صراحة نيوز – بقلم بلال العبويني
تستشهد غزة كل يوم.. وليس بالضرورة أن يكون هناك عدوان مباشر لجيش الاحتلال، فقصف البيوت واغتيال الصغار والكبار ليس إلا إعادة تكرار الإعلان بصوت الصواريخ والمدافع عن استشهاد “جديد” للقطاع المحاصر.
غزة، الإنسان، الشجر والحجر، تستشهد كل يوم بما يعانيه أبناؤها من جوع، وشجرها من عطش، تستشهد من إغلاق المعابر والحدود، من تقلص مساحات شواطئها، ومن تلويث جوها وأرضها.
غزة تستشهد كل يوم، من بُعدها “قسرا” عن حضن فلسطين، من الانقسام والخلافات الفصائلية التي بلا طائل، عن تقاسم “كعكة الوهم” أمام عدو لا يُبقي أو يَذر.
وحدهم، الشهداء الذين تستأنس بهم عزة الشهيدة، وحدهم الذين يروون عطش ترابها بدمائهم الزكية، وحدهم الذين ينقّونَ ترابها من ملوثات الاحتلال وسموم الانقسام، وخذلان الأشقاء والأصدقاء.
غزة الشهيدة، وليست كأي شهيدة، فهي الأرض الطاهرة النقية، التي يحزنها إضافة (واو العطف) قبل اسمها عندما يأتي الكلام عنها في سياق الحديث عن فلسطين.
يحزنها أن يسري حتى على ألسنة أبنائها المقاومين عبارات التضامن أو الدعاء “ربنا يكون مع الأهل في فلسطين (و) غزة”.
يحزنها أن الجيمع يتعامل مع الانقسام كواقع محتوم لا رجعة عنه ولا فائدة من إصلاحه، وكأن غزة ليست جزءا من كل فلسطين وأهلها، يحزنها أن التضامن معها كأي تضامن مع عائلة منكوبة جراء حادث مرور أو حادث اطلاق نار على مدرسة في جزء آخر من العالم.
غزة شهيدة نعم، لكنها هي وحدها الشاهد الحي على عجزنا وضعفنا وانهزامنا، هي شاهدة حي على أنها أقوى من الجميع، وأصلب ممن ظنوا أن في الانقسام حلاوة، وممن ظن أن في الحياد طوق نجاة.
عزة الشاهد الحي، على أن لا عدو لها على هذه البسيطة إلا الصهاينة، هي الشاهد أن الاحتلال أبشع جريمة بحق البشر والشجر والحجر، أبشع جريمة بحق الحرية والحياة.
هي الشاهد على أنها تحب الحياة والسلام المغلف بالكبرياء والكرامة، السلام الذي يوصل ما انقطع من طريق بينها وبين باقي أرض فلسطين.
غزة الشاهدة والشهيدة، لا تطلب من أحد اليوم سوى إسقاط (واو العطف) وعدم اقترانه باسمها عندما يكون الحديث عن فلسطين.
إسقاط (واو العطف) بداية طريق التحرير، فلا تحرير وشطري الوطن يفصل بينهما (حرف)، زائد ليس له محل من الإعراب حتى وإن قالت اللغة غير ذلك، فغزة اليوم كما أمس هي التي تصنع لغتها وهي التي تفرض قواعدها.