الأحزاب الأردنية بين الدمج والتكيف مع قانون الأحزاب أو الحل والتصفية
15 أغسطس 2022
صراحة نيوز – بقلم حسن محمد الزبن
في ظل نشاط واضح، وسباق مارثوني، وديناميكية عجولة، وبناء حسابات جديدة، بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد لعام 2022م، كمطلب ضروري نحو تحديث المنظومة السياسية الأردنية، تحركت قامات ونخب وطنية، وأخرى لها ثقل ووزن مالي واقتصادي، ليكون لها دور في المرحلة القادمة، من خلال تأسيس أحزاب جديدة، للدخول إلى واجهة العمل السياسي، فشهدنا عدد لا باس به يقدر بـ 20 حزبا قيد التأسيس، في حين يتواجد في السابق ما لا يقل عن 50 حزبا على الساحة الأردنية، كلها تتطلع للإستحواذ على نصيبها من المقاعد المخصصة للاحزاب في مجلس النواب القادم. البعض من الأحزاب التي شرعت في التأسيس لا تزال تراوح مكانها، لأنها لم تستوف الشروط في قانون الأحزاب الجديد، من حيث عدد المؤسسين بـ 1000 عضو، وضبابية القدرة على عقد المؤتمر التأسيسي بما لا يقل عن نصف عدد المؤسسين، وتحقيق شرط 20% من الأعضاء يجب أن يكون من النساء والشباب، عدا عن مطلب لـتوفير 6 من الفروع للحزب في المحافظات الأردنية. ما يعني أن بعض هذه الأحزاب مهدد بالإخفاق في تلبية شروط القانون الجديد، مما يفرض عليها حل الحزب أو ضرورة اندماجه مع آخر ليتجاوز شروط القانون الجديد، أو مع عدة أحزاب إذا كانت الظروف تقتضي ذلك، في حين بعض الأحزاب القومية واليسارية، ترى أنها أمام صعوبات في تحقيق الشروط أيضا، وهي بين خيار إنهاء الحزب؛ فتفقد وجودها على الساحة السياسية، أو يكون الخلاص لها من هذا الأمر الحتمي أن تلجأ للإندماج مع بعضها، ضمن توافقات معينة، تخدم رؤاها ومصالحها، رغم الاختلاف في البعد السياسي، والبرامجي، والقواعد في النظام الأساس لكل حزب منها، والذي على أساسه وجدت من خلاله ومارست عملها السياسي. في حين أن بعض المحاولات لتأسيس أحزاب توقفت فعلا، لأنها اصطدمت بقانون الأحزاب الجديد، والشروط التي تحتاج إمكانات لكي يُستوفى التأسيس، ولا يملكها إلا من له قاعدة شعبية عريضة، وقادر ماليا على الوفاء بمصاريف التأسيس كالاجتماعات والمقرات (الفروع) في المحافظات، رغم مضيها بإجراءات التأسيس، ومنها من أنجز النظام الداخلي، واعتمد شعاره للحزب، لكن الأغلب وجد أن الموضوع يحتاج وقت أكثر مما خُطط له، فآثر أن يؤجل مشروعه الحزبي، في حين البعض الآخر ألغى الفكرة من أساسها. إلا أن بعض الأحزاب استطاعت تجاوز عدد الأعضاء المؤسسين بأكثر من 1000 عضو، وخاضت التجربة بالوصول إلى محافظات المملكة بقراها وبواديها ومخيماتها، ولم تقف أمام المعيقات المالية، أو الارتدادات عليها من الصعوبات والجهد المضاعف، لتحقيق شروط القانون الجديد للأحزاب إصرارا منها على تجاوزها. في ظل ما تقدم أعتقد أن الأحزاب الأردنية في مرحلة تغير وتغيير في ملامحها وأسمائها وبرامجها القادمة بصيغة جديدة طبقا لمطلب القانون الجديد، والذي يبدو جليا أن حزب جبهة العمل الإسلامي، تؤكد أغلب القراءات قدرته البقاء فاعلا في المشهد السياسي، ما يؤهله تجاوز شروط القانون، والتوافق مع استحقاق المرحلة القادمة ليعزز وجوده في الحياة السياسية دون أي تداعيات يتعرض لها كثير من الأحزاب التي لم تحصن نفسها ببرامج حزبية فاعلة ومؤثرة في المجتمع، إلى أن يتصدر المشهد حزب يفوق إمكاناته ويُعتبر منافسا له، وأعتقد هذا لا يتحقق إلا بسنوات من العمل والتطوير للأداء