صراحة نيوز – بقلم د.حازم قشوع
عادة ما تتأثر إستراتيجيات العمل بالظروف الموضوعية التي غالبا ما تكون أكبر تأثيرًا من العوامل الذاتية، لذا تجد معظم إستراتيجيات العمل تنحنى أو تتوقف، وبالتالي تعدل مساراتها لزوم التكيف ولغايات التأقلم مع رياح التغيير أو التغير، التي تأتي عبر المناخات الإقليمية أو الدولية، حيث تؤثر على النظم الإستراتيجية وخططها، في النواحي الإصلاحية والتنموية وفي الجوانب المالية أو الاقتصادية أو الإدارية ، أو حتى السياسية، إلا أن إستراتيجية العمل الثقافية لما يحتويه العامل الذاتي فيها من مكانة متجذرة دائما ما يكون أكبر تأثير من الظروف الموضوعية لذا شكلت ذلك الاستثناء خاصة في ظروف التحديات.
و لما تحويه المنزلة الثقافية من جذور عميقة في الموروث الثقافي والمخزون العقائدي والأدبيات الحضارية والمسلكيات الاجتماعية والبيئة المجتمعية الحاضنة، وهي العوامل الخمسة التي تشكل جذورها، لذا كانت استجابتها كبيرة.
في معادلة التكوين، حيث مقدار الأثر الطبيعي وعمق التأثير البشري ومتانة العلاقة المجتمعية بين الإنسان والأرض والمجتمع حيث الوطن والتي تتشكل منها درجة الانتماء فيما تتعزز عبر مناخاتها قيم الولاء للنظام والإطار الناظم من طبيعة مفاهيم العناية والرعاية والحوكمة الراشدة.
ولأن أركان الولاء والانتماء تتشكل من قيم المواطنة وتنمي المنزلة الوطنية، فإن تعظيم قيمها ومبادئها تتعاظم عند بناء حركة المجتمع بالثقافة الوطنية، لأن الإستراتيجية الثقافية لا تتأثر بالظروف الموضوعية بطريقة كبيرة أو تؤثر عليها إلى درجة وقف الحركة كما يحدت في مسارات الاقتصاد والتنمية بل على العكس من ذلك، كلما كبرت التحديات على المجتمع عظمت معها وسائل الإبداع الثقافي وتعززت من فحوها قيم المواطنة والوطنية الأمر الذي يعول عليها دائما بشحذ الهمم وإغناء مستويات الإرادة، تجاه الوصول إلى هدف أو بهدف تحقيق المنجز من هنا تأتي درجة الاهتمام بروافدها ومساراتها.
ولأن الإستراتيجية الثقافية بحاجة لرؤية، ورسالة وآليات عمل، وسياسات، وبرامج تأثير، وتحقيق أثر، وغايات مركزية، فإن العمل على بلورة إستراتيجية ثقافية يستدعي تبيان هذه المفاهيم، وتوضيح عناوينها، وشرح أدبياتها، وتأطير مساراتها، ووضع برامجها، في الأطر التوجيهية الإعلامية وفي المناهج الفنية والأدبية، حتى تنسجم المنطلقات المركزية مع روافد العمل المتنوعة ضمن أدوات عمل تستجيب لها بيئة المجتمع فتتم درجة التأثير وتظهر عناوين الاستجابة بواسطة تفاعلية مبادرة وتفاعلية مناعية.
وذلك لاعتبارات ضمنية لأن رؤية العمل تقوم على صياغة النموذج الثقافي للخصوصية المجتمعية، وفق معادلة مركزيه تقوم على المنطلقات الحضارية للمجتمع، والاستشراف الموصول للبيئة الحاضنة والاستكشاف المأمول للإبداع واستدراك الحركة الاجتماعية من أجل تحقيق درجة التطلع المتوخاة، وهذا يأتي ضمن جملة خبرية تحدث العلامة الفارقة، فإن العمل على بلورتها يتطلب تكوين دلالة مباشرة عن هذا المزيج لتكوين رؤية المجتمع الثقافي وسمته، وهذا بحاجه لفتح أبواب الحوار لإطلاق الرؤية الإستراتيجية الثقافية للمجتمع، والتي يجب أن تبدأ بنحو يمكن استنباطها من رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني»نحو مجتمع معرفي وأردن أفضل».
أما فيما يتعلق في الرسالة ومحتواها والتي من المفترض أن تعمل على هضم حركة المجتمع الفكرية والأدبية والموروثية والمسلكية والمنهجية، فإن العمل على تكوين رسالتها يتطلب الوقوف عند مصطلح من أجل، التي فيها تهضم جميع هذه المركبات وتؤطر في إطار الاستهدافات المرجوة، والتطلعات المنشودة ، بحيث تقوم على توضيح مسارات العمل وجوانبها ضمن محددات مباشرة، حيث يمكن استباطه من فحوى مضامين الأوراق الملكية.
