صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
على إثر زيادة أسعار المحروقات بمبالغ بسيطة من قبل الحكومة الفرنسية قبل ثلاثة أسابيع، انفجرت المظاهرات والاحتجاجات التي يقودها ذوي السترات الصفراء، في العاصمة باريس ومختلف المدن الفرنسية مطالبة بإلغاء ذلك القرار. وذوي السترات الصفراء يشكلون حركة اجتماعية غير مسيسة، تمثل الطبقات الاجتماعية الفقيرة.
في تلك الفترة كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يشارك في اجتماعات قمة العشرين المنعقدة في عاصمة الأرجنتين بوينس آيرس. وعندما سمع بخبر تلك الاحتجاجات رفض طلبهم وأصر على عدم التراجع عن قراره، مما دفع المحتجين الذين تجاوز عددهم 80 ألفا، لمضاعفة احتجاجاتهم والقيام بأعمال العنف وإشعال الحرائق، وإغلاق مدخل رئاسة الحكومة بالطوب، ورش مياه المجاري على مبنى البرلمان. وقد عزا البعض تأزيم الأوضاع إلى الرئيس ماكرون لأنه تعامل مع مطالب المحتجين بعجرفة كبيرة، ولم يسارع في الاستجابة لمطالبهم.
إزاء هذا الموقف العنيف من قبل المحتجين، والذي لم يكن له رأس مدبر ليتم التفاوض معه، اضطر ماكرون للاعتذار من الشعب، وارتدى السترة الصفراء تضامنا مع المحتجين، وعمل على تجميد قراره لمدة 6 أشهر. ولكن المحتجون رفضوا عرضه واعتبروه ذرا للرماد في العيون، وأصروا على مواصلة المظاهرات حتى تتم الاستجابة لبقية مطالبهم، التي تتلخص في ( رفع معاشات البسطاء، وإعادة فرض ضريبة الثروة على الطبقات الميسورة ). وقد أيدت النقابات الطلابية وعمال الصحة والمزارعون وسائقوا الشاحنات هذه الطلبات، وأعلنوا عن مشاركتهم في احتجاجات يوم السبت 8 ديسمبر 2018، وظهرت أصوات تنادي باقتحام قصر الأليزيه، المقر الرسمي لرئيس الجمهورية.
لم يخطر ببال ماكرون أن يستعين بالدكتور الرزاز، صاحب الخبرة والمراوغة في الوعود الناعمة، وتنفيذ القرارات الصعبة بأساليب ملتوية. ولم يستعن بمجلس نوابنا الذي مهد الطريق لإقرار مقترحات مجلس الوزراء وصندوق النقد الدولي. ولم يطلب أيضا الاستعانة بخبرة مجلس الأعيان، الذي ضاعف ضرائب مجلس النواب، خاصة وأنه يضم بين أعضائه خبراء ماليين، لهم باع طويل في فرض الضرائب المجحفة بحق الشعب.
لقد نسي ماكرون قليل الخبرة السياسية أحداث الثورة الفرنسية عام 1789، عندما توجهت الجماهير الجائعة والمحتجة على الضرائب وسوء حالة البلاد إلى قصر الإليزيه، مطالبة الملك لويس السادس عشر بالطعام. فخاطبهم الملك قائلا : ” لقد نبت الحشيش . . فاغشوا الحقول وارعوا ما شاء لكم ذلك “. وعندما عرفت زوجته الملكة ماري أنطوانيت، بأن سبب احتجاجات الشعب هو الجوع وعدم توفر الخبز قالت : ” لماذا لا يأكلون البسكويت ؟ “.
في هذه الأثناء كان بلاط الملك في فرساي ، بعيدا عن أعين الشعب الباريسي، الذي كان يلتقط أنباء القصر والولائم والبذخ في المصروفات، فيزداد تضورا وتزداد نقمته وحقده. ولهذا زحفت الجماهير الغاضبة إلى فرساي، وحملت الملك إلى باريس في أغرب موكب من نوعه، وإجباره على توقيع ” إعلان حقوق الإنسان “، الذي تضمن المساواة والحرية والسعادة، وأصبح دستورا يستند إليه الأحرار والديمقراطيون في أوروبا لمدة مئة عام.
لم يلتفت الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت لسوء الحالة المعيشية للشعب، وراحا يواصلان ابتزاز الأموال وإنفاقها على هواياتهما. فقد كانت ماري رمزا للجمال والأناقة والرقي، وكان ذوقها في الملابس وتسريحة الشعر لها صداها، وتقلدها في الموضة نساء ذلك العصر. هذا البذخ في الحياة الملكية، أدى إلى عجز في موازنة الحكومة وتراكم الديون عليها، وبذلك استحقت الملكة لقب ( السيدة المبذّرة ).
لم يغفر الشعب الفرنسي لهما هذا الحال، وقام قومته التاريخية في 14 يوليو 1789، حيث توجه إلى سجن الباستيل الذي كان يشكل سجنا للمعارضين، ورمزا للطغيان والظلم، فاحتله وأطلق سراح المعتقلين فيه. كان سقوط الباستيل حدثا تاريخيا عظيما في مختلف أنحاء العالم، لأنه أشعل الوعي عند الشعوب، وقامت بعده الثورات الشعبية في جميع أنحاء فرنسا، فقضت على النظام القديم، وقوضت النظام الملكي وعهد الامتيازات والترف غير المبرر. وكانت نتيجة ذلك أن أطاحت المقصلة برأس لويس السادس عشر بعد محاكمته بتاريخ 21 يناير 1793، بينا لاقت زوجته نفس المصير بتاريخ 16 أكتوبر 1793. فعلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إعادة قراءة تاريخ بلاده واستنباط العبرة منه.
التاريخ : 7 / 12 / 2018
المرجع :
لمحات من تاريخ العالم / جواهر لال نهرو.