أثارت “الدبكة” التي شارك بها رئيس الوزراء في أمسيات إربد الرمضانية، ردود فعل مختلفة، لا بأس، فالمزاج العام أصبح معروفا، وتراجع ثقة الأردنيين بحكوماتهم يضعها دائما بمرمى نيرانهم، معظم ما يفعله المسؤولون لا يحظى برضى أغلبية المجتمع، ليس لدافع شخصي أو عدمي، وإنما لقناعة متراكمة باعوجاج النهج السياسي، وتراجع الأمل بقدرة الحكومات على إحداث أي فرق إيجابي بالأداء، أو أي تقدم للأمام. أن “يدبك” الرئيس أمام آلاف الأردنيين الذين احتشدوا للسهر على أنغام الطرب الشعبي، مسألة طبيعية تستحق التشجيع، لكن في سياقين، الأول يتعلق بخروج الرئيس من “حوزة” الدوار الرابع للشارع، للاشتباك مع المواطنين ومشاركتهم أفراحهم، أما السياق الثاني فهو أن هذا الظهور يمكن البناء عليه سياسيا، فالدبكة ليست فعلا “فنيا” فقط، الرئيس يمكن أن يدبك سياسيا واقتصاديا، هذا امتحانه الأهم، والأجدى بالتقييم والنقد والمحاسبة. أضاع الرئيس فرصة الدبكة السياسية الأولى، فقد تزامن الاحتفال الذي شارك به مع الانتهاكات التي تعرض لها المسجد الأقصى، والفلسطينيون بالقدس، كنا ننتظر أن نسمع صوت الرئيس أو اشتباكه مع آلاف الأردنيين الذين خرجوا الجمعة للوقوف مع إخوانهم المقدسيين، لكن خيرا حصل، أمامنا وأمام الرئيس فرص أخرى لإقامة دبكات وطنية بهذا الشهر الفضيل. سجل على دفتر الدبكات، لو سمحت، يريد الأردنيون “دبكة” اقتصادية، بالعين الحمرا ذاتها، وبالقانون إياه، تهز المسرح من تحت أقدام التجار المحتكرين، والآخرين الذين يتلاعبون بأسعار غذاء الأردنيين ودوائهم، دبكة تفجر الينابيع لملء السدود ووقف الهدر من أجل تطمين الناس على أمنهم المائي، دبكة ثالثة لملاحقة الفاسدين الذين وعدت هيئة مكافحة الفساد بتحصيل نحو مليار دينار منهم، والقبض على الآخرين الذين ما زالوا “يبرطعون” بأموالنا، دون أن يكشفهم أو يحاسبهم أحد. أيضا، دبكة سياسية يريدها الأردنيون من الرئيس، تبدأ على إيقاع ترطيب المناخات العامة، باتخاذ ما يلزم من قرارات، خذ مثلا الإفراج عن الموقوفين لأسباب غير جنائية، حل مشكلة المعلمين الموقوفين عن العمل والمحالين للتقاعد المبكر والاستيداع، والآخرين الذين جرى إعادتهم لغير وظائفهم، ثم فتح المجال العام أمام منظومة التحديث السياسي لتتحرك بأجواء من الحريات العامة غير المقيدة، وصولا لمرحلة انفراج سياسي “يدبك” فيها الأردنيون أجمل دبكاتهم السياسية. في ملف التعليم العالي، ومع اقتراب موسم تعيين رؤساء الجامعات وأمناء مجالسها، يريد الأردنيون من الرئيس أن “يدبك” بقوة، فأوضاع جامعاتنا، ماليا وإداريا وأكاديميا، أصبحت صادمة ومخجلة، وبوسع الرئيس أن يفتح هذا الملف على إيقاع أهازيج وطنية بامتياز، أجزم أن نجاحه بإحداث نقلة نوعية هنا، بعيدا عن حسابات الترضية والمجاملة، سيسجل له، ويصب برصيد حكومته، كأفضل “دبكة” قامت بها حكومة أردنية بالعقد المنصرم. لدي عشرات الطلبات لدبكات ينتظرها الأردنيون من الرئيس وحكومته، كل محافظة بحاجة لدبكة خاصة، الزراعة والطاقة والصحة، الشباب الذين فقدوا الثقة والأمل، وحزموا حقائبهم للهجرة، الأسر الفقيرة والغارمين والغارمات، وتطول القائمة، لن أحمل الرئيس أكثر من ذلك، المهم أن يبدأ كما فعل بإربد، وأجزم أن الأردنيين سيصفقون لكل “دبكة” يخرج فيها الرئيس بإشارة انتصار، لكن هنا في هذه المجالات، لا على مسارح السهرات فقط.