بحيث ينطلق المجتمع الأردني من إيمان راسخ بالله ويهدف إلى تجسيد تطلعات الإنسان والأرض هوية وانتماء في ظل المجتمع المدني و ضوابط سيادة القانون ومن أجل تعظيم مخرجاته قيم العدالة وتكافؤ فرص، ومن أجل ترسيخ النهج الديمقراطي التعددي الذي يحفظ قيم المواطنة، ومن أجل تجسيد المفاهيم الإدارية في اللامركزية والحكم المحلي، ومن أجل تحقيق أطوار الاقتصاد الإنتاجي، ومن إجل إيجاد بيئة أفضل للتعليم والتعلم والمعرفي، وذلك ضمن رسالة وطنية بنائية معرفية تضيف للعمل الإنساني وروافده علوم المنفعة ونماذج المعرفة.
وهي الرسائل الخمس التي احتوتها الأوراق الملكية حيث يمكنها تجسيد رؤية جلالة الملك بالكيفية التي تمكننا من بناء مضمون المجتمع الأفضل أو المتقدم، وهذا يمكنه تشكيل الجزء الثاني من الرؤية التي حملت عنوان « نحو أردن أفضل» فيما تقوم رسالة المجتمع تجاه الإنسانية لتحمل رسالة الأردن للبشرية جمعاء عندما حملت ذات العنوان نحوالمجتمع المعرفي بقيمه وعطائه الإنساني، وهما ما يشكلان معًا كامل الرؤية» نحو مجتمع معرفي وأردن أفصل « .
وهي الرسالة التىي يمكن اعتبارها المحور الأساس والاتكاء عليها في بناء الإستراتيجية الثقافية للدولة الأردنية بحيث تقوم على بناء شرعية الإنجاز، وإبرازها بتعظيم حركة المجتمع وتطوير وسائلها، وتصميم نماذج العمل فيها، وتوظيف السياسات العامة للدولة في جوانبها وأنظمتها وبما يثري حركة المجتمع الثقافية والأدبية ويجعلها قادرة على تكوين سمة منهجية وقيمية تميزها عن بقية المجتمعات، وإن كانت السمة التي باتت تشكل السمة الغالبة على حركة المجتمع الأردني هي قيمة التسامح ونهج الأمان. وهذا ما يقود نماذج العمل الثقافي، من تسليط الضوء
على هذه القيمة والمنهجية البارزه في المجتمع الأردني، من خلال التركيز عليها في كل النشاطات، باعتبارها علامة فارقة، تميز الأردنيين عن غيرهم ويمتاز بها مجتمعنا الأردني عن غيره من المجتمعات، فإن التسامح ما يعنيه من كرم وجود، وحسن خلق، وعظمة منزلة، حيث تتجلى معانيه بالترفع عن الصغائر، وسمو الأخلاق، وحسن التربية، إضافة إلى أنها شكلت ثقافة حكم أصيل بجذوره العريقة يمكن اعتبارها إحدى القيم الرئيسة في المجتمع الأردني كما في «زهرة السوسنة» حيث يتجسد التعبير، ومن واقع تسليط الضوء على نماذجها المجتمعية باعتبارها تشكل أحد الروافد الرئيسة لشرعية الإنجاز المستهدفة. ولأن منهجيهة الأمان تمزج بين الأمن والحرية والتي باتت تعد أحد أهم سمات المجتمع الأردني، كونها تبرز مقدار مناخات الحرية التي يتمتع بها شعبنا في التعبير والحركة والنشر والبيان وفي المحافظة أيضًا على الرأي الآخر في معادلة التعددية كما تتم المحافظة على الرأي
في ذات المعادلة، فإن المحافظة على مناخات الاستقرار كانت بحاجة دائما لإبراز معاني الأمان من واقع تسليط الضوء عليها وعلى روافعها باعتبارها تشكل أحد أهم اركان العمل الثقافي المنهجي.
