الهجوم التركي هل هو بداية لمرحلة تفكيك الجمهوريات الإسلامية
12 أكتوبر 2019
صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
لقد ترددت كثيرا في الكتابة عن موضوع الهجوم التركي ” نبع السلام ” على المناطق الحدودية السورية التركية لأن مثل هذا الموضوع يأخذنا إلى أعماق بعيدة من خفايا التاريخ الحديث ويتركنا في أحيان كثيرة رهائن لنتائج خفية لا ندركها من خلال الأحداث .
هناك أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابات واضحة لا تقبل التأويل . فهل كانت موافقة الرئيس الأمريكي للرئيس التركي بشن هذا الهجوم العسكري هو بمثابة المصيدة وجر الجيش التركي إلى مستنقع تقفز من ثناياه ضحايا بريئة من الأنفس البشرية عربا وأكرادا ومسلمين لا تعد ولا تحصى من بني البشر ولا يعرف أحد عمقه ونتائجه الوخيمة في الصراع القائم بين سوريا وتركيا وبين الأكراد وتركيا .
وهل علمت تركيا أن مخطط برنارد لويس لتفتيت العالم العربي والإسلامي المدرج في أقبية البنتاغون الأمريكي وأدراج مجلس الأمن القومي ينص بوضوح على إنتزاع جزء من تركيا وضمه للدولة الكردية المزمع إقامتها في العراق وهل جاء هذا الهجوم التركي ردا على هذا المخطط الخبيث كي تقتلعه من أساسه قبل البدء في تنفيذه .
لو قال لنا أحد الحكماء قبل سنوات الربيع العربي أن السودان سيتم تمزيقه وأن العراق سيتم تدميره وسوريا سوف تخوض حربا أهلية لا أول لها ولا آخر ولو أخبرونا أن اليمن سوف يصل إلى الدرك الأسفل في رعاية أطفاله وأن تعداد قطع السلاح هي ثلاثة أضعاف تعداد سكانه وليبيا يتم فيها قصف أحياء طرابلس بالطائرات من قبل أحد القادة العسكريين السابقين في عهد القذافي . ولو أخبرنا هذا الحكيم أن حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي وعمر البشير ستتم الإطاحة بهم فهل كنا نصدق مثل هذه الأقوال بل من منا كان يصدق أنه بلمح البصر تم توجيه عدد لا يتجاوز أصابع اليدين والقدمين من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو منشآت النفط السعودية والتابعة لأرامكو سوف تتسبب في إيقاف إنتاج النفط بما يعادل نصف الإنتاج تقريبا أي إيقاف إنتاج خمسة ملايين برميل يوميا .
إن ما جرى في العالم العربي قد تم التخطيط لمثله في الجمهوريات الإسلامية وفي مقدمتها تركيا .
كان من الأولى على الرئيس التركي التركيز على القضايا التركية الداخلية وبناء البنية التحتية والتقدم الإجتماعي والإقتصادي والعلمي في إنتظار عام 2003 عام إنتهاء معاهدة لوزان على أمل أن تستعيد تركيا عهد إمبراطوريتها وعظمتها وأن تتمكن من كسر القيود التي كبلتها بها كل من المملكة المتحدة ( بريطانيا ) وإيرلندا وفرنسا وروسيا وأيطاليا من خلال معاهدة لوزان عام 1923 وتخلت تركيا بموجبها عن سيادتها في قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام والتنازل عن حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان . ويهمنا التأكيد هنا أن مطالب الحلفاء قد تراجعت بشأن منح الحكم الذاتي لكردستان التركية مقابل التنازل التركي عن أراضي لصالح أرمينيا .
كان من الأولى أن تقوم حكومة أردوغان في الوقت الحالي الإبتعاد عن أي عملية عسكرية في الأراضي السورية وأن توجه كل إمكاناتها في الإعداد لعام 2023 للبدء في الإستعداد لوضع الدراسات والخطط لعمليات التنقيب عن البترول والغاز وأن تبدأ بوضع القوانين التي تعطيها الشرعية الدولية في تحصيل الرسوم على كل السفن العابرة لمضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة ومن ثم البحر الأبيض المتوسط وأن تحقق تركيا حلمها الأكبر في حفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة والبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة .
