صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
الجائحة وما لازمها من إجراءات أحدثت هزة وزلزالا اجتماعيا وثقافيا أثر وسيؤثر على علاقاتنا وجوانب حياتنا وتفاعلاتنا وقيمنا وأفكارنا. حتى اليوم لا أحد يعرف تماما حجم التغير الذي سيطال نظمنا ومؤسساتنا وأشغالنا لكن الواضح أن لا شيء سيعود إلى ما كان عليه.
قبل حدوث الجائحة ما كان أحد ليصدق أن بإمكان الناس أن يمضوا أشهرا طويلة في بيوتهم يتجنبون المخالطة والمصافحة والأكل الجماعي والتقبيل. للمرة الأولى تغلق دور العبادة ويتوقف الشباب عن التسكع في المقاهي ويصبح التعليم عبر الشاشات والتطبيقات التي تجاهل الناس وجودها على أجهزة اتصالاتهم. الأسرة التي فقدت أدوارها عادت لتصبح شريكا ورديفا للمدرسة في عملية التعليم.
لم يسبق لهذا الجيل أن عايش تجربة التنازل الطوعي عن حرية الحركة والتنقل ولا الانصياع الاختياري لأوامر الدفاع والتجاوب معها وتأييدها كما حصل في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية. فللمرة الأولى تتحول البلاد إلى ما يشبه معسكرات التدريب، حيث ينطلق الناس لمصالحهم ويعودون لبيوتهم على إيقاع صفارات الإنذار وحسب التعليمات والأوامر التي يجري تحديثها يوما فيوم.
تعاملُ الأردنيين وتجاوبهم مع أوامر الدفاع وإجراءات الحظر والحجر ظاهرة ملفتة وتحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل.
الحظر الشامل الذي طبّق خلال الأيام الأخيرة من رمضان ويوم العيد كان موضعا للنقاش وسط تباين واضح في المواقف والآراء. ففي حين رحب البعض بالقرار واعتبره تمرينا تعبويا مهما للانضباط والعمل الجماعي من أجل حماية الصحة والحد من انتشار الوباء، اعتقد البعض الآخر أن القرار قاس واختطف بهجة العيد، وسلب الفرحة والروحانيات التي يحتاج لها المجتمع في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة.
بالرغم من هذا التباين في المواقف إلا أنها تبقى أولية وغير حاسمة، فالناس يتنازعهم نوعان من الرغبات المتعارضة. ففي الوقت الذي يرغب فيه الأفراد بممارسة الحرية وتجنب الإملاءات للتحرر، يشعر الكثير من الأفراد بالخوف والقلق من الأخطار المحتملة والعواقب التي قد تتولد عن ممارستهم للحرية في بيئة وظروف غير آمنة.
في ذاكرة الآباء والأمهات مواقف وأحداث وخبرات طفولية متعددة يسترجعونها وهم يمارسون أبوتهم وأدوارهم الوالدية مع الأبناء والأحفاد. عدد المواقف التي رفض فيها الآباء والأمهات رغباتنا يزيد مئات المرات عن الحالات التي سمحوا لنا فيها بالقيام بما كنا نرغب القيام به. أجيال من الآباء والأمهات أمضوا حياتهم وقاموا بأدوارهم دون أن يعرفوا أصول التربية والتوجيه ولا انعكاسات ما يقومون به ويتخذونه من قرارات على شخصيات الأبناء وسلوكهم المستقبلي. القاعدة الذهبية التي استخدمها الآباء وأصرت عليها الأمهات كانت محصورة في الرفض لكل ما يحاول أن يحصل عليه الأبناء والتفاوض معهم في حالة الإصرار على ما يريدون.
نتيجة لطبيعة المجتمع وبنية السلطة وسيادة النظام الأبوي فلا أظن أن مفهوم الحظر جديد على أي منا. في ذاكرة كل واحد منا عشرات أوامر الدفاع التي أصدرها الآباء والأمهات لمنعنا من اللعب أو شراء ما تعلقت بها أنفسنا أو رغباتنا في المخالطة لأشخاص أحببنا مرافقتهم والتفاعل معهم. إدارة البيوت والأسرة كانت بسلسلة من الأوامر والنواهي الصارمة والتي لا تعترف بالفروق الفردية ولا الرغبات فالمهم هو الضبط للسلوك والقمع للرغبات التي قد تتولد في نفوس الأبناء.
في كل مرة يصدر فيها أمر يذعن الناس ويتمنون أن يكون الأمر في صالح الجماعة، الكثير من الأمم سلمت أمرها لسلطاتها الحاكمة وكلها أمل أن لا يجانب الرشادُ أحكامَها وقراراتِها. ففي مثل هذه الأوقات تحتاج الأمم إلى الدكتاتور الحكيم العادل أكثر من حاجتها إلى سفسطة وجدل الانتهازيين والتجار والمقاولين.
صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
الجائحة وما لازمها من إجراءات أحدثت هزة وزلزالا اجتماعيا وثقافيا أثر وسيؤثر على علاقاتنا وجوانب حياتنا وتفاعلاتنا وقيمنا وأفكارنا. حتى اليوم لا أحد يعرف تماما حجم التغير الذي سيطال نظمنا ومؤسساتنا وأشغالنا لكن الواضح أن لا شيء سيعود إلى ما كان عليه.
قبل حدوث الجائحة ما كان أحد ليصدق أن بإمكان الناس أن يمضوا أشهرا طويلة في بيوتهم يتجنبون المخالطة والمصافحة والأكل الجماعي والتقبيل. للمرة الأولى تغلق دور العبادة ويتوقف الشباب عن التسكع في المقاهي ويصبح التعليم عبر الشاشات والتطبيقات التي تجاهل الناس وجودها على أجهزة اتصالاتهم. الأسرة التي فقدت أدوارها عادت لتصبح شريكا ورديفا للمدرسة في عملية التعليم.
لم يسبق لهذا الجيل أن عايش تجربة التنازل الطوعي عن حرية الحركة والتنقل ولا الانصياع الاختياري لأوامر الدفاع والتجاوب معها وتأييدها كما حصل في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية. فللمرة الأولى تتحول البلاد إلى ما يشبه معسكرات التدريب، حيث ينطلق الناس لمصالحهم ويعودون لبيوتهم على إيقاع صفارات الإنذار وحسب التعليمات والأوامر التي يجري تحديثها يوما فيوم.
تعاملُ الأردنيين وتجاوبهم مع أوامر الدفاع وإجراءات الحظر والحجر ظاهرة ملفتة وتحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل.
الحظر الشامل الذي طبّق خلال الأيام الأخيرة من رمضان ويوم العيد كان موضعا للنقاش وسط تباين واضح في المواقف والآراء. ففي حين رحب البعض بالقرار واعتبره تمرينا تعبويا مهما للانضباط والعمل الجماعي من أجل حماية الصحة والحد من انتشار الوباء، اعتقد البعض الآخر أن القرار قاس واختطف بهجة العيد، وسلب الفرحة والروحانيات التي يحتاج لها المجتمع في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة.
بالرغم من هذا التباين في المواقف إلا أنها تبقى أولية وغير حاسمة، فالناس يتنازعهم نوعان من الرغبات المتعارضة. ففي الوقت الذي يرغب فيه الأفراد بممارسة الحرية وتجنب الإملاءات للتحرر، يشعر الكثير من الأفراد بالخوف والقلق من الأخطار المحتملة والعواقب التي قد تتولد عن ممارستهم للحرية في بيئة وظروف غير آمنة.
في ذاكرة الآباء والأمهات مواقف وأحداث وخبرات طفولية متعددة يسترجعونها وهم يمارسون أبوتهم وأدوارهم الوالدية مع الأبناء والأحفاد. عدد المواقف التي رفض فيها الآباء والأمهات رغباتنا يزيد مئات المرات عن الحالات التي سمحوا لنا فيها بالقيام بما كنا نرغب القيام به. أجيال من الآباء والأمهات أمضوا حياتهم وقاموا بأدوارهم دون أن يعرفوا أصول التربية والتوجيه ولا انعكاسات ما يقومون به ويتخذونه من قرارات على شخصيات الأبناء وسلوكهم المستقبلي. القاعدة الذهبية التي استخدمها الآباء وأصرت عليها الأمهات كانت محصورة في الرفض لكل ما يحاول أن يحصل عليه الأبناء والتفاوض معهم في حالة الإصرار على ما يريدون.
نتيجة لطبيعة المجتمع وبنية السلطة وسيادة النظام الأبوي فلا أظن أن مفهوم الحظر جديد على أي منا. في ذاكرة كل واحد منا عشرات أوامر الدفاع التي أصدرها الآباء والأمهات لمنعنا من اللعب أو شراء ما تعلقت بها أنفسنا أو رغباتنا في المخالطة لأشخاص أحببنا مرافقتهم والتفاعل معهم. إدارة البيوت والأسرة كانت بسلسلة من الأوامر والنواهي الصارمة والتي لا تعترف بالفروق الفردية ولا الرغبات فالمهم هو الضبط للسلوك والقمع للرغبات التي قد تتولد في نفوس الأبناء.
في كل مرة يصدر فيها أمر يذعن الناس ويتمنون أن يكون الأمر في صالح الجماعة، الكثير من الأمم سلمت أمرها لسلطاتها الحاكمة وكلها أمل أن لا يجانب الرشادُ أحكامَها وقراراتِها. ففي مثل هذه الأوقات تحتاج الأمم إلى الدكتاتور الحكيم العادل أكثر من حاجتها إلى سفسطة وجدل الانتهازيين والتجار والمقاولين.