في الوقت الذي نتعامل فيه مع أزمة اقتصادية اجتماعية حقيقية ، لا بد أن نعرف ما إذا كنا نستخدم كل قدراتنا في مواجهة تلك الأزمة أم لا ، ومثلما وضعنا قائمة بالسلع التي تم رفع أسعارها ، وتلك التي بقيت على حالها ، فضلا عن زيادة الضرائب والرسوم ، يجب أن نضع قائمة للأدوات التي نستخدمها لمعالجة الوضع ، والأدوات التي لم نستخدمها بعد ، جهلا منا بعدم معرفتها ، أو طريقة استخدامها .
المشكلة في تلك الأدوات أنها تبدو للوهلة الأولى مجرد مصطلحات تكميلية ، مع أنها في الحقيقة أساسية بكل المعايير عندما يتعلق الأمر بوضع إستراتيجية متكاملة لحل تلك المشكلة المعقدة ، وقد كان إهمال بعضها ، وعدم أخذه بالجدية سببا في ترهل الإدارة في القطاعين العام والخاص ، وقد انعكس سلبا على مجمل عملية الإنتاج ، مثل الحاكمية التي تشكل فكرا تطبيقيا مجربا على المستوى الدولي ، بما يضمنه من نزاهة ومساءلة وشفافية ، وما يفرضه من مواصفات عالية الكفاءة والخبرة والمسؤولية تتصف بها الإدارة العليا ، والموظفين بصفة عامة !
وكذلك الشأن بالنسبة للجودة التي ترافق جميع العمليات الإدارية والإنتاجية من أولها حتى آخرها ، وتضبط الأداء في جميع مراحله ، وتضمن حسن المخرجات ، والإضافات النوعية التي تحقق مفهوم البناء على البناء ، وتعظيم الانجاز وتراكمه، بما يتناسب مع خطط الإصلاح والتنمية الشاملة ، فنحن ما زلنا في مرحلة التطبيقات الإضافية وليس الأساسية رغم أن التأخر فيها ، والتخلف عنها ، يقلل من قدرات المؤسسات العامة والخاصة ودورها في مواجهة الأزمة !
وفي وضع كالذي نحن فيه من تأثيرات إقليمية ودولية بالغة الخطورة ، وتعثر في عجلة الاقتصاد الوطني ، وفشل لكثير من السياسات المتعلقة بالاستثمارات المحلية والأجنبية لا بد من اللجوء إلى التضامن والتكافل الاجتماعي للتقليل من آثار الأزمة الراهنة ، وهذا الخيار معروف على مدى تاريخ الأزمات الاقتصادية ، حيث تتضافر جهود المؤسسات الإنتاجية في نطاق المسؤولية المجتمعية ، وتتفاعل مع مجتمعاتها المحلية للنهوض بها ، والمساهمة في حل مشاكلها ، ذلك أن صناديق المعونة والجمعيات الخيرية لا تكون قادرة وحدها على معالجة الفقر والبطالة ، في حين تتغير أولويات الحكومات بما قد يؤثر على البنية التحتية وصيانة وإدامة الخدمات .
وفي هذه الحالة التي نحن فيها كذلك ليس كافيا أن تقوم تلك المؤسسات بشكل عشوائي بممارسة جوانب من تلك المسؤولية ، الأفضل أن توضع خطة تشتمل على عدد تلك المؤسسات وأماكن وجودها ، وقدراتها المالية ، وفعاليتها المباشرة وغير المباشرة ، ومن ثم تحديد الأولويات تبعا لحاجة المجتمع المحلي ، أو المجتمع كله في حال وجود خطة متفق عليها بين الحكومة وهذه المؤسسات .
تلك أشياء منسية من حشد الطاقات الوطنية لمواجهة الأزمة ، وقد يقول البعض هذا نوع من رفاهية التفكير ، ويقول آخر ما الذي يمنع تلك المؤسسات من تحمل مسؤولياتها المجتمعية بالصورة التي تراها مناسبة ، وأقول هذا ما يحدث فعلا ، ولكنه بلا أثر ، فضلا عن أنه غير ملحوظ ولا مشكور !
الدكتور يعقوب ناصر الدين
yacoub@meuco.jo
www.yacoubnasereddin.com