أما عن الأمن ورسالته، والذي شكل علامة ميزت المجتمع الأردني عن غيره في كل المحطات، فإن نماذج الأمن العديدة التي باتت محط تقدير عالمي في مجالات الدفاع، والوقاية، والاستدراك، والاحتراز، غدت تشكل علامة فارقة للدولة الأردنية لما تقوم عليها منجزاتها ضوابطها الردعية والاحترازية والحافزية والوازعية، فإن إستراتيجات العمل هذه التي أثبتت نجاعتها، إضافه إلى خططتها التنفيذية التي اقترنت بها في الحروب ضد الإرهاب كما ضد الوباء ما قدمته من منهجية حرفية جعلت من رسالة الأمن الأردني مثالية في العمل، ومضرب أمثال بين المجتمعات نتيجة نماذج العمل التي قدمها الأردن في الحرب على الإرهاب والوباء، وما قام به أيضا تجاه حفظ السلم الإقليمي والسلام الدولي بالأفكار والميدان، يجعل برنامج العمل التثقيفي والتقافي يسلط الضوء على محتواه باعتباره جزءًا من شرعية الإنجاز المستهدفة.
وفي إطار آليات العمل التي يمكن توظيفها لإحقاق حاله موضوعية تستند للعملية بالتقدير، والمهنية في الأداء، فإن آليات عملها تقوم على أسس تراعى فيها البيئة المجتمعية الحاضنة لإحداث الأثر وظروف مناخات التأثير، بحيث يتم اختيار آليات ملائمة لميزان التقدير، حيث يتم تحديد آليات العمل بناء على النظم المركزية للعمل، اذا حملت عناوين توعوية و توجيهية، او ارشادية او بنائية او حتى ارشادية، واختيار الوسيلة الملائمة للتعاطي والاطلاق ان حملت عناوين الطرق المباشرة او اتخذت من الطرق غير المباشرة ووسائل لها للتحقيق التقليدية منها او الاجتماعية .
وهذا يتطلب دراسة محتوى الرسالة ونوعية البيئة المستهدفة وتحديد مواقيت الإرسال، واختيار فريق عمل الإرسال على ان يتم ذلك بمهنية متناهية، فإن مقتضيات العمل التثقيفي بحاجة الى مراكز ارسال مهنية ومنهجية وفكرية بحيث تقوم على ايجاد حالة يستثمر عبرها كتّاب الرأي والمسرح والمسلسلات التلفزيونية والبرامج الوثائقية بما فيها الأماكن التاريجية الجغرافية وميزاتها، وتسليط الضوء على الشخصيات التاريخية الوطنية، والقضايا المجتمعية التي تشكل مفاهيم مجتمعية جامعة، فيها من الأصالة والحضارة كما فيها من الحداثة والمعرفة، وهذا يأتي وفق نسق مجتمعي جامع ترسخ فيه الهوية الاردنية الوطنيهة الجامعة، لما لذلك من اهمية في إغناء الموروث الثقافي والأدبي عند الإنسان الأردني.
ومن هنا تأتي أهمية ايجاد صندوق للابداع السينمائي والمسرحي والفني بشكل عام، بحيث يعمل على اكتشاف المواهب الأردنية وإعادة تأهيلها بنظم احترافية، والعمل على تدريب كوادرها من اجل صناعة معرفية تقوم على صناعة الفن والسينما، وتعمل على الاهتمام بالمسرح والسينما الاردنية والمسلسلات الاردنية والنماذج الفنية المتنوعة لكونها تشكل المناخات الايجابية في اغناء روافع رسالة الانجاز الوطني وشرعيته، فإن الظروف الانتاحية بحاجه دائما الى مناخات عمل مشجعة ومحفزهة تقوم على بلوره بيئة صحية للعمل كما بقية مسارات الانجاز لاسيما في المسارات الديمقراطية والمدنية واللامركزية والتعليمية وكما في نماذج الاقتصاد الإنتاجي.
اما السياسات التي يمكن اتباعها فإنها تقوم على مزج النظم الحافزة بالنظم الوازعة، وذلك لاعتبارات تقديرية لها علاقة بطبيعة البيئة الفنية وآلية عملها باعتبارها الأداة الموصلة للرسالة والمشكلة لدوائر التأثير، وهذا يتطلب تشكيل نماذج عمل تدار في البداية، من خلال منصات مركزية حيث تتكون في هذه المنصات من خلال هيئة مستشارية تحوي خبرات تقنية عربية ودولية في الإخراج والتأليف وكتابة السيناريو واللوجستية المتممة حتى يتم تشكيل منظومة عمل مهنية للأعمال الفنية كما المسرحية والسينمائية، من أرضية نصوص توجيهية وتوعويه تهتم في معالجة القضايا المجتمعية، وهذا بحاجة الى ايجاد جوائز سنوية للابداع والابتكار والاغناء الفني والتقني في المجالين الفني والسينمائي ، إضافة الى أهمية توحيد مرجعيات العمل في اطار هيئة مستقلة تقوم على وضع إستراتيجيات العمل ولا تتأثر بعوامل تغير السياسات بتغير الوزارات.
