صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الغرب الذي كُنا نتغنى به ، إستقلالاً ، وحرية ، وهو الذي أخضع شعوب العالم المتخلف إستعماراً ، وإذلاً ، وعُنجهيةً ، وتقسيماً للعالم بقلم رصاص ، مع الكاس ، الى دويلات هزيلة ، ذليلة ، وإستغلاله لخيراته ، وقهره لشعوبه . ذلك الغرب ، لم يعُد كما كان . أصبح ذَنَباً ، تابعاً ، مغلوباً على أمره ، يقتفي أثر أمريكا ، بذلٍ ، وقهر ، لدرجة ان أمريكا تُجبره على إتخاذ قرارت ليست في مصلحته ، ويُطيع صاغراً ، وهو لا يلوي على شيء .
الغرب ، أصبح لا يختلف كثيراً عن العرب . يشتركون في الذل والتبعية مرغمون . حتى لو إختلفت نسبة الذل ، فالذل ذلٌ ، لا فرق . والتبعية ، تبعية ، وإنقياد ، حتى لو خفَّت نسبته هنا او زادت هناك . وما يزيد من قهري ، أن الذين إستعمرونا ، وأهانونا هم أذلاء تابعون خانعون ، كما نحن .
أستغرب ، تبعية الغرب ، وإقحامه دوله في حرب ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل !؟ أستغرب ان يتخذ الغرب مواقفاً ضد مصالح دوله وشعوبه !؟ مصالح الغرب ببساطة مرتبطة مع روسيا . لان روسيا تزودهم بطاقة الغاز الرخيصة النظيفة والنفط .
هناك خط ضخم عظيم للغاز ، يزود كل اوروبا بالطاقة الرخيصة النظيفة ، يُسمى نورد ستريم (( ١ )) Nord Stream ، الذي شُيد على عمق (( ١,٢٠٠ )) كم تحت بحر البلطيق ، ويبلغ طوله (( ١,٢٢٤ )) كم ، وينقل (( ٥٥)) مليار متر مكعب من الغاز سنوياً ، ويشكل (( ٥٥٪ )) من إحتياجات أوروبا من الغاز . ولم تكتفِ ألمانيا بما يزودها به ذلك الخط الضخم العظيم بل أنشأت خطاً عظيماً آخر أسمته نورد ستريم (( ٢ )) ، الذي يبلغ طوله (( ١,٢٢٢ )) كم ، وينقل (( ١١٠ )) مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لألمانيا لوحدها .
ولتأكيد فكرة عدم إستقلالية قرارات الدول الأوروبية ، ارجو ان تقرأوا ما سأنقله لكم من كلمة لسيدة برلمانية ألمانية حُرّه ، حيث تقول : [[ مشكلتنا الكبرى هي بدء حرب تجارية غير مسبوقة مع روسيا ، أكبر مورد للطاقة لدينا ، نعم صحيح ان الحرب ضد اوكرانيا جريمة ، لكن فكرة انه يمكننا معاقبة بوتين من خلال إفقار ملايين الأُسر في المانيا ، وتدمير صناعتنا ، بينما تكسب شركة غازبروم المليارات ، فكرة غبية للغاية ، الطاقة الرخيصة هي أهم شرط لوجود صناعتنا ، أين بحثتم عن بديل !؟ الموردون الامريكان الذين يكسبون (( ٢٠٠ )) مليون يورو مع كل ناقلة يرسلونها الى أوروبا !؟ نعم يمكنكم ملء خزانات الغاز بهذه الطريقة ، لكن لا يمكنكم وقف تدمير الطبقة الوسطى من الصناعة الذين يتعين عليهم دفع هذه الأسعار الجنونية . إنخفض إستهلاك الغاز في الصناعة الألمانية بنسبة (( ٢٠٪ )) ، وهذا ليس لأنها توفر المال ، بل لأن الإنتاج إنخفض بشكلٍ كبير . والهدف الرئيسي هو نقل موقع الإنتاج الى أمريكا نفسها ، لأن سعر الغاز في المانيا (( ٨ )) أضعاف سعر الغاز في أمريكا . لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى !؟ يا لها من إستراتيجية لحكومة ألمانية ]] !؟ إنتهى الإقتباس .
