صراحة نيوز – بقلم عامر الصماديألم تصادف في حياتك أشخاصاً ناجحين جداً في أعمالهم وعلاقتهم مع انهم من ذوي التحصيل الأكاديمي المنخفض أو العادي؟ ألم تسأل نفسك لماذا هناك أشخاص تراهم في حياتك محبوبون من قبل كل الناس على الرغم من أنهم غير عميقي التفكير وذوي تحصيل أكاديمي عادي جداً. وعلى العكس من ذلك ألم تصادف أناساً أذكياء جداً وعباقرة ولكن غير ناجحين في حياتهم العملية او الاجتماعية؟ ولربما انهم مكروهون من قبل الناس حولهم. إن الفرق بين تلك الفئتين هو درجة الذكاء العاطفي.حينما ظهر “الذكاء العاطفي” كمفهوم في عام 1995 فانه أوجد الرابط المفقود بين نظرية (أصحاب معدل الذكاء(IQ) المتوسط الذين تفوقوا على أصحاب معدل الذكاء العالي في 70 بالمائة من الحالات). هذا الاكتشاف الجديد قد غير فكرة أن عنصر النجاح دائماً هو التفوق في اختبارات معدل الذكاء (IQ). إن عشرات السنوات من الأبحاث الآن تشير الى الذكاء العاطفي كعامل جوهري الذي يميز صاحب الأداء العالي من بقية الناس.ما هو “الذكاء العاطفي”؟الذكاء العاطفي هو ذلك “الشيء غير الملموس” بداخل كل واحد منا. فهو يؤثر بكيفية إدارتنا لسلوكياتنا ويتحكم بمواقفنا الاجتماعية المعقدة وكذلك اتخاذ قرارات شخصية تحقق نتيجة إيجابية مرضية لنا. يتكون هذا الذكاء من أربع مهارات أساسية والتي تتزاوج في مجموعتين: الكفاءة الشخصية والكفاءة الاجتماعية.الكفاءة الشخصية، ويندرج تحتها الإدراك الذاتي ومهارات الإدارة الذاتية. هذه الكفاءة تركز عليك كفرد أكثر من تفاعلك وتعاملك مع الأخرين، وهي قدرتك على أن تبقى مدرك لمشاعرك وتدير سلوكياتك وانحرافاتك إن صح التعبير. فالمهارة الأولى فيها هي “الإدراك الذاتي”. وهي قدرتك على إدراك مشاعرك بدقة وان تبقى مدرك لتلك المشاعر أثناء حدوثها. بينما المهارة الثانية فهي “مهارات الإدارة الذاتية”. وهي قدرتك على استخدام إدراكك لمشاعرك حتى تبقى لين ومطواع وتدير تصرفاتك بإيجابية، أما المكون الآخر فهو مكون الكفاءة الاجتماعية والتي تتكون من الإدراك الاجتماعي ومهارات إدارة العلاقات مع الأخرين.إن الكفاءة الاجتماعية هي قدرتك على تفهم أمزجة وتصرفات ودوافع الأخرين من، جل أن تحسن نوعية وجودة علاقاتك معهم، فأما المهارة الأولى “الإدراك الاجتماعي” فهي مقدرتك على التقاط مشاعر الأخرين بدقة وان تفهم ما يحدث على ارض الواقع. بينما المهارة الثانية “إدارة العلاقات” فهي قدرتك على استخدام إدراك مشاعرك ومشاعر الأخرين لكي تدير التفاعل في العلاقات بنجاح.مكونات الذكاء العاطفي الأربعة:ماذا أرى ماذا أفعل ،الكفاءة الشخصية الإدراك الذاتي الإدارة الذاتيةالكفاءة الاجتماعية الإدراك الاجتماعي إدارة العلاقات مع الأخرينالذكاء العاطفي ومعدل الذكاء (IQ) والصفات الشخصية مفاهيم مختلفة عن بعضها، فالذكاء العاطفي يدخل في عنصر أساسي من سلوكيات الإنسان والتي تختلف عن مفهوم الذكاء. لا يوجد رابط بين معدلات الذكاء (IQ) والذكاء العاطفي، ببساطة لا يمكنك أن تتنبأ بالذكاء العاطفي على اعتبار نسبة ذكاء الشخص. الذكاء هو قدرتك على التعلم، وهي نفس القدرة في سن الخامسة عشرة وسن الخمسين. بينما يتكون الذكاء العاطفي من مجموعة من المهارات المرنة والتي من الممكن اكتسابها وتحسينها مع الممارسة الصحيحة. على الرغم من أن بعض الناس قد ولدوا وهم أكثر ذكاء عاطفياً من الأخرين، إلا انه من الممكن تطوير ” ذكاء عاطفياً” أعلى حتى ولو لم تكن قد ولدت وأنت تحمل مثل هذا الذكاء.