صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
رأيي المتواضع ان الوطن قد ضاع ، بين إصرار الدولة الأردنية على التشبث بقانون إنتخاب مُتخلف ، إشكالي ، مليء بالعيوب ، والثغرات ، التي أطاحت بالوطن بِرُمتهِ ، وفكفكت لُحمته المجتمعية ، وخَلقَ تناحراً ، وتنافراً ، وبغضاء بين كل فئات المجتمع . وبين شعب يعشق ان يُستغبى ، ويُستغفل ، ويغرر به ، ويُضحك عليه ، ويعيش في زيف ، وكذبة كبرى . وبين مجموعة من الاشخاص ، طامحون للجاه ، وطامعون بمكتسبات النيابة ، وغالبيتهم يعرفون انهم ليسوا أهلاً لها .
فيما يخص قانون الإنتخاب ، الإشكالي ، والجدلي ، يقول بعض الناس ان القانون هو أفضل ما يمكن الحصول عليه ، وهذا صحيح الى حدٍ ما ، لان الدولة الأردنية صممت هذا القانون بهذا الشكل لتضمن مخرجات تخدمها ، وتتعنت ولا تقبل تغييره . ويقول البعض الآخر بان القانون يشهد تطويراً وتحسيناً بين الفينة والأخرى ، وهذا ايضاً صحيح الى حدٍ ما ، لكنها تعديلات وتحديثات سطحية لا تمس الجوهر ولا تُحسِّن المخرجات ، فليس من المنطق ان نتوقع ان تتغير المخرجات مالم يحصل تغييراً على المدخلات . لكن الغالبية العظمى الواعية المثقفة المُدركة للأمور ، ترى ان القانون يجب تغييره واستبداله بقانون آخر ، لانه يستعصي على التحديث والتطوير ، والتحسين ، كما انها تعي تماماً ان هذا القانون تم تفصيلة بدقة متناهية ، وعن علم ودراية لإفراز نواب يتصفون بمواصفات غير مُمَثِلة تمثيلاً حقيقياً للشعب الاردني ، لا تعليماً ، ولا معرفة ، ولا عِلماً ، ولا دراية ، ولا خبرة ، ولا قيماً ، ولا اخلاقاً ، ولا مباديء ، ولا إنتماء ، ولا إستقامة ، وحتى بلا تهذيب ، باستثناء ثُلة قليلة محدودة العدد ، لا تتجاوز اصابع اليدين ، يُسمح لها لتطعيم المجلس ، لذر الرماد في العيون ، وإكتمال الفبركة ، والإيهام ، وهذا الرأي هو الصِحة بعينها والفِطنةُ كُلِها .
تنتهج الدولة الاردنية نهجاً عجيباً ، غريباً ، نتاجه غير وطني ، حيث تسيطر طبقة معينة على مفاصل الدولة الأردنية ، وتعمل ضد مصلحة الوطن العليا ، وتطيح بكل فئاته ومقدراته . وهذه الطبقة تعلم بما وصلت اليه البلاد من تردٍ ، وإنحطاط ، وفساد ، وسوء إدارة ، وتخبط ، وبُعدٍ عن الرُشد . وهذا يتطلب مواصفات خاصة بمن يكونون اعضاء في الهيئة التشريعية والرقابية ، المتمثلة بمجلس النواب . وعليه لابد من إيصال أعضاء غير مؤهلين ولا هم بمستوى ان يكونوا أعضاء في المجلس ، وذلك لسببين : اولهما : ليتم التاكيد لهم بانهم من صنعوه ، وهم من اوصلوه للنيابة وهو ليس اهلاً لها ، وعليه فهم سَادَتَهُ ، وأولياء نِعمته ، وعليه الخضوع ، والخنوع ، والإنصياع لتوجيهاتهم دون اعتراض ، وتنفيذ سياساتهم وشرعنتها ، وإلاّ !!؟؟ وثانيهما : عندما يكون عضو المجلس كفؤاً لعضويته وانه وصل باقتدار ، ويتحلى بالنزاهة والقيم النبيلة ، لن يستجيب ، ويرفض الإنقياد ، ومثل هؤلاء يتم العمل على ان لا يتجاوزوا أصابع اليدين الإثنتين ، بحيث يكونون قِلة قليلة ، ضعيفة ، مهمشة لا تتمكن من فعل شيء ، او التأثير على سير اعمال المجلس .
