صراحة نيوز – بقلم الدكتور القاضي عمار الحنيفات مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى
على ضوء تصريح معالي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية، الدكتور محمد الخلايلة، بأنّ من يُخالف التعليمات ويخرُج من منزله ويُساعد في نقل الفيروس ويتسبب في قتل الآخرين فهو “قاتل”, وعلى ضوء ما نُشر على المواقع الالكترونية من حادثة قيام سيدة عشرينية بوضع لُعابها على مقابضِ عددً من المركبات, فكان لزاماً علينا إبداء وجهة النظر القانونية حول المسؤولية الجزائية عن تعريض الغير للخطر بنقل عدوى مرض فيروس كورونا (كوفيد-19).
لقد شغل ظهور مرض فيروس (COVID-19) اهتمام كافة الأوساط العالمية. لما لهُ من آثارٍ خطيرة على صحة الإنسان وحياته وعلى المُجتمع بشكلٍ عام. وأنّ الإحصائيات الآن تدُلُّ على كارثةٍ إنسانية قد تودي بأرواح الملايين من البشر إذا لم يتم السيطرة على هذا المرض, حيث لم تسلَمْ منهُ أيّ دولةٍ, وإن اختلفت عدد الإصابات من دولةٍ إلى أخرى.
ومرض فيروس (COVID-19) , هو مرضٌ مُعدٍ يُسببه فيروس جديد لم يُكتشف في البشر من قبل. ويُسبب الفيروس مرض الجهاز التنفسي (مثل الأنفلونزا) المصحوب بأعراض مثل السُعال والحُمّى، كما يُسبّب الالتهاب الرئوي في مُعظم الحالات بالإضافة للوفاة بحالاتٍ أخرى. وينتشرُ فيروس كورونا الجديد بشكلٍ أساسي عن طريق مُخالطة شخصٍ مُصاب بالعدوى عندما يسعُل أو يعطُس، أو عن طريق القُطيرات أو اللعاب أو إفرازات الأنف, كما أنّه في كل يوم تظهرُ طرقاً أخرى ينتقل من خلالها الفيروس. ولن أدخل بتفصيلات المرض منعاً للإطالة.
ولكون أنّ المسؤولية الجزائية عن نقل هذا الفيروس للغير غير واضحة لذا سنتخذ من الكتابات السابقة بخصوص فيروس (HIV) المُسبب لمرض نقص المناعة المُكتسبة المعروف بمرض (الأيدز) مدخلاً, ومن المعروف بأنّ هذا المرض أطلق عليه طاعون الثمانينات حيث اكتشفت أعراضه منذ عام 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية. مع الإشارة إلى أنّ الفيروس المُسبب لمرض الايدز يُعدُّ من الفيروسات القاتلة, وكُل الحقائق العلمية تُشيرُ إلى أنّ من يُصاب بمرض الأيدز نهايته الموت بسبب هذا المرض. (لُطفا أنظر أستاذنا الدكتور عبد الإله النوايسه بخصوص بحثه المنشور والمتعلق بالأوصاف الجُرمية لنقل عدوى مرض الأيدز للغير قصداً). مع مُلاحظة خطورة كلا المرضين ليس على المُصاب وحده, وإنّما على الغير من المُخالطين والمُحيطين به.
من خلال ما تقدم يثور التساؤل حول ماهية المسؤولية الجزائية في حالة تعمُّد الشخص – سواء كان يحمل الفيروس (COVID-19) أو لا يحمله- نقله إلى الغير. وحقيقةً أنّ الوصول إلى وصفٍ جُرميٍّ مُحدد قد يكون به صعوبة من نوعٍ ما, كما أنّ البحث في القصد الجرمي يُثير إشكالياتٍ أخرى خاصةً بأنّ هذا الفيروس (COVID-19) لم يثبت بانّه فيروس قاتل كما هو الحال بالنسبة لفيروس (الأيدز). ولذا فإنّ التكييف الجرمي لنقل العدوى بمرض فيروس (COVID-19) ليس من اليسير الإجابةِ عليه, وذلك إذا كان التكييف سيتم بناءً على القواعد العامة في التجريم والعقاب.