لو سألنا أنفسنا ماهي الأهداف الحقيقية وراء قيام تركيا بالتوغل العسكري في الأراضي السورية من خلال محور رأس العين ومحور تل أبيض وتفيد بعض المعلومات الإستخبارية أن هذه المنطقة قد خرجت من تحت السيادة السورية منذ عام 2012 وأصبح يطلق عليها باللغة التركية ( ورج أفا) أي غرب كردستان باللغة الكردية .
ولو تساءلنا الآن من هم المتواجدون فعلا في هذه المنطقة وما هو مفهوم المنطقة الآمنة في نظر تركيا وهل هي منطقة معزولة من السلاح داخل الحدود السورية وطرد المقاتلين إلى عمق 32 كيلومتر من أجل بناء مناطق أمنية وقرى لإسكان ما لا يقل عن مليون لاجىء سوري ووضع حد لقضية اللجوء السوري إلى تركيا .
إن المسح الديمغرافي لكل من إدلب ومنبج والحسكة يشير إلى وجود قوات جهادية وقوات كردية ومتمردين سوريين ومتمردين سوريين تساندهم تركيا وقوات تابعة للجيش السوري التابع للحكومة السورية ومعسكرات للنازحين ومعسكرات تضم أسر المسلحين . وإن تركيا تؤكد بأن وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي في سوريا هو امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعا مسلحا ضد تركيا منذ ثمانينات القرن الماضي من أجل تحقيق الحكم الذاتي للأكراد في جنوبي شرقي تركيا .
وتصف تركيا هذه الوحدات بأنها إرهابية مثلها مثل ” تنظيم الدولة الإسلامية ” بينما ترفض الولايات المتحدة هذا الإدعاء لأن وحدات حماية الشعب قد خاضت معارك دامية ضد الدولة الإسلامية كما خاضت الكثير من المعارك ضد الجماعات السورية المتشددة مثل جبهة النصرة عندما حاولت السيطرة على المدن والمناطق الكردية في سوريا كما أن وحدات حماية الشعب هي القوة الوحيدة التي قبلت التعاون مع القوات الأمريكية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وهي تعد القوة الرئيسية في قوات سوريا الديمقراطية التي تضم عربا وأكرادا وأشوريين وقد تمكنوا من إنشاء منطقة جغرافية تضم عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة من الأراضي في شمال شرقي سوريا . وهي تتمتع بإدارة ذاتية .
والسؤال المطروح الآن هل تسمح الولايات المتحدة للقوات التركية بالقضاء على هذه الوحدات أم أنها سوف تعمل على حمايتها وهو أمر مشكوك فيه بعد إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها . وقيام الرئيس التركي أردوغان بالإعلان عن أن القوات التركية مستعدة لإقامة منطقة آمنة شرقي سوريا .
إن الجامعة العربية تشجب الهجوم التركي على الأراضي السورية والإتحاد الأوروبي يشجب والأمم المتحدة تشجب و معظم دول العالم تشجب العدوان التركي بما فيها روسيا وإيران . والرئيس الأمريكي بعد أن أعطى الضوء الأخضر للهجوم يهدد الآن بأنه سيقوم بتدمير الإقتصاد التركي تماما .
لا أحد يعرف حتى هذه اللحظة مدى إستعداد الأتراك في مواصلة هذا الهجوم وهل ستتطور النتائج الناجمة عن مثل هذا الهجوم إلى حرب استنزاف لتركيا وهل ستكتفي تركيا بخلق منطقة آمنة كما تدعي أم أن هناك تداعيات سوف تجر المنطقة بأسرها إلى حرب لا ترحم تكون أولى ضحاياها تركيا .