اما عن برامج التأثير وتحقيق الأثر، فإنها تقوم على اختيار نوعية الوسيلة المناسبة للرسالة والصيغة التي يمكن تقديمها عبر برنامج يطلق الرسالة ويتابع وصولها ويقيم مقدار تأثيرها حيز الواقع وعمق الاستجابة المجتمعية الناشئة، ضمن برنامج التقيم والتغذية الراجعة لغايات التصويب واعاده البناء.
إن العمل على تقديم هذه الاستراتيجية وايجاد الخطط التنفيذية لتحقيقها ضمن جدول زمني معلوم ، سيعمل على اعادة الزخم للمنتج المعرفي في صناعة السينما والفن والكتابة، وسيؤدي ذلك الى تبديد المناخات السلبية في المجتمع أينما وجدت، والتخفيف من مقدار التركيز على الحالة السياسية، وتسليط الضوء على قضايا مجتمعية يمكن معالجتها بالطرق التوعوية أو الارشادية دون توجيه نقد وجاهي لكن عبر معالجة تجسيدية وضمن برامج واضحة، تحاكي الواقع بموضوعية، وتقوم على بناء مناخات مجتمعية تلفظ التطرف والانتقاد والتشكيك والاتهامية وتحضن الرأي الآخر كما الرأي والمعارضة الايجابية مناخات التعددية.
ولأن المرحلة الاستثنائية التي تشهدها المنطقة بحاجة الى تعزيز مناخات المناعة الثقافية والوطنية والتثقيفية الوقائية حتى يصان الفضاء المجتمعي ويحافظ على حالة الفكر الفردي من مع اشتداد الرياح الفوق قطرية والتي تحمل اتربة مسمومة تعمل على التشكيك والخلخلة في انظمة الرأي ونسيج الوحدة الوطنية والمجتمعية، لمآرب معلومة و مقروءة، سياسية وجيوسياسية نتيجة تبدل موازين القوى وتغير التوجهات العامة بتبدل مراكز الاستقطاب الإقليمي.
إن التصدى لهذه الأجواء وظروف تكوينها بحاجة الى مصادات وطنية ثقافية بحيث لا تقوم انظمتها على تغذية الهويات الفرعية كونها محببة لهذه الاتربة الفايروسية بل تعمل على اعلاء مكانة الهوية الاردنية الجامعة وتعظيم جوانب العلاقة الدستورية التي تمزج ما بين الشرعية الملكية التي جاءت مع الخيمة الهاشمية برسالتها الفكرية وأوتادها التاريخية والدينية والثورية مع الشرعية الشعبية حيث الخيارات الشعبية و بيت القرار النيابي، من على هذا المزيج الرأسي والأفقي يعمل الجميع بقيادة رائدة على تحقيق مكانة شرعية الإنجاز التي يسعى لتحقيق أركانها جلالة الملك عبدالله في المملكة الرابعة، وهذا ما بينه كتابي «شرعية الإنجاز والحياه السياسية».
و من هنا تأتي أهمية، اطلاق استراتيجية ثقافيه في هذه المرحلة تعنى بالفكر والنهج والمحتوى وتقوم على آليات عملها على إغناء المحتوى الإعلامي بالرسائل الفكرية والمنهجية و تعظيم دور الرسائل الإعلامية وكيفية اطلاقها، وتمكين دور المنصات التوجيهية فيها للوصول إلى الآلية الملائمة لتحقيق التأثير الأوسع في دوائر الاستهداف، فإن العمل على تعزيز مناخات الثقة و تقديم توجهات الرأي بطريقة نمطية ورسمية بالندوات والمؤتمرات واللقاءات الوجاهية باتت بحاجة إلى إعادة بناء في ظل الظروف السائدة واسقاطاتها، لذا كان اتباع الوسائل الفنية في تقديم الرسالة ومحتواها وطرق علاجها هو الوسيلة الأفضل بتعزيز المحتوى الثقافي والذي بدوره سيعمل على إيجاد مناخات إيجابية تسهم بتشكيل مناخات مجتمعية اكثر تفاعلية، إضافه الى أن هذه الإستراتيجية ستعمل على ايجاد ارضية ملائمة لإطلاق صناعة معرفية سينمائية وفنية عامة، وهي تعد احد روافع العمل للاقتصاد الإنتاجي في إطار الرؤية الإستراتيجية التي تحمل عنوان «نحو مجتمع معرفي وأردن افضل» ، لذا كان هذا الاجتهاد الذي نرجو أن يحقق إضافة.