وأقولُ بأنّه لمّا كانت المسؤولية الجزائية لا تقتصرُ على النقل العمدي ( لمرض فيروس (COVID-19), إذ من الجائز أنْ تتم العدوى كذلك عن طريق الخطأ, كما إذا كان الشخص يعلم أنّهُ مُصاب بالمرض ولا يتخذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لوقاية غيره من العدوى, وقد يكون هذا الشخص أقرب المُقربين لهُ مثل زوجته وأولاده. لذا ترتيباً على ما تقدّم، فإنّ موجبات بلوغ التوصل إلى أهداف المقال بحث كلا الأمرين.
أولاً: المسؤولية الجزائية عن نقل مرض فيروس (COVID-19) إلى الغير قصداً:
سوف نبحث الموضوع ضمن القواعد العامة للتجريم والعقاب الواردة بقانون العقوبات والقوانين المُكملة له. ونعلمُ بأنّ الجريمة تقومُ على ثلاثة أركان (وهي الرُكن القانوني ” الشرعي” والرُكن المادي والرُكن المعنوي), ولن نبحث بالرُكن القانوني كون أنّ الأمر موضع خلاف (وكون أنّ بعض الفقه لا يعتبرهُ من أركان الجريمة كون أنّه لا يجوز أن يكون الخالق عُنصراً في المخلوق). أمّا عن الركن المادي للجريمة بشكلٍ عام فهو يتمثل في ( السلوك والنتيجة وعلاقة السببية), وأقول وبخصوص السلوك في نقل الفيروس إلى الغير في فعل نقل العدوى بفيروس (COVID-19) من الشخص المُصاب إلى الشخص السليم. حيث وبغض النظر عن كيفية نقل الفيروس، فالقانون لا يُشترطُ وسيلةً مُعينة، فمن الجائز أن يتم ذلك بأيّ طريقةٍ من الطُرق.
أمّا عن الرُكن المعنوي حيث أنّ جريمة نقل فيروس (COVID-19) إلى الغير يشترط لوقوعها توافر القصد الجنائي من إرادة فعل نقل العدوى بالفيروس والنتيجة, وكذلك علم الجاني بكافة عناصر الجريمة.
وبالتأسيس على ما تقدم فإنّ الفقه المُقارن أدلى بدلوه بموضوع نقل فيروس الأيدز(HIV) قصداً, ويمكن قياسها على فيروس (COVID-19) , حول تحديد التكييف القانوني الذي يُمكن إعمالهِ على الواقعة المُرتكبة, وظهرت عدد من الاتجاهات:
الاتجاه الأول: يذهب أنصاره إلى أنّه يمكن إسباغ جناية القتل العمد على واقعة نقل الفيروس عمداً إلى الشخص السليم, إذا تم ارتكاب الفعل بهدف إزهاق روح المجني عليه, متى توافرت رابطة السببية بين سلوك المُتهم والوفاة (النتيجة). وهذا الرأي يُمكن تطبيقه في ضوء نصوص قانون العقوبات الأردني, مع توافر القصد الاحتمالي كما سنرى.
الاتجاه الثاني: ويذهب أنصاره بأنّه إذا توافر قصد القتل لدى المُتهم عند إتيانه السلوك الذي يكون من شأنه نقل العدوى, غير أنّ الفيروس لم ينتقل إلى المجني عليه لسبب لا دخل لإرادة المُتهم فيه, توقّفت مسؤوليته عند حد الشروع في القتل وفقاً لنصوص القانون. وتطبيقاً لذلك، يُمكن إدانة شخص بالشروع في القتل عندما يُهدّد بأنّه مّصاب بالمرض, ويقوم مثلاً بالبصق على الاشخاص أو وضع لُعابه بقصد إصابة جمهور الناس بعدوى الفيروس, ولا يمكن للمتهم أن يدفع بالاستحالة أي استحالة أن يؤدي سلوكه إلى إصابة الغير بعدوى فيروس الإيدز, لأنّه يكفي أن يعتقد المتهم بأنّ ما صدر منه ضروري لتحقيق النتيجة الإجرامية (نقل فيروس الأيدز ) بغض النظر عن الظروف التي ارتكبت فيها الواقعة الإجرامية والتي أدّت إلى عدم وقوع النتيجة. وهذا الرأي يُمكن تطبيقه أيضاً إذا ما ثبت بأنّ هذا الفيروس قاتل بحد ذاته.
