صراحة نيوز – بقلم د . صبري الربيحات
لا أظن أن احدا منا لا يعرف الاسهامات التي قدمتها معان والرمثا للفن والتراث والفلكلور الاردني والعربي والعالمي فقد اصبحت كل منهما مدرسة لها شكلها واسلوبها واهتماماتها وأتباعها، الفرق الشعبية التي تأسست في الأردن عملت على خلق اجواء الفرح والانحياز للحياة والحفاظ على التراث من التلاشي والانقراض.
من بين مئات الفرق الفلكلورية الشعبية التي تنشط في المهرجانات والاحتفالات تظهر فرق معان والرمثا كفرق رائدة سجلت سبقا واضحا وإنجازات مشهودة، الأسباب التي أدت لتميز هاتين المدينتين ما تزال مجهولة بالرغم من القاعدة التي تقول بأن المدن الحدودية تتسم بخصائص تجعلها اكثر عناية بكل ما يمثل هوية البلاد وخصوصيتها الثقافية فهي تعمل كسفيرة للثقافة تقدم أكلها ولباسها وفنها للآخر وتحاول ان تحسن التعبير عن الغنى الثقافي في مجتمعها.
في الثقافة العربية الضاربة جذورها في البداوة ظهرت بعض صنوف الفن المرتبط بالعادات والقيم والتقاليد. الاشعار والاغاني واشكال الحداء والهجينة والرقصات الشعبية كانت بعضا من هذه الصنوف التي عُنيت بها المجتمعات ورعت ظهورها وتطورها، الرغبة في الاحتفال والسعي الى التعبير عن هوية الجماعة وعناصر تماسكها وتميزها كانت وراء ازدهار الفنون وإغناء محتواها واشكالها.
حتى اليوم ما يزال الاهتمام المبكر لمجتمعات الرمثا ومعان بالفنون وتشجيعها لغزا بالرغم من إسهام ذلك في رسم صورة ذهنية جميلة لكلتا المدينتين، في مختلف أرجاء الأردن وحتى العالم العربي اصبح المشاهد يميز فرق معان والرمثا من طبيعة الاشعار واللباس وأحجام اعضاء الفرق ولون وطريقة ارتدائهم لغطاء الرأس وحركاتهم.
العديد من نجوم الغناء في الأردن بدؤوا مشوارهم الفني بمصاحبة احدى الفرق التي ظهرت في الرمثا او معان، فقد كان النجم عمر العبداللات احد الاصوات الاولى التي اطلت بها فرقة دبكة معان على الاردنيين كما كان متعب الصقار وحسين السلمان وصايل ابو تايه قبل ان يتحولوا الى نجوم كبار في سماء الفن العربي، الالحان والكلمات التي ترسم القيم والاحلام والتطلعات ومواضيع الزهو الاردني انتجت بواكيرها لأداء هذه الفرق والكثير من القصائد والقيم نشرها الشعراء الذين صاحبوا هذه الفرق وغنوا بصحبتها .
التخفيف من حدة المزاج الاردني وخلق الاجواء الاحتفالية التصالحية كانت ادوارا مهمة قامت بها الفرقة الفلكلورية دون توجيه او ارشاد من احد، لسنوات طويلة شكلت الفرق حاضنة مهمة للمواهب والاصوات التي اختبرت قبولها والكثير من القيم والمعاني التي عملت فرقة الرمثا على نشر واغناء الفن والتراث الاردني بكلمات واصوات وتشكيلات فنية رائعة.
منذ ستينيات القرن الماضي كانت احتفالات الاعراس والنجاح والمناسبات التي تقوم في البلدات والاحياء الاردنية مهرجانات شعبية محلية يشارك فيها الاهالي وتطوع لإحيائها هواة الطرب والغناء وتعمل على اشاعة الفرح وخفض منسوب التوتر في المجتمعات التي تكافح من اجل الاستمرار في ظروف اقتصادية واوضاع مالية صعبة.
حتى اليوم لا توجد دراسات متخصصة حول العوامل والاسباب التي دفعت بهاتين المدينتين للاهتمام بالموسيقا التراثية وتطوير الوان من الدبكات والرقصات التراثية المعبرة وتتابع اهتمام الاجيال المتلاحقة بألوان الاداء الفني التراثي باعتباره شكلا من اشكال تمثيل الهوية الثقافية بما فيها من قيم ومعتقدات ومعان يحرص الفن على تقديمها في قوالب وصيغ جاذبة ومقبولة لأنفسهم وللآخر .