الحزبي، وضرورة الخبرة السياسية، يرافقها الخبرة في تعزيز الدور المجتمعي للحزب؛ فلا يمكن لاي متابع أن يتجاهل امتداد مسيرة حزب جبهة العمل الإسلامي، وخبرته التي صقلت تجربته الحزبية، عبر ما مرّ به خلال سنوات طويلة من المد والجزر على الساحة السياسية الأردنية، والأهم أنه جاء من القواعد الشعبية والتي تتماثل وتتطابق مع أفكاره ورؤيته السياسية والاجتماعية، والأهم السمة الإسلامية التي أكسبته شرعية الامتداد في كل المحافظات والمناطق من المملكة، حتى أنه لم يجد صعوبة في استمالة القواعد إليه، بل إنه قّدم مؤخرا وثيقة برامجية تحمل رؤية اقتصادية تعتبر نموذج يعزز ما ذهبنا إليه، ومن هذا المنطلق أرجح حتى في ظل وجود حزب منافس له بنفس أفكاره، أو مختلف عنه أيدولوجيا، لا أتصور أنه سيضعفه، أو يقلل من تأثيره في الساحة الأردنية، هذا إذا ما توقعنا أن ظروف التسابق الحزبي قد تفرض عليه أن يكون أكثر قوة من باب مواجهة التحولات الجديدة في العمل السياسي والحزبي. أما فيما يُتوقع أن يطرح برامج حزبية جاهزة؛ فيعتبر توجه لا يخدم العمل الحزبي على الأمد القريب أو البعيد، لكنه قد يخدم المرحلة الحالية، لكن بمكاسب ضعيفة للحزب، خاصة في ظل الاستعجال من المؤسسين، والمطالبة بفرز أحزاب محددة تتوافر فيها الشروط والمواصفات التي تتوافق مع القانون الجديد، وهذا لا يلبي طموحات الشارع الأردني وآماله بولادة قيادات جديدة ونخب مقبولة تتولى العمل العام، وأيضا سيفضي إلى تأطير المشروع الحزبي، وعدم نجاعة ونجاح الجهود التي تبذل في هذا الاتجاه المخالف لقواعد التعددية السياسية، ومن الأفضل أن تقرر الأحزاب نفسها الجانب البرامجي الذي تقوم عليه في عملها لاكتساب الثقة والتأييد والقبول، أو اسقاط هذه الثقة متى ما أعلنت البرامج في المؤتمر العام للحزب. نحن أمام انتخابات برلمانية قادمة حجزت الأحزاب فيها تذاكر دخول لقبة البرلمان بعدد 41 مقعدا حزبيا، يُضاف لها مقاعد أخرى تُنتجها صناديق الفرز في المجالس المحلية، ما يعني أن ثلثي مجلس النواب تقريبا من الأحزاب على الساحة الأردنية، والثلث المتبقي ما بين مستقل ومناطقي وعشائري. وليس مستبعدا تشكيل الحكومة البرلمانية في الأردن في بدايات عام 2025م، حيث تنتهي فترة مجلس النواب التاسع عشر في العاشر من شهر تشرين ثاني لعام 2024م، ويبدأ الاستحقاق الدستوري لعمل تحضيرات الانتخابات للمجلس النيابي العشرون. ولا استبعد في المستقبل بعد إجراء الإنتخابات ووصول أعضاء المجلس النيابي العشرون إلى مقاعدهم تحت القبة، أن يكون لهم رأي مخالف في قانون الأحزاب بعد خوض التجربة السياسية ضمن معطياته، مما يجعلهم يمارسون الضغط باتجاه إعادة النظر فيه، والمطالبة بتعديله بما يتوافق مع الأفق الجديد للدولة والشعب، وقد يطال ذلك قانون الانتخاب كونه أيضا يعبر عن الوجه السياسي والحزبي والبرلماني في الدولة. أخيرا نتمنى أن نشهد على الساحة الأردنية أحزابا تمتلك التمكين البرامجي الذي يخدم آليات العمل الحزبي ونشاطه، وتتوفر فيه ميزة التنوع والتعددية من رحم البيئة المجتمعية الأردنية بمؤسساتها وهيئاتها الثقافية والفكرية والرياضية، وكافة المنابر الوطنية، والحواضن الاجتماعية من اتحادات وجامعات ومنابر فكر أدبية وسياسية، برامج تعبر عن عمقها وتوافقها مع القواعد التي تتطلع إلى الوجه السياسي المرتجى في حكومة برلمانية، تراعي التنمية الشاملة والمستدامة وتخدم الوطن. حمى الله الأردن،