صراحة نيوز- بقلم سهير جرادات
ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها ” المدينة الوردية “أو” المدينة الضائعة ” كما اطلق عليها مكتشفها المستشرق السويسري يوهان بوركهارت ، لمثل هكذا هجمة ، ويتم المساس بهويتها لصالح الافتراءات الصهيونية التي تحاول أن تثبت بأن الأردن اراض اسرائيلية؟! وأن مدينة البترا تحتوي على اثمن سر في تاريخهم، وهو ” تابوت العهد ” الذي يحتوي الوصايا العشر التي اعطاها الله لسيدنا موسى عليه السلام ، إضافة الى وجود مقام سيدنا هارون وعصاه فيها.
فكلنا يذكر الضجة التي رافقت انتشار فيديوهات وأخبار عن زيارة وفد من ” الحجاج اليهود ” مارسوا شعائرهم الدينية في مقام النبي هارون ، الذي نقل من سيناء إلى وادي موسى ، في منطقة وعرة تحتاج لساعات للوصول اليها مشيا على الاقدام وفي بعض المناطق تحتاج إلى تسلق، لصعوبة الوصول اليها.. ووسط الضغط الشعبي ، أصدر وزير الأوقاف قرارا بإغلاق المقام ، وكلنا يعلم أن ابن مسؤول سابق ورئيس جهاز حساس هو من سهل حصولهم على تصاريح الدخول.
ولغاية الآن ما زلنا نبحث عن إجابة عمن سمح لهم بأداء طقوسهم التلمودية اليهودية في مدينة البترا ؟! وهل هذه الشعائر الإسرائيلية كانت سنوية ؟! أم على مدار السنة ؟! ومن الذي كان يقوم بتسهيل أداء هذه الشعائر من الجانب الأردني؟!
المواطن معذور ، منذ عام1999 وهو يعيش فصول الخصخصة وبيع مقدرات الوطن بدءا من بيع ” منطقة العبدلي ، ومعسكرات الجيش في الزرقاء، والمنطقة الجنوبية في مدينة العقبة ، والبوتاس، والاتصالات، والاسمنت ، والفوسفات، وميناء العقبة، والملكية الأردنية ، والكهرباء، والمياه … ” ، والحديث يجري بين فترة وأخرى عن بيع ” المدينة الطبية ، والجامعة الأردنية ، ومبنى المخابرات العامة الجديد ، ومبنى قيادة الجيش العربي، ومبنى مدينة الحسين للشباب ” .
وما زال في الذاكرة ، الفيديو الذي تم تداوله عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعقيلته إلى البترا بمرافقة رئيس الديوان الملكي آنذاك القاضي عون الخصاونة ، بعد محاولات لإحياء الترويج للبترا على أنها مركز ديني يهودي يحوي ضريح النبي هارون – شقيق موسى – في وادي موسى.
وبعدها ثارت ثائرة الأردنيين على تصوير فيلم “جابر” الذي كان سيتمّ تصويره في المدينة الوردية، والرامي الى اثبات ادّعاءات يهودية بأحقيتهم في منطقة البترا جنوبي الأردن ، وتحت الضغط الشعبي انسحب كل الممثلين الاردنيين من المشاركة في التمثيل بالفيلم لاحتواءالسيناريو على عدة مغالطات تاريخية ودينية ، وسط دفاع مستميت من قبل المخرج العالمي الأردني الأصل محي الدين قندور عن قصة الفيلم التي تتحدث عن طفل يجد في ” طريق التية “منطقة وادي موسى جنوبي الأردن صخرة كتب عليها كلمة ” سيلا ” باللغة العبرية ، والتي تعني ” الصخرة ” ، ويسعى لبيعها إلى عالم آثار إنجليزيّ، بهدف تهريبها إلى الخارج ، وهذا قد يفهم أنه يؤشر إلى وجود مجتمع يهودي كبير في الجانب الشرقي من الأردن، الى أن يظهر انتماء الطفل الذي يسلم الحجر لدائرة الآثار ويلقي الضوء على قوة الأمن الأردني وحرصه على مواجهة عصابات الاتجار بالآثار ، ومواجهة الاستخبارات الإسرائيلية التي تدخل على الخط ، في دلالة على هجرة اليهود من سيناء إلى وادي موسى، ومكوثهم هناك.
