في كتابه ” الإصلاح السياسي من أين يبدأ ؟ ” ، يقول الكاتب المصري الدكتور عاطف الغمري ما يلي وأقتبس : ” إنّ الاستقلال الوطني الذي يُنتزع بالكفاح والدم من بين أنياب المستعمر المحتل الأجنبي قبل عشرات السنين، يعني – ضمن ما يعنيه – حرية الإرادة الوطنية، والخلاص من أي نفوذ أجنبي، مرئي أو غير مرئي مقيد للقرار الوطني.
ومن الحَجْرِ على طموحات أية أمّة، لوضع ثرواتها وإمكاناتها وراء هدف النهضة، والتقدم الاقتصادي، والارتقاء بالبشر، وبالوضع المعيشي، والتعليمي، والعلمي والثقافي، وصون القِيم والعقائد، والتقاليد الراسخة، في أعماق الوعي والضمير العام. وكذلك فتح الأبواب أمام جميع المواطنين، للشعور بأنهم متساوون في الفرص داخل وطنهم، شركاء فيه بنفس الدرجة، بعد إنهاء الحكم الأجنبي ونفوذه، وإعادة الوطن لأبنائه حرا متحررا.
وأن من أخطر مظاهر التحدي للاستقلال الوطني لدول منطقتنا، تلك النظرية التي تجرى مناقشتها بين خبراء السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تدعو لتقليص سيادة الدول . . وحسب طبيعة النظام السياسي الأمريكي، والدور الذي تلعبه مراكز الفكر السياسي، كمصانع للسياسة الخارجية، وكما يصفها الأمريكيون، بأن بينها وبين مؤسسات صناعة القرار الرسمية بابا دوارا، فإن كثيرا من النظريات التي تبلورت في هذه المراكز قد تحولت فيما بعد، إلى سياسات تتبناها مؤسسات الدولة، ابتداء من الرئيس نفسه.
وأن ما يحولها من نظريات إلى واقع، ليس قدرة خارقة لدى الدول الكبرى فحسب، لكنه يرجع في المقام الأول إلى عجز العالم العربي، عن تغيير حالة ثباته على واقع الحال، وعدم امتلاكه إرادة التغيير، وصياغة مشروع واستراتيجية أمن قومي، تتعامل مع مشاريع واستراتيجيات الآخرين . . . ” انتهى.
* * *
التعليق : لا شك بأن عيد الاستقلال الوطني في الأردن، هو رمز فخر واعتزاز لكل أردني، وخاصة عندما نتذكر جهود البناة الأوائل في تأسيس هذه الدولة، التي كانت تتشكل من قبائل تتنازعها الفتن والغزوات، وتحولت إلى حكومات محلية ضعيفة، ثم أصبحت دولة موحدة، تحكمها وتديرها حكومة مركزية واحدة في أوائل العشرينات من القرن الماضي، أمكنها فرض الأمن والنظام في كافة أرجاء البلاد.
ورغم إعلان الاستقلال في عام 1946، إلا أن الدولة ارتبطت بمعاهدة مع الإنجليز، تعطي لهم حق السيطرة على الجيش، فتولى الجنرال كلوب رئاسة أركان الجيش كقائد له، كما تولى الضباط الإنجليز قيادة الألوية ومعظم كتائب الجيش.
واستمر هذا الحال إلى أن قام جلالة الملك حسين رحمه الله، بتعريب قيادات الجيش والاستغناء عن كلوب وضباطه الإنجليز، وتولى الضباط الأردنيون مواقعهم، بتاريخ 21 آذار عام 1956. ولكن العلاقات الودية السياسية والعسكرية استمرت مع بريطانيا ولاحقا مع أمريكا بصورة حسنة.
وإذا ما تفحصّنا حقيقة الاستقلال في جميع الدول العربية، على ضوء ما أوده الدكتور عاطف الغمري بأعلاه، فسنجد أن ما من دولة عربية صغيرة كانت أم كبيرة، تتمتع باستقلال ناجز، يمكّنها من الدفاع عن نفسها، ولابد لها من اللجوء إلى دولة كبرى لحمايتها، إذا ما هوجمت من قبل دولة أكبر منها.
والسبب في طلب الحماية، هو عدم توفر الإرادة المستقلة لدى قادة تلك الدول، إضافة إلى عدم توفر الإمكانيات التي تستطيع الاعتماد عليها بصورة مستقلة. ولهذا نجدها ترحب بإقامة القواعد الأجنبية على أراضيها، لحمايتها من أي خطر خارجي، أو لاستخدمها من قبل الدول الأجنبية لأهدافها الخاصة. وهذا ما يدفعني للاعتقاد بأن استقلال جميع الدول العربية ( يُعتبر منقوصا )، لكونها تخضع لسيطرة أجنبية مباشرة أو غير مباشرة.
وختاما أقول: ونحن نحتفل بعيد استقلالنا السادس والسبعين، أردو الله تعالى أن يعيده الله على الأردن والأردنيين جميعا، وقد فكوا القيود التي تعيق تطورهم واستقلالهم، وأخذوا موقعهم اللائق بين الأمم، إنه نعم المولى ونعم النصير، وكل عام وأنتم بخير . . !