تحرير الغارمات وقصور الدولة

14 ديسمبر 2018
تحرير الغارمات وقصور الدولة

صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان

نشرت وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين، خبرا يفيد بأن هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وبتوجيه من الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، تكفلت بسداد ديون 1700 امرأة من الغارمات الأردنيات وإخراجهن من السجون، بعد سداد المبالغ المترتبة عليهن بسبب ظروف اقتصادية.

وقال السيد فهد عبد الرحمن نائب الأمين العام للهيئة : ” إن السيدات في السجون هن أخواتنا وبناتنا ولا بد من مساعدتهن، والوقوف إلى جانبهن ليعدن إلى الحياة الطبيعية بين أهاليهن “.

وإن كنت بداية أتوجه بالشكر إلى الشيخ حمدان على بادرته الإنسانية المقدّرة التي وجهها لهيئة الهلال الإماراتي، في تخليص هذا العدد الكبير من الغارمات الأردنيات من السجون، إلا أنني في الوقت ذاته أعيب على دولتنا وأثريائها الكثيرين، لعدم نخوتهم والشعور بالإنسانية، في مد يد العون والمساعدة لأولئك الغارمات، قبل أن تمتد لهنّ يد الشقيق.

أولئك السيدات لم يرتكبن جرائم، ولم يختلسن أموالا من الدولة، ولم يبعن أي من الشركات الوطنية، ولم يتاجرن بالمخدرات والسجائر المقلّدة، ولم يبعن غزلان المحميات. كل ذنبهن أنهن حاولن إقامة مشاريع فردية بسيطة، بتشجيع من الجهات المعنية، لتأمين مصدر رزق كريم لعائلاتهن، كي يواجهن بها متطلبات المعيشة القاسية. ولكن فشلت تلك المشاريع في تحقيق أهدافها.

وهنا أتساءل : ما هو موقف حكوماتنا المتعاقبة، من الشعار الذي تردده منذ عقود : ” الإنسان أغلى ما نملك ” ؟ هل انقلب هذا الشعار إلى ضده وأصبح الإنسان ” أرخص ما نملك ” ؟ سيدات قرويات بسيطات يقبعن في السجون لأجل غير مسمى، تاركات خلفهن عائلات وأطفال بلا رعاية، دون أن يتوفر لديهن المال حاليا أو مستقبلا لتسديد التزاماتهن.

قد يقول قائل : أنهن قمن بالاقتراض وعليهن تحمل مسؤولية ذلك. وهذا كلام يخلو من الإنسانية والواقعية، لأننا أمام سيدات لا خبرة لديهن بالاستثمار، ولم تساعدهن الجهات المانحة في دراسة الجدوى الاقتصادية، كما لم تشرف على سير تلك المشاريع. ولا ننسَ أن مشاريع كبرى قام عليها خبراء اقتصاديون، ولكنها فشلت بعد أن كبدت الدولة خسائر مادية كبيرة.

إنه لأمر محزن أن تحدث أزمة مادية لسيدات أردنيات، ولا تتحرك الحكومة أو أثرياء الوطن، أو ما يسمى ب ” المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات ” لطرح الحلول المناسبة لهذه الأزمة، في حين تشعر بها دولة شقيقة على بعد مئات الكيلومترات وتتفضل بحلها، بينما تقف دولتنا مكتوفة الأيدي وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، رغم أن يتعلق بمعيشة 1700 عائلة أردنية.

والسؤال الهام الذي يطرح نفسه الآن هو : هل أصبحنا دولة فاشلة . . ننتظر المنح والمساعدات من الأشقاء والأصدقاء، لحل معضلاتنا المالية والاجتماعية ؟ وهل المشاريع المقامة لدينا معتمدة على نخوة الأشقاء والأصدقاء دليل على ذلك ؟ من هذه المشاريع على سبيل المثال: الطرق الرئيسية، البنية التحتية، المدن السكنية، الصحة، المياه، البيئة، التعليم، الدعم المالي للخزينة وغيرها ؟ أين خطط المسؤولين وجهابذة الاقتصاد، الذين وعدونا بعشرات الخطط، لتحسين أحوال الدولة الاقتصادية ومعيشية المواطنين، ولكن لم نرَ لها الأثر ؟

أكرر الشكر للشيخ حمدان بن زايد ولهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، لحلهم أزمة أخواتنا الغارمات من السجون، رغم أن هذا يشكل مثلبة تلطخ تاريخ المسؤولين في الدولة الأردنية، الذين عجزوا عن حل هذه الأزمة البسيطة، لسيدات صانعات أجيال المستقبل. كان من الممكن إلغاء رحلة من رحلات الطائرات التي تجوب سموات العالم شرقا وغربا، وبتوفير كلفتها يمكن حل مشكلة أولئك السيدات السجينات.

ختاما أقول: إنه من العيب على المسؤولين في الدولة الأردنية، انتظار المساعدات والصدقات من الآخرين، بل واجبهم كرؤساء ومدراء في دولة مستقلة عمرها يناهز 72 عاما، الاعتماد على الذات في معظم ما يتعلق باحتياجات مواطنيها. إنني أرثي للحالة التي نعيشها حاليا في هذا الوطن، وهو الذي كان خلال النصف الثاني من القرن الماضي، قبلة أنظار العالم العربي على الأقل، في كفاءة رجاله وحسن إدارة الدولة، ولكنه أصبح اليوم عاجزا ينتظر المساعدات والصدقات من الآخرين، في ممارسات نخجل منها ولا نتمناها.

التاريخ : 14 / 12 / 2018

الاخبار العاجلة