أرى ان المصلحة الوطنية تتطلب عدم وجود مجلس نواب بالمرة ، حتى لا يُحسب علينا اننا بلد ديمقراطي زوراً وبهتاناً ، ثم ان ذلك سيوفر على خزينة الدولة مئات ملايين الدنانير ، مما يُنفق على سُلطة بدون سُلطة ، وتُفبرك للسُلطة التنفيذية ، عدا عما يُنفق على العملية الإنتخابية ، وكُلف الهيئة المستقلة للإنتخاب ، وكلفة المعهد التدريبي الذي تعمل الهيئة على تأسيسه !؟ كأننا في دولة عظمى مُقتدرة ، وعدد سكانها مئات الملايين !؟ يضاف الى ذلك مصلحة وطنية هامة جداُ ، تتمثل في إعادة اللُحمة الوطنية ، حيث ينتهي التناحر ، والتسابق على النيابة ، ونضع حداً لتفكك بُنية المجتمع الأردني ، وهذا فيه مصلحة وطنية عُليا هامة وضرورية ، مما يصون الجبهة الداخلية ويعززها ، ويقويها ، ليكون الوطن أقوى عند مواجهة المخاطر الخارجية ، وهي كثيرة .
يكفينا مهزلة تشكيل الحكومات ، التي لا يُلتفت اثناء اختيار الرئيس والوزراء الى المواصفات والمؤهلات والخبرات والقيم والاخلاق والانتماء ، فيأتون ، ويغادرون دون برنامج عمل ، ودون مراقبة او محاسبة . وهذا الاسلوب راكم في الوطن ما يقارب من ( ٢٥ ) رئيس وزراء على قيد الحياة ، وما يقارب ( ٦٨٠ ) وزيراً على قيد الحياة أيضاً .
آاااخ يا وطني يا حبيبي ، أوجاعك تؤلمني ، ومعاناتك تؤرقني ، وضبابية مستقبلك تخيفني ، واستمرار انحدارك دون وجود ولو بارقة أمل في الاصلاح تقتلني . آاااه يا وطن أصبحت مِثل (( المُولَدْ وصاحبه غايب )) ، الكل ينهش بك . مع كل الأسف ، لا تُعرف قيمة الأوطان الا بعد فَقدِها ، وفوات الأوان ، والتوسل لحمل بطاقة لاجيء ، ليُصبح شِبه إنسان ، والبحث بشق النفس عن خيمة في مكان مقفر ، موحش لا تقي حرّ الصيف ، ولا قرصة برد الشتاء . سنبكيكَ يا أردن المجد ، بعد فوات الأوان ، وضياع الإنسان عندما تضيع الأوطان . سنبكيك دماً ، لانك كنت وطناً رائداً ، أنموذجاً ، متميزاً ، وها انت تنحدر ، وأرى انك ستندثر ، لأن الإنهيار مستمر . مجلسٌ ذَهَبْ ، وآخر مُشابه تحت الطلب ، ولا أمل في التغيير ، لانهم يُحاربون النُخَبْ . وهل هناك ابلغ من وصف أحد النواب المخضرمين لمجلس النواب بانهم ليسوا أكثر من ديكور !؟ أقسم بالله ان النواب أصبحوا نوائب . وكما قال الإمام جار الله الزمخشري :- (( مَن زَرَعَ الإحَنْ ، حَصَدَ المِحَنْ )) . وأختم ببيت من الشِعر :-
والأسدُ لولا فِراقُ الغابِ ما إقتُنِصَتْ / والسَهمُ لولا فِراقُ القوسِ لم تُصِبِ .