صراحة نيوز – كتب راكان المجالي
فوجئت بالنية الملتبسة التي انطوت عليها رواية السيد أحمد سلامة, عن زيارة المغفور له الملك حسين للرأي في اواخر تشرين الأول من العام 1988 حيث كنت رئيس تحرير لها ,و ما شاب تلك الرواية من مغالطات وصلت حد التهافت ولا أدري من اراد ان يرضي أو يمالق بما كتب, في ما أسماه الحلقة الثانية من مسلسله ايحاء بمعرفته بالحسين و قربه منه انذاك…؟
و قبلها توقفت عند ما اورده في مسلسله العتيد حول زيارة الملك للرأي أود الاشارة الى أنه في حلقته الأولى أسهب في ذكر تفاصيل شخصية له مع الملك حسين على هامش افتتاح جلالته لمستشفى عمان الكبير في العام 1973, الذي أصبح مستشفى الجامعة الأردنية لاحقا. و للأسف فان وقائع التاريخ الموثقة لم تسعف صاحبنا و خياله الواسع فهي تقول أن من افتتح المستشفى يومها هو جلالة المرحومة الملكة علياء و ليس جلالة الحسين و بحضور دولة رئيس الوزراء أحمد اللوزي و وزير الصحةفريد العكشة و كبار رجال الدولة و بحفل موثق بفيديو بصري سأرسله لعمون بأمل نشره.
و قبل الحديث عن تفاصيل زيارة جلالة الحسين للرأي فلا بد من وضع الزيارة و أسبابها في سياقها الموضوعي و التي كانت بهدف الاصلاح الجذري لقطاع الصحافة, حيث كنت حينها نائبا لرئيس اتحاد الصحفيين العرب و نقيبا للصحفيين الأردنيين و رئيسا لتحرير الرأي.
و قبل تلك الزيارة, كنت قد حاولت الاعتذار لجلالته عن رئاسة تحرير الرأي, لقناعتي بأن من سيشملهم التغيير انذاك لديهم مصالح مالية ضخمة, و أنهم سيستميتون للدفاع عنها, و هو ما حدث فعلا.
و أثناء تلك الفترة تلقيت دعما معنويا من جلالة الحسين, و كان دائم الاتصال بي للاستفسار مني عن بعض ما يكتب في الرأي. و كان يستقبلني كلما طلبت مقابلته و يستبقيني بكرم اخلاقه و مودته عبر رئيس الديوان على مائدة غدائه لساعات.
أما عن زيارته للرأي, فقد كانت مبادرة كريمة من جلالته, أراد منها أن تكون دعما معنويا لي على كافة المستويات. و للأمانة و للتاريخ, لم يكن لي أية مطالب شخصية لا قبل الزيارة ولا بعدها.
جلس جلالته في مكتبي في الرأي, في جو مفعم بالمودة و الأريحية و التبسط ما يزيد عن ساعتين, بحضور دولة زيد الرفاعي رئيس الوزراء و القائد العام الأمير زيد بن شاكر, و معالي مروان القاسم, و معالي هاني الخصاونة, و معالي الدكتور خليل السالم رئيس مجلس ادارة الرأي و عطوفة الدكتور راضي الوقفي مدير عام الرأي. و الأهم انه كتب لي رسالة بخط يده انطوت على كل معاني المحبة و التقدير, و اعتبرها, و ما أزال أثمن و أغلى و أعلى وسام أتلقاه, و قد نشرت صورتها في الرأي في اليوم التالي للزيارة, و ما أزال احتفظ بها الى اليوم, حيث اعتبرت انذاك تكريما للصحافة الأردنية.
أما ما أورده السيد سلامة عن زيارة الحسين للرأي, فأول مغالطها قوله بأن جلالته زار الشعب قبل الرأي, و الصحيح ان أول زيارات جلالته كانت للرأي. و من المعيب على السيد سلامة ادعاءه أن الملك التقى بمجموعة محرري الرأي بناء على طلب السيدة رباب منكو..! و لمن شاء التأكد من الواقعة, فان شهادة الزميل محمد ناجي العمايرة,كبير محرري الرأي انذاك, و المشهود له بالصدق و التجرد, كافية لدحض هذا الافتراء و هو ما يزال حيا يرزق أطال الله في عمره. اذ طلبت من الزميل العمايرة قبل الزيارة بصفتي رئيسا لتحرير الرأي القيام بجمع الزملاء ليلتقي معهم جلالته في القاعة المجاورة لمكتبي في نهاية الزيارة.
و بعد حديث جلالته, قام الزميل هاشم خريسات بالتحدث مطولا منكرا صدقية الاصلاح الصحفي من خلال التغيير الذي حدث في الرأي…و طال حديثه الى درجة أن ملك حسين قال له بنبرة حادة : (بكفي يا أخي…خلص بكفي). فرد خريسات انه يرغب باكمال حديثه,فعاد الملك لمخاطبته قائلا: (بكفي..!).
و لكنه استمر بالحديث قليلا ثم توقف. فقمت أنا بالرد على ما قاله الزميل خريسات بحدة مفندا ما قال, و بعد اكمال حديثي تحدث الزميل العمايرة باختصار شديد , عن اهتمام جلالته بالصحافة و دعمه لها, و عن الرأي كرسالة لخدمة الأردن و الأمة العربية.
ثم تحدث السيد أحمد سلامة حديثا مختصرا جدا انطوى على مجاملات و مدائح و انتهت الزيارة عند هذا الحد.
و الحق انني قد افهم حق أي شخص في رواية وقائع حياته الشخصية في السياق الذي يريد. و لكنني لا استطيع ان أفهم, و لا ان أتفهم, محاولة أي كان تضخيم الوقائع المشتركة مع اخرين بخيال يصل الى حد التلفيق و التزوير.
فقد مرت في حياتي وقائع كثيرة مع مسؤولين عرب و عالميين كثر, و على رأسهم جلالة الراحل الحسين. غير أن ذلك لم يزدني الا احتراما للحقيقة, و مزيدا من الاصرار على التواضع في رواية الاحداث و الصدقية في نقلها, و ذلك من ابجديات الكتابة الصحفية و السياسية و التارخية المهنية الجادة.
و اذ اعتز بقرار جلالة الحسين بتولي رئاسة تحرير الرأي انذاك في فترة عصيبة من تاريخ بلادنا حيث كنت من أوائل المشاركين في تأسيسها عام 1971 . و يملؤني الفخر بأن ما قمت به انذاك كان موضع رضى و تقدير من جلالته, حيث كان يردد عبارته الشهيرة: (أن هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أشعر فيها أن لدي صحافة وطنية) ,و هي عبارة سمعتها مرارا على لسانه من ثلاثة ذوات أحياء اطال الله في اعمارهم هم دولة رئيس الوزراء انذاك زيد الرفاعي و معالي رئيس الديوان الملكي يومها مروان القاسم و معالي وزير الاعلام حينها هاني الخصاونة.
و رحم الله امرء عرف قدر نفسه فوقف عنده.