صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
من المعروف أن قطاع التعليم، من أهم القطاعات التي تساهم في التنمية ونهضة المجتمعات، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا. وتتم هذه العملية من خلال الاستثمار في العنصر البشري، الذي يعتبر الركيزة الأولى في تقدم الأمم، ولهذا رفعنا له شعار ” الإنسان أغلى ما نملك “.
وبناء عليه يجب التركيز على التعليم وعلى الأشخاص الذين يقودون العملية التعليمية، من حيث التأهيل وتوفير الظروف المعيشية والنفسية الملائمة لهم، ليتمكنوا من صنع جيل متعلم ومثقف، يؤمن بوطنه ويسعى لخدمته بإخلاص.
ورغم أنني لم أتشرف بالعمل في سلك التعليم، إلاّ أنني كأحد المواطنين الذين يقدّرون أهمية دور المعلم في رفعة البلاد وبناء المجتمع الفاعل، أدعوا لتقدير المعلم، الذي يحمل مشعل التنوير للأجيال المعاصرة. والعلم هو ما يحث عليه ديننا الحنيف، ابتداء من أمره تعالى لرسولنا الكريم بكلمة ( إقرأ )، ثم أتبعها بقوله في كتابه العزيز : ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾، كما قال تعالى : ( فسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ).
وهذا ما يؤكد على أهمية العلم والتعلم في الحياة الدنيا. وقد كان لي مساهمة متواضعة في إلقاء الضوء على هذا الجانب، من خلال مقالاتي التالية :
– السياسة التعليمية الفاشلة تدقّ ناقوس الخطر. بتاريخ 9 / 8 / 2014.
– دور التعليم في نهضة جنوب شرق آسيا بتاريخ 22 / 10 / 2016. وقد عرضت خلاله لتجارب دول كاليابان، ماليزيا ، كوريا الجنوبية، وسنغافورة.
– تراجع التعليم في تغريدة الملكة بتاريخ 6 / 12 / 2016.
وفي هذه الأيام التي يجرى فيها التجاذب مدا وجزرا بين الحكومة ونقابة المعلمين، أرغب أن أذكّر القراء الكرام بآراء بعض زعماء العالم بهذا الخصوص :
• سأل أحد الصحفيين إمبراطور اليابان السابق ” أو كيهيتو يوهارا ” عن سبب تقدم اليابان خلال وقت قصير، وهي التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية ؟ فأجاب قائلا : ” اتخذنا من الكتاب صديقا بدل السلاح، وجعلنا العلم والأخلاق قوتنا، وأعطينا المعلم راتب وزير، وحصناه كدبلوماسي، ومنحناه إجلال إمبراطور “.
• وعندما سأل صحفي آخر رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي عن سر نهضة بلاده قال : ” نحن لا نمتلك عقولا خارقة، لكن لدينا معادلة بسيطة : علم + أخلاق + عمل = نهضة “.
• أما مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، فرد على سؤال لصحفي قائلا : ” عندما أريد الصلاة أتجه إلى الكعبة . . وعندما أريد بناء البلاد أتجه إلى المعلم “.
وهذا ما يظهر أهمية المعلم ودوره في تنمية ونهضة البلاد. لم يق أيا منهم أن التنمية والنهضة تتم من خلال إفقار المعلم وسجنه. إن مهمة الحكومة هذه الأيام ليست في إدارة الصراع مع نقابة المعلمين وفيروس كورونا، بل أن مهمتها أكبر وأخطر من ذلك بكثير، لأنها تلقي بظلالها على الأجيال القادمة، والتي تتمثل في إصلاح التعليم، من خلال المحورين التاليين :
1. نتائج التوجيهي الفلكية، التي ستخلق صعوبة في اختيار طلاب الدراسات العليا للجامعات الأردنية، خاصة للتخصصات المهنية، فضلا عن عدم توفر متسع لاستيعاب ذوي العلامات العالية في مختلف الجامعات. وهذا من ناحية أخرى سيخلق مشكلة مادية لأهالي الطلاب، الغير قادرين على دفع رسوم الجامعات الحكومية أو الخاصة. أما نوعية التعليم عن بُعد، وما سينتج عنه من ارتفاع أو انخفاض في المستوى التعليمي العام، فسيظهر في السنوات القادمة، علما بأنني غير متفائل بذلك.
2. نتيجة للأوضاع الحالية وما نتج عن جائحة كورونا، في نقص السيولة المالية بين أيدي أهالي الطلاب، فإن الكثيرين منهم سيلجئون لمحاولة نقل أبنائهم، من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، والتي هي أساسا مثقلة بحمولتها. فكيف ستواجه الحكومة هذه المعضلة مع بداية العام الدراسي، الذي أصبح على الأبواب ؟
في الختام وعلى ضوء ما تقدم، أتساءل : ألا يمكن أن تعيد الحكومة الموقرة، النظر بإجراءاتها ضد المعلمين، وتنهي الأزمة بما يرضي الطرفين ؟ أليس من الأجدى للحكومة، أن يتسع صدرها للمصالحة والتسامح، مع أبنائها المعلمين وبعض أفراد الشعب، الذين يجري اعتقالهم على أبسط الأسباب، بعيدا عن الحوار ؟
لقد اعتدنا على تلك المصالحة والتسامح في عهود حكومات سابقة منذ تأسيس الدولة. وفي حالة اللجوء إليهما سنحافظ على المصالح العامة والخاصة، ونظهر بصورة مشرقة أمام العالم، ثم نتفرغ بعد ذلك للمساهمة في تنمية البلاد ونهضتها خلال السنوات القادمة ؟
التاريخ : 23 / 8 / 202