صراحة نيوز – بقلم رمضا الرواشدة
إن البِنى الفوقية، التي تشمل النُخب والأدوار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اي مجتمع، ما هي الا انعكاس للبِنى التحتية المجتمعية في جوانبها المختلفة.. ويُفترض ان لا تكون هذه العلاقة أُحادية الجانب، بل باتجاهين صعودا ونزولا.
لكن ثمة حالة انفصام “غرائبية” تعيشها النُخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية في الأردن (من كل الأطياف حتى المعارضة)، من حيث الوقوف على مُسببات الحِراك الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية واللجوء الى “الكليشيهات” المكرروة التي لا تُسمن ولا تُغني خاصة مع تراجع منسوب الثقة بالحكومات والبرلمان والإعلام وغيرها، في السنوات الاخيرة، حسب ما تشير له استطلاعات الرأي الأخيرة.
ما نراه، خلال الفترة الماضية، من محاولات بعض النُخب، ملامسة الواقع ما هو الا “قنابل صوتية” و”صواريخ” كلامية اصبحت مألوفة، لكن دون اي وعيٍ حقيقيٍ او رؤية استشرافية تُفضي الى محاولات تحسين الواقع او طرح بدائل يمكن للدولة ومؤسساتها العمل عليها. وهو يصبّ في بحث بعض هذه النُخب عن “الشعبويات” و”الهرجِ والمرجِ” والظهور “الدونكاشوتي” الإعلامي.
افهم جيدا انبهار المواطن بمثل هذه التصريحات لأنها تُعبّر عن بعض ما يجُول في خلده لكنه “وعي مزيف” ومخدِّر.. لطروحات تعوزها الأدوات والميكانزمات الفاعلة للتطور.
في مقدمته المشهورة “مقدمة ابن خلدون” يؤكد عالم الاجتماع العربي، في القرن الرابع عشر الميلادي، على ان تراجع اوضاع المجتمعات، يؤدي بالتالي الى ظهور ما اسماه “كثرة المُنجّمين والمُدّعين وضاربي المَندل وقارئي الكف، والطالع والنازل، والمتفقهين”.
ثمة قناعة راسخة، لديّ شخصيا، ان عملية التحديث السياسي والإقتصادي والإداري والإجتماعي، وما يجب ان يستتبعه من اصلاحات اعلامية وثقافية، هي قرار مهم يعكس رؤية قيادة الدولة،.. ولكن ثمة قصور كبير من النُخب بالإستجابة لهذه التطلعات المهمة. وبدلا من انشغالنا “بالكُليات” في فضائها الوطني العام، لجأت بعض النُخب، إلى البحث عن “جزئيات” صغيرة والبناء عليها بأن ثمة “مؤامرة” تجري وراء ذلك.
ازمتنا الحقيقية هي البِنى “النخبوية” غير القادرة على صناعة رؤية متطورة لمعاجلة الواقع وتلافي الهزات المجتمعية مستقبلا. وهو برأيي امر يحتاجُ الى وقفات “عميقة” من الدولة بإتجاه ما يجري ومعالجة الإختلالات الموجودة حتى لا تصبح لها انعكاساتها الخطيرة على المجتمع.