صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
لقد أثبت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو – مع الأسف – أنه لا يطلق تصريحاته جزافا، بل انه يطلقها بعد تفكير وتخطيط مسبق، لما سيقدم عليه في المستقبل القريب أو البعيد، وينفذه في الوقت المحدد. فمثلا عندما صرح بأن القدس ستكون العاصمة الموحدة لإسرائيل فعل ذلك، وعندما وعد بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس تم ذلك، وعندما صرح بسن قانون يهودية الدولة حقق ذلك، وعندما وعد بتكثيف المستوطنات في الضفة الغربية فعل ذلك، وما زال يواصل زراعتها في المواقع الإستراتيجية، لتصبح حصونا دفاعية في وقت الخطر.
وكذلك عندما وعد بمواصلة الحفريات تحت بناء المسجد الأقصى، ها هو مستمر بهذا العمل بحثا عن الهيكل المزعوم، مع تدنيس ساحات المسجد الأقصى من قبل المستوطنين بشكل شبه يومي. وعندما وعد بإنشاء مطار دولي شمال إيلات بجوار العقبة نفذ ذلك، رغم تعارضه فنيا مع مطار الملك حسين في العقبة. وفي جولته الانتخابية وعد بعد نجاحه بضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وها هو قد حدد موعد التنفيذ في أوائل شهر تموز القادم. ومن المعروف أن كل ما سبق من أفعال تقوم بها إسرائيل، تتم بتأييد ومباركة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. إذاً هذا الرجل يعني وينفذ ما يقول، ولا يطلق الكلام على عواهنه، كفقاعات إعلامية للاستهلاك المحلي كما يفعل غيره من الزعماء.
وهذه الأطماع التوسعية متأصلة في فكر نتنياهو، ويسعى لتطبيقها على مراحل، تتفق مع الظروف الدولية السائدة. وقد عبّر عن تلك النزعة العدوانية في كتابه ” مكان تحت الشمس ” الذي صدر قبل ربع قرن، حيث قال وأقتبس : ” لقد تم في فرساي التعهد لليهود بإقامة دولة في فلسطين، وشمل الوطن القومي لليهود آنذاك ضفتي نهر الأردن. هذه المنطقة التي تسمى أرض إسرائيل الانتدابية ( المنطقة التي كُلفت بريطانيا عام 1920 أن تقيم وطنا لليهود، شملت أراضي دولتي الأردن وإسرائيل اليوم).
والآن بعد سبعين سنة ( سنة 1995 ) من مؤتمر فرساي، وبعد إبادة ستة ملايين يهودي في الكارثة، وبعد خمس حروب حاول العرب بها إبادة ما تبقى من الشعب اليهودي، الذين تجمعوا على هذه الأرض الصغيرة، التي اعتُرف بها كأرض لهم، يقولون لنا أن هذه الأرض كبيرة للغاية بالنسبة للشعب اليهودي “. انتهى الاقتباس.
ولا شك بأن ضم الغور الغربي له مخاطر عديدة منها : عزل الضفة الغربية عن الشرقية ومنع التواصل بين الطرفين، منع قيام الدولة الفلسطينية، تهجير سكان الغور بعد إنشاء المستوطنات، المساعدة بإقامة الوطن البديل في الأردن، زيادة العمق الاستراتيجي لإسرائيل، حرمان الفلسطينيين من منطقة زراعية تدعم الاقتصاد الوطني وبالمقابل ستدعم الاقتصاد الإسرائيلي، زيادة السيطرة على أمن الحدود بوجود المستوطنات في أراضي الغور، ومن المتوقع أن تشكل هذه المنطقة قاعدة للتوسع شرقا في وقت لاحق.
وهنا أتساءل : ألا يدل هذا الكلام على النوايا الإسرائيلية والتوسع على حساب فلسطين والأردن وبقية الدول العربية ؟ ماذا فعلت السلطة الفلسطينية، والحكومة الأردنية تجاه تصريحات نتنياهو الأخيرة حول ضم الغور وأراضي، التي تشكل 30 % من الضفة الغربية إلى إسرائيل في بداية الشهر القادم ؟ لم نسمع من السلطة الفلسطينية سوى تصريحات إعلامية، بأنها ستلغي الاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل بعد تنفيذ القرار الإسرائيلي، ثم لاذت بالصمت المطبق.
كنت أتوقع من الرئيس محمود عباس أن يُقدِم على خطوة عملية، تتمثل بإلغاء اتفاقية أوسلو المشؤومة وما تفرع عنها من اتفاقيات لاحقة، وأن يحل السلطة الفلسطينية منذ اليوم، مفسحا المجال لمنظمة فتح وغيرها من المنظمات الوطنية، بإطلاق المقاومة الشعبية ضد العدو الإسرائيلي، لردعه عن تنفيذ مخططه والحفاظ على الأراضي الفلسطينية، بعد أن جرى التفريط بها خلال العقود الماضية.
أما بالنسبة للأردن فقد صرح جلالة الملك عبد الله الثاني، بأنه في حالة تنفيذ ضم الأغوار والأراضي الفلسطينية من قبل الإسرائيليين، فسيكون هناك ” صداما كبيرا مع الأردن “. ولكن الحكومة الأردنية لم تعطِ هذا الموضوع الاهتمام الكافي، نظرا لانشغالها بالحرب على فيروس كورونا، وإصدار أوامر الدفاع المتعلقة بحضر حركة المواطنين، وتنظيم حركة السيارات بين الفردي والزوجي، واكتفت بالجهود الدبلوماسية التي يقوم بها وزير الخارجية، لعلها تردع الإسرائيليين عن جريمتهم القادمة.
ومع احترامي لما سبق، فإنني لم أسمع أو أقرأ عن أي خطوة عملية جادّة، كالتهديد بإلغاء معاهدة وادي عربة، ولم أشاهد أية استعدادات من قبل الحكومة ” للصدام الكبير ” الموعود. ولا أعرف أساسا إن كان ذلك الصدام، سيكون عسكريا أم دبلوماسيا أم جماهيريا، يتم خلاله اجتياز نهر الأردن، والاصطدام مع قطعان المستوطنين فوق أراضي الغور الغربي ؟ وأذكّر بان العليق عند الغارة لا ينفع كما يقول المثل الشعبي. كنت أتوقع أن أقرأ أو أسمع عن إستراتيجية حقيقية، تضع الهدف العام المطلوب تحقيقه، وبيان الوسائل والأساليب التي سيتم استخدامها ضمن الإمكانيات المتاحة، لمواجه قرار نتنياهو الأخير.
وإجابة على السؤال المطروح بأعلاه أقول : أننا نواجه خطرا كبيرا لا يهدد الأمن الوطني الأردني فحسب، بل يهدد الأمن القومي للأمة العربية قاطبة، من الفرات إلى النيل وحتى خيبر، ويستدعي هذا الموقف، حشد قوى الأمة العربية بصورة مجتمعة لمواجهة الخطر القادم، الذي يهدد وجودها ومستقبلها المنظور.
التاريخ : 1 / 6 / 2020