الاتجاه الثالث: يُنادي مؤيدوه بأنّه إذا كان قصد المتهم من نقل الفيروس مُجرد الإيذاء دون القتل، ولم يترتب على فعله وفاة من انتقلت إليه العدوى؛ تحققت مسؤولية المتهم عن جُنحة الإيذاء العمدي المنصوص عليها في القانون, غير أنّه إذا ترتب على نقل الفيروس وفاة المجني عليه، ولم يثبت توافر نية القتل لدى المتهم, ففي هذه الحالة تتوافر في حقه جريمة إعطاء مواد ضارة أفضت إلى الموت, طبقاً لنصوص القانون. وهذا الرأي من المُمكن تطبيقه وفقاً لنصوص القانون الأردني.
لكن تبقى مسألة تداخل عوامل أخرى مع فعل الجاني, مما يجعل الأمر أكثر صعوبة إذا تعدّد الأشخاص الذين نقلوا الفيروس إلى المجني عليه, كما إذا كان هُناك أكثر من شخص اتصل به.
بالتأسيس على ما تقدم وإذا ما أردنا إسباغ التكييف وفقاً لنصوص التشريع الاردني, فإننا سنلجأ للقواعد العامة في قانون العقوبات وقانون الصحة العامة وذلك لإمكانية الوقوف على الصور الجرمية المُختلفة التي يُشكلها السلوك بنقل الفيروس وعلى النحو الآتي:
1. قانون الصحة العامة وتجريم نقل نقل عدوى المرض للغير:
عرّف قانون الصحة العامة وتعديلاته رقم 47 لسنة 2008 الأمراض المُعدية ( المادة 17 من القانون ) حيث أشارت للمرض المُعدي وهو ” المرض الناتج عن الكائنات الحية الدقيقة كالبكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات وما شابهها أو عن سمومها ويُمكن للعامل المُسبب للعدوى أن ينتقل إلى الإنسان من مستودع أو مصدر العدوى بطريقةٍ مُباشرة أو غير مُباشرة ” , وعرفت الوباء بأنّه” زيادة عدد الحالات لمرضٍ مُعين عن العدد المتوقع حدوثه في العادة في مكانٍ مُحدد ووقتٍ مُحدد”. وعرفت المصاب ب” كل شخص أصيب بعدوى ناجمة عن العامل المُسبب للمرض المُعدي”.
كما عرفت المُخالط ب “الشخص الذي خالط أو يشتبه الطبيب بأنّه تعرض للاختلاط بشخص مُصاب بالعدوى مما يدعو للاشتباه بانتقال هذه العدوى إليه”. وعرفت المُشتبه فيه ب”الأشخاص أو الحيوانات أو الأمتعة أو الحمولات أو الحاويات أو وسائل النقل أو البضائع أو الطرود البريدية ممن تعرضوا لمخاطر محتملة ويمكن أن يصبحوا مصدراً مُحتملاً لانتشار المرض”. وعرفت العزل ب ” فصل الأشخاص المُصابين بالعدوى او المُخالطين أو الذين يحملون التلوث عن غيرهم أو فصل الأمتعة أو الحاويات أو وسائل النقل أو البضائع أو الطرود البريدية الموبوءة عن غيرها بطريقة تحول دون انتشار العدوى” .
ونصت الفقرة (ب) من المادة 22 من ذات القانون على ” كل من أخفى عن قصد مصاباً أو عرّض شخصاً للعدوى بمرض وبائي أو تسبب عن قصد بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أيّ إجراء طلب منه لمنع تفشي العدوى يُعتبر أنّه ارتكب جُرماً يعاقب عليه بمقتضى أحكام هذا القانون” ونصت المادة 66 من ذات القانون على ” مع مُراعاة أيّ عقوبة أشد ورد النص عليها في أيّ تشريع آخر يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على الف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كُل من خالف أي من أحكام هذا القانون او الأنظمة الصادرة بمقتضاه ولم ترد عقوبة عليه في هذا القانون “.
وبالتاسيس على ما ورد بنص المادتين ( 22 و 66 ) من قانون الصحة العامة فيمكن ملاحقة أي شخص أخفى عن قصد مصاباُ أو عرّض شخصاً للعدوى بمرض وبائي, أو تسبب عن قصد بنقل العدوى للغير, أو امتنع عن تنفيذ أيّ إجراء طُلب منه لمنع تفشي العدوى. ولكن لما كان نقل العدوى قد يترتب عليها الموت أو الإيذاء أو إحداث عاهة وبالتالي إذا وجدت هذه الحالات فهنا نذهب للعقوبة الأشد المنصوص عليها في أيّ قانونٍ آخر, وهو محور البنود اللاحقة من المقال.