أما الصفات الشخصية فهي القطعة النهائية في هذه الأحجية. إنها “النمط” الثابت والتي تميز كل واحد منا. الصفات الشخصية هي نتيجة التفضيلات أو الأولويات الثابتة التي تميز شخصيتنا، مثل تفضيل الاتجاه نحو الانطوائية (الاحتفاظ بالمشاعر داخلياً وعدم مشاركتها) أو الانبساطية (إظهار المشاعر للجميع ومشاركتها معهم). على أي حال، مثل معدلات الذكاء (IQ)، فان الصفات الشخصية لا يمكنها التنبؤ بالذكاء العاطفي. كذلك الصفات الشخصية فانها ثابتة -نوعا ما- ولا يمكن تغييرها مع مرور الزمن. إن كل من معدلات الذكاء (IQ) والذكاء العاطفي والصفات الشخصية تغطي مساحة فريدة في حياتنا وتساعد على شرح ما يميز كل شخص.الذكاء العاطفي مرتبط ارتباط وثيق بالأداء، والسؤال المهم هنا: ما مدى تأثير الذكاء العاطفي على نجاحك المهني والاجتماعي؟والجواب هو: الكثير! لا بل الكثير جداً، إنها طريقة قوية جداً لتركيز طاقتك في اتجاه واحد مع نتائج مذهلة. فعلى سبيل المثال، قامت احدى المراكز البحثية باختبار الذكاء العاطفي جنباً الى جنب مع 33 مهارة تحتاجها في بيئة العمل، وخلصت الى أن الذكاء العاطفي هو المعيار الأقوى للتنبؤ في أداء الموظفين مبينةً انه سبب في نجاح 58بالمائة من مختلف أنواع الأعمال، إن الذكاء العاطفي هو الأساس لاكتساب المهارات الضرورية، فهي تؤثر على كل ما تقوله وتفعله كل يوم. الذكاء العاطفي هو من أكبر المؤشرات للأداء في بيئة العمل وهو اقوى محفز للقيادة والمهارات الشخصية.الذكاء العاطفي يمكن تطويرهإن معرفة كيفية عمل الذكاء العاطفي بشكل فيزيولوجي هو دراسة علاقة التواصل بين الجزء العاطفي من الدماغ والجزء العقلاني، إن من المعروف أن هناك صراع دائم بين جزء الدماغ العقلاني وجزء الدماغ العاطفي ومن يجب أن يكون المسيطر. فقد ذكر دانييل كاهنيمان في كتابه ” التفكير سريعاً وبطيئاً” أن هناك نظامين منفصلين للتفكير في الدماغ، الأول الجزء السريع العاطفي والحدسي والأخر هو الجزء الأبطأ والذي يدخل في عمليات مجهدة من التفكير العقلاني. المؤلف يعتقد أن هذين الجزئيين يتصارعان دائماً عند اتخاذ القرارات.وللعودة للذكاء العاطفي، فان طريقه تبدأ من النخاع الشوكي ومن الحواس الخمسة. إن أحاسيسك الأولية تدخل عن طريق النخاع الشوكي او عن طريق حواسك وتتجه مباشرة الى الجزء الأمامي من الدماغ والمسؤول عن العاطفة. قبل أن تنتقل الى الجزء الأخر من الدماغ والمسؤول عن التفكير العقلاني فيحدث ردة فعل عاطفية لأي حدث قبل ان يتمكن الجزء العقلاني من أن يتدخل. إن دور الذكاء العاطفي هنا هو ان يكون هناك تواصل فعال بين جزء الدماغ العقلاني والجزء العاطفي. وهذا ما امرنا الله تعالى في محكم تنزيله فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) “النحل 90″ فالعدل من أحكام العقل، والإحسان من كثرة العاطفة.إن أدمغتنا تتميز بشيء يسميه أخصائيو الأعصاب ” المطواعية” وهو مقدرة الدماغ على التطور، فقد يطور الدماغ روابط جديدة كلما تعلمنا شيئاً جديداً. التغيير يحصل بالتدريج، فكلما طورت الخلايا الدماغية روابط جديدة فهذا بدوره يسرع من فعالية اكتساب المهارة الجديدة. ومن هنا فإن استخدام استراتيجيات لزيادة الذكاء العاطفي تمكن البلايين من الخلايا العصبية لكي تفترش طريق التواصل بين مركزي الدماغ العاطفي والعقلاني في محاولة لإنتاج أذرع فرعية تصل الى خلايا دماغية جديدة. فبمجرد ان تمرن عقلك على استخدام استراتيجيات الذكاء العاطفي باستمرار فان السلوكيات تصبح عادات.أما عن كيفية معرفة إذا ما كنت ذكي عاطفياً فما عليك إلا أن تقوم بعمل اختبار الذكاء العاطفي وهو مجموعة من الأسئلة المعدة مسبقاً والتي تغطي الأربع مكونات الأساسية للذكاء العاطفي. وعليه فإنك ستقوم بالتعرف على نتيجتك وكيفية تطوير المهارات التي بحاجة الى تطوير حتى تستفيد منها في علاقاتك مع الأخرين.