صراحة نيوز- بقلم د صبري الربيحات
من الولايات المتحدة إلى بلجيكا ومن فرنسا الى إنجلترا تعرض محطات التلفزة صورا للرفوف الفارغة في مخازن الأغذية وأسواق التموين وتسلط عدساتها على طوابير المتسوقين التي تمتد لمئات الأمتار قبالة بوابات المراكز التجارية. الإرشادات التي تقدمها السلطات تقتضي أن يترك كل فرد مساحة لا تقل عن متر واحد بينه وبين الآخرين، لذا فإنك ترى الناس قادمين باتجاه السوق من مسافات بعيدة يفصل بين كل متسوق وآخر عربة لا يقل طولها عن متر واحد. الناس في كل مكان يعبرون عن مخاوفهم من احتمالات الموت بالتعلق ببعض ما يرفد الحياة. الطعام ومواد النظافة والتعقيم والأدوية أشياء يقبل الناس على شرائها بكميات قد تفوق حاجاتهم الآنية.
في بلادنا التي تبذل السلطات فيها كل ممكن، هناك مشاهد مرعبة للتزاحم الذي يتنافى مع كل أهداف الحجر والتعطيل وإبقاء الناس في البيوت؛ حيث يتصرف الناس غريزيا وبلا وعي بخطورة ما يتحدث عنه الإعلام وتسعى الى تحقيقه الدولة. الهجمة التي قام بها الأردنيون على الأسواق مساء الجمعة أخافت الناس وأقلقت السلطات الصحية ووضعت الكثير من الجهود التي بذلتها المؤسسات الأردنية في مهب الريح.
الاكتظاظ والتزاحم اللذان شهدتهما الأسواق والمحال التجارية والشوارع أثناء الساعات السابقة على تطبيق حظر التجول فاقا مستويات الاختلاط والتقارب والازدحام في الأيام الاعتيادية وساعات ما قبل الإعلان.
الصفات والنعوت التي نستخدمها لوصف السلوك الإنساني كثيرة ومتنوعة. فكثيرا ما نصف الأشخاص بالتحضر والرقي والتهذيب ونبدي إعجابنا بمستويات الانضباط والصدق والإيثار والالتزام. على الواجهة الأخرى يمكن أن ننعت السلوك بالوحشية أو الجلافة والقسوة وقلة التهذيب. الحقيقة أن الناس كافة قادرون على إظهار أنماط مختلفة من السلوك، فالشخص الواحد قادر على أن يكون لطيفا مهذبا إيثاريا، كما أنه قد يتحول وبلا مقدمات الى شخص يتسم سلوكه بالفردية والأنانية والانعزال.
في حالة الشعور بالخوف والتهديد، يتحول السلوك الإنساني من وضع الانضباط والامتثال الى وضع الدفاع عن النفس؛ حيث يفقد الفرد هدوءه ويصبح أكثر توترا وتهيؤا وتحفزا للهجوم بطرق غريزية لا تخضع للتفكير والتحليل والمفاضلة. في مثل هذه الأوضاع قد يجد الفرد نفسه مستفزا ومنقادا للتصرف بالطرق التي يتصرف بها من حوله من دون أي تقييم لسلامة هذه التصرفات وملاءمتها.
الكثير مما نقوم به من أفعال لا تعدو كونها نشاطات يرى الفرد أنها ضرورية لإشباع الحاجات والرغبات. بعض هذه النشاطات تتخذ صورا وأشكالا مطابقة لتلك التي تعلمناها عبر مراحل التنشئة والتدريب الاجتماعي والبعض الآخر يتولد من الظروف والأوضاع التي تصادفنا.
لضمان الانضباط والامتثال، لا بد من إيجاد قنوات مشروعة ومناسبة للسلوك والتأكد من معرفة الأفراد لهذه الطرق والقنوات وقدرتهم على تطبيقها بسلاسة. كنت أتمنى ومعي ملايين الأردنيين لو أننا تصرفنا بطريقة غير تلك التي حصلت مساء الجمعة.
لكي لا تتكرر الحالة التي شهدناها الجمعة، نحتاج من القائمين على إدارة الأزمة الى خطة محكمة تمكن الناس من تلبية احتياجاتهم بمواعيد وأوقات وآليات تجنبهم الازدحام. على إخوتنا أن يحددوا مراكز التزويد وخريطة توزيعها ووضع الاحتياجات في طرود يمكن نقلها الى البيوت بأسعار معروفة حتى لا يجري تبادل النقود.
المعلومات التفصيلية الواضحة والدقة والحزم في التنفيذ، كلها عناصر مهمة لتمكين البلاد من اجتياز هذه الظروف الاستثنائية وتوفير عناصر النجاح للجهود التي بذلتها المؤسسات الأردنية على مدار الأسابيع الماضية.