2. نقل المرض للغير بقصد قتله:
نصت المادة (326) من قانون العقوبات على أنّه: “من قتلَ إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة عشرين سنة”. ويعرف القتل بأنه إزهاق روح إنسان آخر دون وجه حق, مع الإشارة إلى أنّ جريمة القتل هي من جرائم القالب الحُر, حيث أنّ المشرع لم يتطلب وسائل معينة لارتكابها, مع الإشارة إلى أنّ الوسيلة التي يستخدمها الجاني في ارتكاب جريمته يكون لها دوراً في استظهار نية القتل لدى الجاني.
وعليه فإنّ من يقوم بنقل العدوى للغير بقصد قتله يُمكن مساءلته وفقاً لنصوص القانون بالقتل إذا حصلت الوفاة دون اعتداد بوقت حصول الوفاة, لأنّ الفاصل الزمني بين الفعل والنتيجة في جريمة القتل لا يؤثر على قيام الجريمة او مسؤولية مرتكبها متى قام الدليل على توافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة (الوفاة).
مع ملاحظة الى انه يمكن تصور الشروع بهذه الحالة بحيث اذا توافرت نية القتل لدى الجاني ولم تحصل النتيجة لأسباب خارجة عن إرادته فيمكن مساءلته عن الشروع بالجريمة. ولكن قد تثور هنا الإشكالية بصلاحية الوسيلة لإحداث القتل , لأنه لغاية الآن لم يثبت بأنّ نقل العدوى من شأنه إحداث الوفاة عاجلاً أم آجلاً كما في نقل العدوى بمرض الأيدز الذي تعتبر به الوفاة مُحتمة الوقوع مهما طال من زمن لكون ان العلم لغاية هذا التاريخ لم يتوصل لعلاج له.
ولكن هنا لا يمنع من تطبيق نصوص القتل إذا حصلت الوفاة وثبت بان الشخص المصاب كان قاصداً قتل الشخص الآخر, وسندي بذلك ان الفقه والقضاء الاردني مستقرين على ان القصد الجرمي بالقتل كما يكون بصورة القصد المباشر قد يتحقق بصورة القصد الاحتمالي الوارد بالمادة 64 من قانون العقوبات التي نصت على ( تعد الجريمة مقصودة وان تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل قصد الفاعل اذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة ، ويكون الخطأ اذا نجم الفعل الضار عن الاهمال او قلة الاحتراز او عدم مراعاة القوانين والانظمة). فمن يحمل المرض وأتى بفعل بقصد تحقيق غرض معين وتوقع ان يترتب على هذا الفعل إصابة الغير بالمرض فلم يرفض النتيجة ولم يحاول تجنبها وانما استوى لديه حدوث هذه النتيجة وعدم حدوثها فإن فعله يدخل في دائرة القصد الاحتمالي.
وعليه فان من يعلم بانه مصاب بالمرض وقام بفعل مع توقعه إصابة الغير بالمرض فلم يرفض النتيجة ولم يسعَ لعدم حدوثها فانه يسال عن القتل, ومن ذلك من يُخالط الغير مع علمه بخطورة المرض. وجميعنا نعرف بأنّ القصد الاحتمالي حسب ما ذهب إليه الفقه وقضاء محكمة التمييز بأنّه نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع أن يتعدى فعله المنوي عليه بالذات إلى غرض آخر لم ينوه من قبل أصلاً وأن يتعدى فعله إلى الأمر الإجرامي الآخر الذي وقع فعلاً ولم يكن مقصوداً له في الأصل.
ومن ناحية اخرى يُمكن ملاحقة الجاني عن الإيذاء إذا توقفت النتيجة عند حدود الإيذاء الوارد بنصوص قانون العقوبات في المواد 333 – 335. كما يمكن تطبيق الظروف المشدة الواردة بالمادتين 327/3 و328/1 من قانون العقوبات الخاصة بالقتل الواقع على اكثر من شخص وكذلك القتل العمد.
