صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
بداية أود أن أتقدم بالشكر والتقدير، لجميع مدراء الخدمات الطبية الملكية، ومدراء مدينة الحسين الطبية، ومدراء المستشفيات العسكرية في مختلف مواقع المملكة، شاملا كوادرها من أطباء وممرضين وإداريين سابقين وحاليين، على جهودهم في خدمة العسكريين وعائلاتهم وعددا كبيرا من المدنيين.
وقد تولى تسهيل مراجعة المرضى للأقسام المختصة في المدينة بشكل ملموس، العاملون في جناح كبار الزوار، وجناح رفاق السلاح، والجناح الدولي لمعالجة المدنيين، من النشامى والنشميات في الخدمات الطبية.
فعند الحديث عن مدينة الحسين الطبية، نتذكر أن جلالة المغفور له الملك حسين رحمه الله، قد أنشأ هذه المدينة في عام 1973، بغرض تقديم الخدمة الصحية للضباط والأفراد العاملين والمتقاعدين، من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وعائلاتهم.
لم يفكّر جلالته أن تكون المدينة الطبية مشروعا استثماريا، يدرّ دخلا ماليا على ضباط القيادة العامة، وأطباء الخدمات الطبية، بل فكر بأن يقدمه لهذه الشريحة من أبناء الوطن، تقديرا لخدماتهم في سبيل الوطن والدفاع عنه.
فأولى جلالته المدينة الطبية وكوادرها بشكل خاص جلّ اهتمامه وعنايته. فتطورت المدينة وضمت الأطباء الأكفاء، وكان يتم تزويدها بالأجهزة الطبية الحديثة من أي مكان في العالم، فقامت بزراعة الأعضاء البشرية ومن أهمها عمليات القلب المفتوح لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط، إضافة للعمليات الجراحية الكبرى.
وبهذا أصبحت مدينة الحسين الطبية في العقود الثلاثة اللاحقة، تتمتع بسمعة رفيعة في الداخل والخارج. ولكن مع الأسف، تغيرت النظرة للمدينة الطبية في وقت لاحق، بعد أن تم تحويلها إلى مشروع استثماري، يعالج آلاف المدنيين من الداخل والخارج مقابل الثمن.
ومن الجدير بالذكر أن معظم هذه المعالجات الداخلية، تتم بإعفاءات خاصة من الديوان الملكي أومن رئاسة الوزراء، ولكن دون دفع التكاليف المالية المترتبة عليها في غالب الأحيان. ومما زاد الطين بلّة، أن تم ربط الموازنة المالية للخدمات الطبية بوزارة المالية، الأمر الذي أرهق المدينة وشكل ضغطا كبيرا على إدارتها، وفي مواجهة التزاماتها المطلوبة.
ونتيجة لفتح باب معالجة المدنيين وعلى ضوء السمعة الطيبة التي اكتسبتها، وفتح المجال لمعالجة المدنيين أصبحت أعدادا كبيرة من المرضى تؤم المدينة، فتجد كتلا بشرية أمام عيادات الأطباء، وعلى أبواب غرف الأجهزة الطبية الفنية، وفي الممرات بين العيادات، بحيث يصعب على الشخص أن يتحرك بين الأقسام. ويمكن لمن أراد من المسؤولين التأكد من ذلك، أن يقوم بزيارات مفاجئة ليرى بأم عينه أكداس المراجعين في تلك الأماكن.
وإذا ما علمنا أن المقياس العالمي لعدد المرضى، الذين يمكن أن يتعامل معهم الطبيب، يتراوح بين 10 – 15 مريضا في اليوم، فسيعرف الجهد الذي يقوم به أطباؤنا عندما يتعاملون مع عدد لا يقل عن 50 مريضا في اليوم. فلو افترضنا أن الطبيب يحتاج إلى 10 دقائق، لفحص وتشخيص المريض وكتابة الوصفة الطبية، لاحتاج إلى 8 ساعات عمل متواصل في اليوم دون توقف أو استراحة.
وهذا جهد يفوق طاقة الطبيب بدنيا ومهنيا، ولا يمكنه من تشخيص مريضه بصورة صحيحة. وهذا بالنتيجة ينعكس سلبا على المنتفع العسكري، الذي لا يحظى بالعناية الطبية الكافية من قبل الطبيب المختص.
أمّا من ناحية المردود المالي للمعالجات المدنية، فإننا لم نلمس لها تأثيرا إيجابيا على رفع سوية المدينة الطبية من الناحية الإدارية، فمعظم علاجات المرضى غير متوفرة، والشراشف ووسائل النظافة في بعض العيادات ليست بالمستوى المطلوب، مما قد يسبب نقل العدوى للأصحاء.
وهنا لا أريد أن أتحدث عن شكاوى المتقاعدين العسكريين، الذي أصبحوا يعزفون عن مراجعة المدينة الطبية، ويفضلون مراجعة المراكز الطبية لوزارة الصحة في المدن والقرى، حيث يتلقون عناية أسرع وأفضل منها في المدينة الطبية.
وعندما تحاول التحدث مع المدير المسؤول في الدائرة للفت انتباهه إلى ملاحظات أو قصور معين، يأتيك الجواب من سكرتير مكتبه، أن المدير في غرفة العمليات الجراحية ولا يمكن مقالته أو التحدث معه. وهذا أمر جيد من ناحية مهنية، ولكن يطرح في الوقت نفسه معضلة إدارية أخرى، سبق أن نبهت لها في مقالات سابقة.
فقد اقترحت أن تُسند مهمة إدارة المؤسسات الطبية إلى ضباط يحملون تخصصات في إدارة المستشفيات، أو ضباط إدارة معروفين بحسن إدارتهم العملية في وحداتهم. وهذا يحقق هدفين في آن واحد، فأولا يفسح المجال للطبيب في ممارسة مهنته الاحترافية لفائدته وفائدة المرضى، وثانيا إسناد العمل الإداري إلى ضابط مختص في هذا المجال.
وبناء على ما تقدم أرجو من أصحاب القرار إجراء ما يلي :
1. إعادة ارتباط الموازنة المالية للخدمات الطبية، بالدائرة المالية للقوات المسلحة.
2. إلغاء معالجة المدنيين في المينة الطبية، واقتصارها على العسكريين وعائلاتهم، التزاما بمهمتها الأساسية التي أنشئت من أجلها، وبغض النظر عن أي مبرر آخر.
3. تحويل مهمة معالجة المدنيين إلى وزارة الصحة، لكونها المعنية بهم ولديها كوادها وأجهزتها اللازمة، التي تمكنها من القيام بمهمتها بجدارة.
4. إعادة النظر بتعيين مدراء المؤسسات الطبية، بحيث يشغلها ضباط إداريون وليس أطباء مهنيين.
5. تخصيص المبالغ الكافية للمدينة الطبية، وتوفير العلاجات والاحتياجات اللازمة لها لتقوم بواجباتها على الوجه الأكمل، لكي يعود لها ألقها الذي كانت عليه في العقود الماضية.
ختاما ونيابة عن كافة المتقاعدين العسكريين وعائلاتهم، أقول بصوت مرتفع : ” أعيدوا لنا مدينة الحسين الطبية ” التي أنشئت أساسا لخدمتنا باحتراف ويُسر، وزودوها بكافة متطلباتها العلاجية والطبية، اللازمة لروادها المرضى من العسكريين العاملين والمتقاعدين وعائلاتهم . . !