فيلم “جابر” ليس أول فلم يسيء للأردن وتاريخه ، فقد تمّ تصوير فيلم أمريكي – إسرائيلي ، بعنوان “منطقة حرة ” ، وتم تصويره على الحدود الأردنية ـــ الإسرائيلية عام 2005 ، وكان يتضمن إساءات للشعب والتراث والهوية الأردنية ، ويحمل رسائل سياسية مباشرة وغير مباشرة تصب في خدمة مشروع التطبيع والوطن البديل في الأردن.
هذا إلى جانب ضبط سياح صهاينة يدفنون قطعا أثرية مصطنعة (مزورة) في أراض أردنية، ورافق ذلك ادعاءات من مؤرخين يهود يتحدثون عن سنوات ” تيه اليهود” في سيناء لأربعين عاما ، واقناع العالم بأنهم اصحاب حق تاريخي في البترا، وان الأردن أرض الميعاد ، إضافة إلى توزيع”بروشورات” اسرائيلية سياحية تضم البترا ضمن المناطق السياحية الإسرائيلية ، ووضع مدينة البترا على خرائط جوجل ضمن المعالم السياحية الإسرائيلية ، حيث يدعي بعض اليهود أنهم من بنوا البترا ، وأنها الملاذ والملجأ الأخير لبني إسرائيل ، ويروجون إلى أن عين موسى الموجودة في البترا تدفقت منها اثنتا عشرة عينا من الماء عندما ضرب موسى بعصاه الصخر من أجل سقاية اليهود .
لمن لم يقرأ تاريخ “البترا” ، فهي عاصمة مملكة الانباط الممتدة من صحراء النقب وسيناء والأردن وأجزاء من شمالي شبه الجزيرةالعربية ، ذات الطابع البدوي ، وهي المدينة المنحوتة بصخر وادي موسى الأصم الوردي اللون ، وتمثل أعرق الحضارات العربية التي ارتبطت بها ، وكانت (عاصمة العرب الأنباط)، وتقبع خلف حاجز منيع من الجبال المتراصة.
ومدخلها المحكم ، حفر بين الجبال الشاهقة ، ويعرف بـ”السيق ” ، والمجهز على جنباته بغرف الحرس ومناطق المراقبة، وتضم “الخزنة” (بيت الحكم) ومدرجات عامة بنيت للاحتفالات والاجتماعات العامة، و”المحكمة” وأماكن العبادة ، وقنوات الماء والصهاريج والحمامات، وصفوف الدرج المزخرفة، والأسواق، والبوابات ذات الأقواس ، والتي بقيت غير مكتشفه للغرب طيلة الفترة العثمانية، إلى ان أعاد اكتشافهاعام 1812 المستشرق السويسري يوهان بوركهارت ، الذي ادعى الاسلام وتعلم اللغة العربية بهدف تقديم اضحية الى النبي هارون ، وأطلق عليها اسم “المدينة الضائعة” ، وادرجت عام 1985 على قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو ، واختيرت واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة عام 2007 .
وكما أن الأنباط العرب ، نحتوا مدينتهم في الصخر، نحت الأردنيون في قلوبهم حب الوطن ، فاللون الوردي لن يزيل صلابة صخر البترا ، الذي يستمد منه الاردنيون صلابة قلوبهم وإرادتهم وتصميمهم على التمسك بوطنهم والحفاظ على ترابه. رغم أنوفهم ، ستبقى البترا وأراضيها ، المدينة الأردنية الوردية ، التي يعرف الجميع أن سندات ملكيتها وقواشينها مسجلة بأسماء أهلها الأردنيين الأقحاح.
وحتى نواجه مثل هذه الهجمات التي تتعرض لها ” المدينة الوردية ” وقبل أن تتحول احدى عجائب الدنيا السبع إلى ” المدينة الضائعة ” ، على حكومة النهضة أن ترد بالحقائق والاثباتان والبيانات على الشائعات التي تردد ببيع أراض ومواقع ” مدينة البترا ” الأثرية ، بدلا من التهديد والوعيد باتخاذ إجراءات قانونية بحق مروجي الإشاعات .. ونحن بالانتظار …