3. تكييف الفعل بإعطاء مواد ضارة أفضت إلى موت إنسان:
هل يُشكل نقل عدوى المرض إلى الغير بقصد الإيذاء اذا نتج عن ذلك وفاة المجني عليه جريمة إعطاء مواد ضارة أفضت الى الموت؟
نصت المادة 330من قانون العقوبات على ( … من ضرب او جرح احداً بأداة ليس من شأنها ان تفضي الى الموت او أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلاً قط ، ولكن المعتدى عليه توفي متأثراً مما وقع عليه ، عوقب الفاعل….).
تعتبر هذه الجريمة من الجرائم مُتعدية او متجاوزة القصد , وان الإجابة على التساؤل اعلاه تتطلب معرفة اذا كان فيروس (COVID-19) , المسبب للمرض من الممكن اعتباره من قبيل المواد الضارة ام لا. ويمكن القول بان المواد الضارة هي كل مادة من شأنها ان تحدث خللاً في وظيفة أعضاء الجسم سواء أدى ذلك الى إيلام المجني عليه ام لا, وبما ان الفيروسات تؤدي الى خلل في وظائف اعضاء الجسم واجهزتها فانها تعتبر من المواد الضارة , وبخصوص فيروس (COVID-19) , فانه يهاجم الرئتين ويقوم بتدميرها ومن الممكن ان تنتج الوفاة.
وللاجابة على التساؤل اعلاه فانه يشترط ابتداءً ان يتم نقل المرض للغير بقصد الايذاء, ورغم ذلك تحدث الوفاة التي لا يريدها الجاني ولو على صورة القصد الاحتمالي, وحقيقةً يمكن تطبيق هذا النص, لأن نقل الفيروس بحد ذاته (غير مميت ) كما هو الحال بالنسبة لنقل فيروس (الأيدز).
من خلال ما تقدم أجد بان جميع نصوص القانون المذكورة اعلاه يمكن تطبيقها في حال نقل العدوى للغير. وقد يتساءل البعض كيف ذلك؟
أقول بانه قد تجتمع عدة أوصاف بالفعل وبذلك نطبق نص المادة (57) من قانون العقوبات والتي جاءت تحت بند اجتماع الجرائم المعنوي والتي نصت على “1. اذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم، وعلى المحكمة ان تحكم بالعقوبة الاشد. 2. على انه اذا انطبق على الفعل وصف عام ووصف خاص أخذ بالوصف الخاص.”
كما انه قد تتم ملاحقة الشخص عن جرم الايذاء مثلا ثم تحصل وفاة (اي تتفاقم نتائج الفعل الجرمية ) فهنا نطبق نص المادة (58) من قانون العقوبات التي نصت على ( 1. لا يلاحق الفعل الواحد الا مرة واحدة . 2. على انه اذا تفاقمت نتائج الفعل الجرمية بعد الملاحقة الاولى فاصبح قابلا لوصف اشد لوحق بهذا الوصف، واوقعت العقوبة الاشد دون سواها فاذا كانت العقوبة المقضي بها سابقا قد نفذت اسقطت من العقوبة الجديدة ).
وعليه فإن تطبيق نصوص القانون المذكورة أعلاه, في حال نقل العدوى للغير يتوقف على ظروف كل قضية على حدا, وعلى ضوء البحث بأركان كل واقعة بشكلٍ مستقل. ونشير هنا إلى انّ الجرائم الواقعة على الأشخاص لا تختلف عن بعضها إلّا في الركن المعنوي والقصد الجرمي من حیث الشدة , له تدرج قد یختلط بعضه بالبعض الآخر ومما یوجب هو الآخر تدرج في العقوبة من حیث الشدة.
ثانيا: المسؤولية الجزائية عن نقل الفيروس إلى الغير بطريق الخطأ:
تتعدد الحالات التي ينتقل فيها الفيروس إلى الغير عن طريق الخطأ, فالنقل غير العمدي للفيروس هو الأكثر شيوعاً في مجال العدوى, إذ يكفي أن نشير إلى حالة الشخص الذي يعلم بأنه مصاب بالفيروس ولا يتخذ الاحتياطات اللازمة لوقاية غيره من انتقال العدوى, وقد يكون هذا الغير هو زوج المصاب الذي لا يعلم بحالته, كما قد يكون الغير هو المريض الذي يتردد على عيادة طبيب ما, وينتقل إليه الفيروس من هذا الطبيب الذي يحمل هذا الفيروس أو من الممرضة, أو قد يتم النقل بسبب استعمال أدوات الجراحة غير المعقمة بالمخالفة للاشتراطات الصحية التي تمنع تكرار استعمال أدوات جراحية معينة, أو تتطلب ضرورة تعقيمها جيداً قبل الاستعمال, كما قد ينتقل الفيروس بطرق اخرى.
