يبدو قدر الأردن أن يستمر في حالة عدم الاستقرار التشريعي، وتحديدا في قوانين تؤثر على البيئة الاستثمارية، ومن هذه القوانين قانون ضريبة الدخل، حيث إن الحكومات ما تزال تظن القانون الحالي سخيا بالإعفاءات.
بسبب القناعة السابقة والضغوطات على الحكومة لتحقيق مزيد من الإيرادات، إضافة إلى متطلبات صندوق النقد الدولي الذي يشترط تعديل قانون الضريبة، تعمل وزارة المالية على إجراء تعديلات جديدة لقانون ضريبة الدخل والمبيعات بهدف إقراره من مجلس الوزراء ودفعه إلى مجلس النواب.
هذه ليست المحاولة الأولى، ولن تكون الأخيرة، لإقرار القانون المناسب لمعايير المؤسسات الأممية، فهذا هو التعديل الثاني على القانون في غضون ثلاث سنوات، حيث دخل حيز التنفيذ في العام 2014، في عهد حكومة د. عبد الله النسور التي لم تفلح بتمرير القانون وفق المطلوب، فأدخل النواب تعديلات أقر بموجبها القانون المطبق حاليا، وإن كان لا يروق للحكومة أو لصندوق النقد.
التعديل الأخير جاء بعد عامين على التزام الحكومة ببرنامج الاستعداد الائتماني (2012-2015)، وكان ضمن اشتراطات البرنامج، وحاليا تتم التعديلات كمطلب من صندوق النقد.
المطلوب أن يلتزم الأردن بتحقيق هذا الشرط قبل المراجعة المقبلة لبرنامج الإصلاح المالي من قبل بعثة الصندوق، ولذلك يرجّح أن يتم إقراره من مجلس الوزراء قبل تاريخ 21 نيسان (ابريل) الحالي، الذي يصادف انعقاد الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي، كشرط مسبق لإقرار إنهاء المراجعة لأداء الاقتصاد الوطني من قبل الصندوق.
القصة ليست سرا، وطالما سمعناها من حكومات متعاقبة، خصوصا تلك المتعلقة بضرائب الأفراد من أصحاب الدخل الثابت، حيث تقول إن أكثر من 95 % من هذه الفئة معفاة من الضريبة، وهذا صحيح جزئيا، لكن ذلك لا يعني أن يتم تحميلها عبئا ضريبيا يثقل كاهلها.
المشكلة الأخرى، أن هذه الفئة هي ذاتها التي يتم الاستقواء عليها من الحكومات، كون مداخيلها واضحة ومعروفة، فيما يستمر آخرون بارتكاب جريمة التهرب الضريبي، بدون حساب، بسبب قصور أدوات الحكومات في محاصرة التهرب الضريبي، فما تزال أخبار أطباء ومحامين، وغيرهم من أصحاب المهن، يتم تداولها عن حجم الدخل الكبير الذي يجنونه من دون أن يخضعوا للضريبة.
التعديلات تستهدف، بشكل أساسي، توسيع شريحة الخاضعين لضريبة الدخل، خصوصا من فئة الأفراد الموظفين، عبر تقليص الإعفاءات الممنوحة من 24 ألف دينار، وصولا إلى 18 ألف دينار سنويا للأسرة.
وفي الأنباء أن الحكومة ستقدم مشروع قانون بإعفاءات تصل إلى 16 ألف دينار، والغاية ترك مساحة للنواب ليناوروا أمام قواعدهم الانتخابية ليصار إلى إقرار القانون بحسب ما هو مخطط له.
تبعا لتفاصيل البرنامج الإصلاحي مع صندوق النقد، فالمطلوب من الحكومة توفير نحو 550 مليون دينار في العام 2018، وهو متطلب صعب وقاس في فترة تعجز الحكومة عن تحقيق النمو المطلوب وخلق فرص عمل كافية لاستيعاب الراغبين في العمل في السوق الأردنية.
أي خطة لتحقيق متطلبات الصندوق تحتاج إلى حزمة كبيرة من القرارات الصعبة، أهمها حاليا، السير في الإجراءات الدستورية لإقرار قانون جديد للضريبة يدخل حيز التنفيذ قبل نهاية 2017.
الحسابات تظهر أن الأفراد يرفدون الخزينة بنحو 224 مليون دينار من ضريبة الدخل، والخطة زيادة هذا الرقم، لكن ما تنساه الحكومة أن حجم التهرب الضريبي أكثر من ثلاثة أضعاف هذا الرقم، ولأنها تقف عاجزة عن محاربة التهرب الضريبي، تجدها تذهب إلى جيوب ذوي المداخيل الثابتة والطبقة الوسطى.
ما نحتاجه نظرة شاملة في معالجة تشوهات النظام الضريبي كاملا، فالاجتزاء لا ينفع شيئا، وإنما يزيد من حجم تلك التشوهات.
جمانة غنيمات – الغد