة الشعب فيما بعد.
لفت انتباهنا هذا الاصطلاح إلى العديد من الديناصورات العاملين في مختلف مفاصل الدولة، وهم من يتصدرون المشهد الرسمي في البلاد ويتحكمون بمصائر الناس. وبالرغم من تخرج الديناصورات من أرقى الجامعات المحلية والعالمية، إلا أنهم يديرون الدولة بعقلية جامدة وفكر متخلف، أدي إلى تحقيق الفشل الذريع في قيادة مؤسساتهم. والغريب في الأمر أنهم يتنقلون من موقع إلى آخر لا يهبطون على الأرض، فمن مقاعد الجامعات إلى مقاعد الصفوف العليا في الدولة، وحتى بعد أن يبلغ الكبر بهم عتيا، فإنهم ينضوون تحت مظلة أحد المجالس بصورة مؤبدة، إلى أن تدنو رحلتهم الأخيرة إلى السماء .
وإذا ما نظرت إلى وجوههم في مختلف المناسبات، فإنك قد تصاب بالبؤس والإحباط، وإذا ما استمعت إلى تصريحاتهم وخطاباتهم ستصاب حتما بالاشمئزاز، لفرط ما يكتنفها من تزلف ونفاق لا يليق بأعمارهم ولا بالمواقع التي يحتلونها. خطابات تبتعد عن طرح الحقائق التي تمس حياة الناس ومصادر شكاواهم. فيعمدون لإسماع أسيادهم كلاما معسولا يقلب واقع الأحوال، ويتغنون بالأمن والأمان وكأن الشعب يعيش في المدينة الفاضلة. ثم يختمون خطاباتهم بالدعاء غير المستجاب، ليفقدوا بعدها ثقة الشعب واحترامه لهم.
ما نراه اليوم من حُكْم الديناصورات وإصدار قرارات عشوائية غير مدروسة، ينعكس بنتائج سلبية على الشعب وعلى مسيرة الوطن بشكل عام. فالقرارات يجب أن تهدف أساسا إلى تحقيق مصالح الشعب وأن تحظي بقناعته وقبوله، ولا بأس في التراجع عن القرارات التي يرفضها الشعب بعد أن يتبين خطؤها، لا أن لا تأخذ مُصدِرُها العزة بالإثم والإصرار على رأيه مختطفا دور الشعب والوقوف في الخندق المقابل، فيصعّد الموقف لما لا يحمد عقباه.
يقول الدكتور عاطف الغمري : ” الدولة هي أشبه بكيان يمشي على ساقين، الحكم والناس. وإذا استغنى الحكم بنفسه عن الناس ولعب الدورين معا دورهم ودوره، فهو كمن يمشي بساق واحدة، وإن فعل فهو متعثر الخطى منتكس الاتزان، عاجز عن أن يصلب طولا أو يثبت قدما “.
وقد قال مونتغمري في هذا المجال ما يلي : ” عندما تصبح الأمة بحاجة ملحّة إلى القائد السياسي الذي يصلح لإقامة البناء . . القائد الذي يمكن الاعتماد عليه ليبدأ المهمة عندما يلوح الخطر . . يظهر الرجل القادر على تولي زمام الموقف والصمود حتى النهاية “. فمن يتولى قيادة الشعب يجب أن يتصف بالإخلاص للوطن، بعد النظر، التفاني ونكران الذات، النزاهة والأمانة، الشجاعة والحزم، المرونة ، ومعرفة الطبيعة البشرية كي يعرف التعامل مع الأحداث الجارية والمتوقعة.
وهنا أعود إلى مصطلح جلالة الملك، الذي يعبّر عن انقضاء زمن الديناصورات، وأسأل : أما آن لهذه الديناصورات التي تجثم على صدورنا لما يقرب من نصف قرن أن ترحل، بعد أن فشلت في إدارة الدولة، وملّها الشعب وفقدت ثقته ؟ إن تحقيق هذا المطلب هو أمل معظم الأردنيين، كما أنه يتناغم مع دعوات جلالة الملك في إفساح المجال للقيادات الشابة، كي تتولى إدارة الدولة بأفكار وممارسات خلاّقة، فربما يبرز من بينها مهاتير أردني ينقذ الوطن من أزماته المختلفة . . !