وكنتيجة لذلك، إذا ترتب على نقل العدوى إلى الغير عن طريق الخطأ وفاة المجني عليه فإن الجاني يسأل عن جنحة التسبب بالوفاة, وأن الجاني الذي نقل العدوى بطريق الخطأ لا يستطيع أن ينفي مسؤوليته الجزائية عن القتل الخطأ بحجة أنه لا يعلم أنه مصاب, إذا كان عدم علمه بحقيقة مرضه راجعاً إلى خطأ شخصي من جانبه, مثال ذلك الشخص الذي يشاهد علامات المرض تظهر على جسمه, ويكون هناك من الوقائع ما يؤكد إمكانية تعرضه للعدوى, ورغم ذلك فإنه يتصل بالغير دون أن يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع نقل الفيروس.
لكن هنا نبدي ملاحظة مهمة وهي أن هذا الفيروس أصبح معروف من الناحية العلمية بأنه ينتقل عن طريق المخالطة وطرق أخرى, وبالتالي قد تثور الاشكاليات بخصوص القصد والخطأ خاصة أن الخطأ الواعي يثير العديد من الاشكاليات ويتداخل مع القصد الاحتمالي وفقاً للاتجاهات الحديثة الباحثة بنظرية الخطأ. فمن المعلوم لدينا جميعاً بأن الإنسان لا یسأل سواء أكان فاعلا أم شریكا أم محرضا. إلا إذا ارتكب مادیات الجریمة المتمثلة بالفعل أو السلوك الإجرمي الذي یؤدي إلى حصول نتیجة جرمیة مع توفر القصد الجرمي المتمثل باتجاه إرادة هذا الإنسان ونیته الآثمة إلى تحقیق مادیات الجریمة حتى یسأل جنائیا. أمّا في الخطأ غير العمدي فيكون الفاعل قد أراد الفعل المكون للجريمة, إلّا أنّه لم يرد النتيجة الجرمية, وقد يكون الخطأ مع عدم التوقع ( الخطأ غير الواعي), أو يكون الخطأ مع التوقع (الخطأ الواعي) ویقترب الأخیر من القصد الاحتمالي فالجاني یرید الفعل ویتوقع النتیجة ورغم ذلك لا یریدها ولا يقبلها.
بالتأسيس على ما تقدم إذا توافر الخطأ فهنا يمكن تطبيق المادتين 343 و344 من قانون العقوبات حيث نصت المادة 343 على: من سبب موت احد عن اهمال او قلة احتراز او عن عدم مراعاة القوانين والانظمة عوقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات”. كما نصت المادة 344 على ” إذا لم ينجم عن خطأ المشتكى عليه الا ايذاء كالذي نصت عليه المادة (333) عوقب بالحبس من شهر إلى سنة أو بالغرامة من ثلاثين ديناراً إلى مائة دينار، وإذا كان الايذاء كالذي نصت عليه المادة (335) عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أو بغرامة من خمسين دينارا إلى مائتي دينار, ويعاقب كل ايذاء آخر غير مقصود، بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر او بغرامة لا تتجاوز خمسين دينارا”.
ثالثاً: يبقى هناك تساؤل برسم الاجابة فيما اذا كان يمكن تطبيق قانون منع الارهاب؟
حيث عرفت المادة الثانية من قانون منع الارهاب وتعديلاته رقم 55 لسنة 2006 العمل الارهابي ب : ” كل عمل مقصود أو التهديد به أو الامتناع عنه أياً كانت بواعثه وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي من شأنه تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق والأملاك العامة أو الأملاك الخاصة أو المرافق الدولية أو البعثات الدبلوماسية أو احتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو ارغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة”.
فالشخص المصاب بالمرض ويتعمد نقله للغير, كما هو بحالة من يقوم بوضع لعابه على المركبات او المنازل او البصق على الغير او العطاس بوجه الغير, فأليس ذلك العمل المقصود من شأنه تعريض سلامة المجتمع للخطر والقاء الرعب بين الناس وترويعهم وتعريض حياتهم للخطر.