تبين أن حكومات الغرب الأوروبي حكومات تابعة ، خانعة ، مُنقادة للمتغطرس الأمريكي . وأخيراً ، وجدنا حكومات تشبه حكوماتنا العربية ، المهم ، والأهم عندها ان تُرضي المُتغطرس الأمريكي ، وليذهب الوطن والمواطن الى الجحيم ، لتختفي الطبقة الوسطى ، وليزداد الفقير فقراً ، ولتتدمر الصناعات ، وترتفع أسعار المنتجات ، وتغيب من الأسواق العالمية لعدم قدرتها على المنافسة السعرية ، ولتنحسر حصص دول اوروبا من الأسواق ، لحساب إنتشار السلع الأمريكية ، ولتخسر دول أوروبا المليارات ، ولتتراجع دخولها القومية ، وليضطروا للبحث عن أسواق يحتاج إستيراد الغاز منها كلفاً إضافية في الشحن ، والتخزين ، والتحويل وخلافه ، وليقرص البرد أبناء أوروبا ، وليباعدوا بين فترات إستحمامهم ، ولِيُتموا إستحمامهم خلال (( ٥ )) دقائق — كما دعت إحدى دول أوروبا مواطنيها — ولتتضاعف أثمان فواتير الكهرباء أضعافاً مضاعفة ، ولا يقدر المواطن على سدادها .. الخ .
الإنقياد يقود الى الذل ، والتبعية ، سواء كان الإنقياد على مستوى أفراد او دول ، لا بل ربما ذُلّ وتبعية الدول أقسى لانه يقود الى إذلال الشعوب . كما أن ذُلّ الفرد في أغلب الأحوال يكون مبرراً ، إما لأنه لا حول له ولا قوة فيكون مُجبراً ، او انه يتقبل الذّل جينياً ، فلا يضيره ان يكون ذليلاً ، لأنه إستمرأه ، وربما إستحسنه ، وإستلطفه كما يحدث عندنا ، او ربما يكون للذُلّ ثمن ، والثمن يكون غاية وهدف الذليل ، عندها يكون ذليلاً قابضاً ثمن ذُلِّه ، ولا ضير لديه ان يرافقه ذُله كما ظِلّه .
إضطرت أوروبا لتعويض جزء من النقص في الغاز بإعادة تشغيل محطات نووية متوقفة عن العمل وتشغيل محطات مهجورة تعمل على الفحم . مما إضطر رئيس الوزراء الألماني أولاف شولتز للإتصال مع الرئيس الروسي بوتين داعياً لحلٍ دبلوماسي بدل الحرب . كما ان هناك توجهاً اوروبياً للعدول عن فرض سعر كحد أعلى للغاز والنفط الروسي . وفي فرنسا فإن باريس عاصمة النور فقد إتخذت قراراً بإطفاء برج إيفيل وكل أضواء المدن والأماكن من الساعة العاشرة مساءاً .
لا ضير في ان تساندوا أوكرانيا ، لكن ليس لحد العِداء مع روسيا ، وتكادوا ان تشاركوا في المواجهة !؟ مصلحة دولكم ، وشعوبكم مع روسيا ، فلماذا توغلوا في العداء معها !؟ قد أفهم أنكم تكنون العداء لروسيا ، او أنكم لستم مع سياساتها وتوجهاتها ، وقد أفهم أنكم مع إستنزافها ، لكن مصلحتكم معها ، لأنها تزودكم بطاقة الغاز النظيفة والرخيصة التي تُخفض كُلف صناعاتكم ، فتزداد فُرص منافستكم في السعر إضافة للجودة العالية . الدول القوية صاحبة الإرداة المستقلة مصالحها تحدد سياساتها . والمفاجاة ان شركة غازبروم المُشغلِّة لخطوط نورد ستريم أبلغت دول الإتحاد الاوروبي انه لا بديل عن الغاز الروسي !؟
كم يكون مُعيباً على أية دولة ان تكون تابعة ، مُنقادة ، ذليلة ، سيادتها مَنقوصة ، وإرادتها مُختطفة ، وقرارها غير مُستقل . في هذه الحالة : ماذا يقول قادة تلك الدول لأنفسهم !؟ وهل يحسبون أنفسهم قادة فعلاً !؟ وكيف يكون شعورهم !؟ وكيف يواجهون شعوبهم !؟ إن شاء الله من سيء الى أسوأ ، الله لا يرشد نيتكم ، (( درب القلعة )) ، ذوقوا ولو جزءاً يسيراً مما أذقتمونا من ذُل وتبعية وتقسيم الى ما يشبه المزارع لا الدول ، لأن غالبية كانتونات الوطن العربي لا تمتلك مقومات الدولة . صدق أمير الشعراء / أحمد شوقي عندما قال :—
وللِحرِّية الحَمراءِ بَابٌ / بِكُلِ يَدٍ مُضرجةٍ يُدقُ .
نَصحتُ ونَحنُ مُختلِفونَ دَاراً / ولكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ .