صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
بانتظار ما سيعطيه التحقيق من معلومات إضافية، فإن المتوفر حول خلية السلط الإرهابية يكفي للخروج ببعض الاستخلاصات وهي مهمة لتوجيه بوصلتنا في المرحلة المقبلة.
أولا، إن أفراد المجموع ليسوا متسللين من الخارج بل هم من أبناء البلد، وثانيا إنهم ليسوا من أبناء مناطق أو أوساط اجتماعية مهمشة، وثالثا إنهم غير مرتبطين تنظيميا بداعش، ورابعا إنهم، أو معظمهم، حديثو التنظيم!
هذه المعطيات تستوجب التوقف أمامها كثيرا وهي تقود الى الاستخلاصات الأولية الآتية: أولا أن أمننا الوطني في مواجهة التسلل الإرهابي من الخارج ما يزال محفوظا بصورة جيدة وأن الجهود الأمنية تحقق نجاحا بارزا في درء خطر ارتداد الدواعش الى الداخل الأردني بعد سحق التنظيم في سورية والعراق. وثانيا أن الإرهاب الناشئ من الداخل لم ينته وهو قد يكون تلقى انتكاسة معنوية بهزيمة داعش لكنه لم يستسلم. وثالثا أن الخلايا النائمة أو الناشئة أو المتخلقة حديثا تعمل باستقلالية عن التطورات الخارجية ولا تخضع أنشطتها لتوجيهات ولا تبني تحركها وفقا لقراءة سياسية للأحداث وإلا لكان الخط الصحيح الآن مراقبة التطورات والحفاظ على القوى الذاتية وبناء التنظيم، ولكن من الواضح أن الخيال والأوهام الذاتية والرغائبية هي ما يقود تحركها وهي تؤمن أن العنف والقتل في أي وقت متاحان وطالما توفر الأشخاص والعتاد هو النهج المعتمد الذي يحقق لها الحضور والشعبية. فإن احتمال حصول محاولات إرهابية جديدة قائم في أي وقت طالما توفر أي عدد ممن يؤمنون بهذا الطريق.
وأخيرا، وكما أمكن الاستنتاج من دراسات ميدانية سابقة، فإن للإرهاب أساسا ثقافيا فكريا وما تبقى هي عوامل مساعدة تتنوع من حالة لأخرى. ولهذا ليس هناك وسط بمعزل عن هذا الانحراف الذي يبدأ بإذكاء التشدد الديني السلفي الذي يتحول عند لحظة معينة الى العمل المسلح، وعليه تبقى الساحة الخلفية للجهد الأمني المباشر هي ساحة المواجهة الفكرية والثقافية.
وقد لا أقول جديدا بهذا الصدد، لكننا كل مرة ننسى المعنى والاستخلاص المترتب على هذا التشخيص في مواجهة دعاة التطرف والتشدد الذين يوسعون قاعدة الجمهور الذي منه يتم التجنيد للإرهاب. وأشير بصورة خاصة الى الحديث القوي والصريح للأستاذ محمد داوودية على التلفزيون الأردني حول الحضور الحر لهؤلاء الدعاة والجمهور الذي يلتف حولهم وقد يكون العديد منهم يتصرفون بقناعة دينية عميقة وبدون أجندة سياسية داعشية، لكنهم واقعيا يمثلون البيئة الحاضنة للإرهاب والغطاء الفكري للتعاطف مع الإرهابيين والإثبات يأتي من المعلومات التي أدلت بها السلطات أن أعضاء المجموعة الإرهابية من الجدد غير الموجودين على قائمة الأشخاص المعروفين من السابق في تيار السلفية الجهادية.
خطاب التطرف الديني قد لا يحتوي بصورة مباشرة على عناصر الإدانة القانونية ما دام لا يحرض بصورة صريحة على حمل السلاح في وجه الدولة والمجتمع، لكننا اليوم نستطيع أن نميز الخطاب الديني النزيه الذي يحمل ويحمي قيم التسامح والمواطنة الصالحة عن خطاب التشدد والكراهية والتكفير المفضي الى العنف، ويمكن التمييز بين الاستثمار في السخط الاجتماعي للانزلاق في طريق العنف والتدمير الذي يقود الى منطقة مظلمة نموذجها الدولة الداعشية أو العكس الذهاب في طريق المشاركة الجماعية بالاحتجاج السلمي والمطالب الملموسة لإصلاح الأوضاع أي لنقل كنموذج ملموس طريق “الدوار الرابع” حيث تعلو إرادة الناس وتحت الضوء.