صراحة نيوز – بقلم د. محمد ابو حمور
إنّ تناول موضوع التعليم والتعلم الإلكتروني في ظل جائحة كورونا وآثارها الاجتماعية والصحية والاقتصادية، يؤكد ارتباط المتغيرات الناتجة عن هذه الجائحة بالتنمية ومستقبلها، ولا سيما أن العالم، ومنه العالم العربي، واجه في العقد الأول من الألفية الثالثة تحديات متسارعة مع الأزمات المالية والاقتصادية التي شهدها ولا يزال، إضافة للثورة الصناعية الرابعة، المتمثلة بإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والاقتصاد الرقمي والاقتصاد المعرفي وغيرها.
إن تحديات التغيير مع استحقاقات الثورة الصناعية الرابعة تترابط فيها مقتضيات التطور واستغلال التكنولوجيا الحديثة لخدمة اقتصادات الدول، مما يعني التغيّر في التفكير، والبنى والنظم التكنولوجية، وتطوير النظم التعليمية ومخرجاتها لخدمة التنمية، وإكساب القوى العاملة الخبرات والمهارات للتعامل بكفاءة مع التطورات التكنولوجية.
طرحت القمة العالمية للحكومات في العام الماضي 2019 توقعات مستقبلية مبنية على مؤشرات ودراسات تجعل من التكنولوجيا صاحبة الدور الأكبر في تطوير إمكانات الفرد ومهاراته وفرصه في الحياة العملية، مما يعني تمكين الطلاب وتدريبهم على الوصول للمعرفة والحصول على المعلومات والمعارف التي يحتاجونها سيصبح وفق منهجية «علّمني كيف أتعلم»، فيما سيجمع دور المعلم بين مفهوم «المعلم الافتراضي» من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي، ومفهوم «المعلم الموجِّه» من حيث اكتشاف القدرات المتميزة لدى الطلاب، وتوجيههم في كيفية التعلم، والعمل على تنمية وتطوير اتجاهاتهم ومهاراتهم.
إن تزايد الإنتاجية المدعّمة تكنولوجياً سيؤدي إلى مبتكرات ومنتجات تكنولوجية جديدة، وبالتالي زيادة الرواتب وارتفاع دخول الأفراد، وتحسُّن القدرة الشرائية، وانخفاض الأسعار. ويؤدي استخدام التكنولوجيا إلى زيادة الطلب على بعض الأنشطة والخدمات والصناعات الترفيهية وزيادة الطلب على وظائف جديدة في هذه المجالات التي تشمل التمرينات الرياضية، والصحة، والسياحة، والموسيقى، والتلفزيون، والتطبيقات الإلكترونية، والفنون والأعمال اليدوية … إلخ .
بقية مقال د. محمد ابو حمور
هذه التوقعات جاءت في الأحوال الاعتيادية، لكن يبدو أن جائحة كورونا التي استطاعت أن تُبقي ملايين الناس في منازلهم وتطال قطاعات وأنشطة حياتية بالإغلاق لفترات غير قصيرة طوال العام 2020، جعلت العالم يعيد التفكير في الكثير من الأمور ومنها استخدامات التكنولوجيا، ويهمنا بينها الآن الحديث عن استخدام وسائل التكنولوجيا في العملية التعليمية عن بُعد.
أصبح من الضروري إعادة النظر في وظائف المستقبل بسبب التغيّرات التي طرأت على سُبل التعليم، إذ انتقل من التلقين للتعلم بالاكتشاف ومن ثمّ التعلم بالتوجيه، أي تعليم الطالب كيف يتعلم، وهو الاتجاه الحالي. فحسب التوقعات والدراسات إن 50 ٪ من الوظائف الحالية سوف تتلاشى تماماً مستقبلاً، وان الـ 50 ٪ من الوظائف المستقبلية لا نعرفها وهنا تبرز أهمية توجيه طلابنا في التعليم نحو الوظائف المستقبلية من خلال الإبداع والاختراع والابتكار، وإنعاش الاستثمار العربي وإعادة توجيهه نحو المنطقة العربية عوضاً عن خروجه إلى مناطق أخرى في العالم، إذ إن التجارة البينية في الوطن العربي تصل إلى 12 ٪، بينما يبلغ الاستثمار العربي البيني 20 ٪ فقط. كل ذلك حرصاً على تقليل نسبة البطالة التي تجاوزت 20 ٪ في الوطن العربي، والتي تعادل ثلاثة أمثال معدل البطالة العالمي، إذ يجب استغلال هذه الطاقات المعطلة في الوطن العربي وتأمين الوظائف لتوفير مستوى مقبول من الحياة الكريمة للمواطنين.
لقد أدت أزمات الربيع العربي والعنف الذي نجم عنها حرمان 14.8 مليون طفل عربي من التعليم، الى زيادة التحديات على مستوى التعليم خاصة مع الأوضاع السائدة من فقر وجوع وبطالة.
ويشير رئيس مجموعة البنك الدولي الثالث عشر ديفيد مالباس إلى أن 86 دولة من أصل 196 دولة تعاني من الفقر والبطالة والجوع، ويعاني مليار شخص في العالم من الجوع من أصل 7.8 مليار شخص يمثلون سكان العالم ، مؤكداً أن تعطل التعليم بشكل غير مسبوق؛ بسبب جائحة كورونا، أصبح يهدد مكتسبات التعلم حالياً، مما يهدد مستقبلاً مستويات الدخل لملايين الطلاب الذين سيدخلون أسواق العمل حول العالم. وهذا ما يدعو إلى أساليب جديدة وإجراءات سريعة لدعم تحسين إمكانات البلدان التي تعاني من الديون كي تتمكن من تمويل التعليم الأساسي المطلوب خلال السنوات المقبلة.
كما يحذر من أن نسبة الطلاب الذين لن يتمكنوا من الوصول إلى التعلم عن بُعد ستبلغ 53 ٪ بسبب هذه التحديات وما يتبعها من عدم توفر التقنيات اللازمة، كالإنترنت ووسائل الاتصال. ولذلك جاءت توصيات قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الرياض مؤخراً، لتؤكد على ضرورة دعم الدول الفقيرة وإلغاء جزء من الديون التي تعاني منها، حتى يتسنى تخصيص موارد هذه الدول لغايات المأوى والتعليم والصحة والطاقة عوضاً عن سداد الديون.
وتدعونا مشكلة المديونية في البلدان العربية لأن نعمل معاً بشكل عاجل من أجل تعزيز قنوات التعاون والتنمية المشتركة، وخاصة في مجالات التعليم والتدريب والدمج ما بين التعليم الوجاهي والتعليم الإلكتروني، كما بدأ الأردن وغيره من الدول الشقيقة يتوجهون إلى ذلك في الخطط التعليمية.
ومرة أخرى لا بد لنا من ربط حلول مشكلة البطالة بتطوير التعليم والتدريب، والتوجه إلى الاقتصاد المعرفي والمجتمع الإنتاجي وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع ذلك بتشريعات ملائمة وإجراءات مالية واقتصادية تتيح للجميع فرصاً عادلة ومتساوية تعتمد على الكفاءة واكتساب المهارات، إضافة إلى إزالة كل العوائق أمام انسياب الاستثمارات البينية.