صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الأوطان أغلى شيء في الوجود عند الإنسان ، الوطن أغلى من الروح ، أغلى من الحياة ، أغلى من فلذات الأكباد ، أغلى من كل شيء . وليس هناك دليل ابلغ على حب الوطن من أن يُقدِّم الإنسان دمه وروحه وحياته في سبيل وطنه ، مع ان الروح هي الأغلى والأقدس ، الا ان الإنسان يكون مقداماً ، شُجاعاً ، لا يهاب الموت في سبيل وطنه .
ولانه بدون الأوطان ، لا قيمة للإنسان ، ولا إحترام ، ولا حياة ، ولا حقوق يكتسبها ، فبدون الوطن يُهان الإنسان ، ويصبح لاجئاً ، يتوسل الإقامة في بلد ما ، ويستجدي أرضاً ليفترشها ، وسماءاً يلتحفها ، ويكون خانعاً ، ذليلاً ، لا واجبات عليه تجاه وطنٍ ، ليرتجي حقوقاً يكتسبها .
في بلدي الحبيب ، منذ نشأته قبل نحو قرن من الزمان ، لم نهدأ ، ولم نرتح ، لاننا دوماً تحت التهديد والاستهداف ، فالمخاطر كانت كثيرة ، لكنها كانت في معظمها تهديدات خارجية ، لكن أين يكمن الفرق ، كانت الأخطار خارجية ، يقابلها تماسك ، وقوة الجبهة الداخلية ، لذلك كان المواطن مطمئناً ، على نفسه ، ووطنه ، حيث كانت تتحطم كل المؤمرات على صخرة تماسك الجبهة الداخلية ، ورصانة بناء الدولة الاردنية ، فكل مقومات الدولة الاردنية كانت رصينة ، متماسكة ، فقواتنا المسلحة / الجيش العربي ، كان نموذجاً في التدريب ، والتسليح ، والانضباط ، والجاهزية ، والاستعداد للتضحية ، وكان يحتل مرتبة متقدمة جداً بين جيوش المنطقة ، ويشار له بالبنان . وقواتنا الأمنية في أحسن حالاتها ، من كافة النواحي ، جاهزية ، واداءاً ، وإستقصاءاً ، ومتابعة . والتعليم كان في قمته ، والصحة كذلك ، وكل الوزارات كانت متميزة في كل شيء . والطبقة الوسطى كانت تمثل ( ٩٢٪ ) ، والمواطن مخدوم ، وإن لم يكن ميسور الحال ، فهو مستور .
الآن تبخر كل شيء ، وأُفرغت كل الجهات الحكومية من عناصر قوتها ، وإنحدر ، وتراجع أداؤها ، وتضعضعت جاهزيتها ، وانتشر الفساد ، وضاع العباد ، وبيعت كل مقدرات الوطن ، ونُهب ثمنها البخس ، وزادت ، وتعددت التهديدات ، وتنوعت ، وإزدادت خطورة . لكن الأخطر ، والأهم ، والطامة الكبرى تكمن في تقويض الجبهة الداخلية ، وضياع تماسك مكونات الوطن ، والمواطن حيران ، ويشغله الفلتان ، والعوز والجوع والفقر والبطالة ، وانحدر مستوى التعليم بكافة مستوياته ، والمستشفيات تردت خدماتها ، وطال التراجع كل مفاصل الدولة .
لكن الطامة الكبرى ، ومؤشرات الانهيار المُحدق بالوطن ، أكبر ، وأخطر من كل ما سلف . عزيزي القاريء الحصيف ، الذكي ، المنتمي لوطنه ، رغم قساوة ما اسلفت الحديث عنه ، الاّ انني تجاوزت عنه للأخطر .
في العقدين الماضيين حصلت احداث في الوطن ، تشعر عند متابعتها ، والتفكر بها ، وكأن عقلك على كفك يدور ، وأنت منشده ، ومذهول ، من بعض ما اوقعتنا به حكوماتنا المتعاقبة الهزيلة ، ولا يمكنني التطرق لكل تلك الأحداث ، لذلك سأكتفي ببعضها للتدليل الى أي هاوية نسير .
أود ان اتحدث عن اتفاقية الكازينو ، والأهم اتفاقية الغاز مع العدو . وسأحصر حديثي في الجوانب التعاقدية فقط ، لأخلُص الى الاستنتاج المُرعب . من منطلق خبرتي في القطاع الخاص الممتدة الى ( ٤٤ ) عاماً بعد تخرجي من جامعة بغداد ، إضافة لإدارة الشركات تميزت في أعداد الاتفاقيات والعقود المحلية والدولية باللغتين العربية والإنجليزية ، أعرف كما يعرف غيري ، بان التفاوض يسبق التعاقد ، وعادة يطرح كل طرف أقسى ، وأقصى مطالبه ، ويعرف مسبقاً شيئين رئيسين : الأول انه لن يحقق كل مطالبه ، والثاني انه لابد من تقديم بعض التنازلات . وما ينطبق على القطاع الخاص ينطبق على الاتفاقيات بين الدول ، والاتفاقيات التي تجريها الدول مع الشركات الكبرى .
في اتفاقية الكازينو ، كان هناك شرطاً جزائياً على الأردن ، يقضي بتغريم الأردن مليار دولار لو لم يتم إقامة الكازينو ، وهو مشروع إستثماري . وفي اتفاقية ( العار ) عفواً الغاز ، مع العدو ، وهي الموضوع الأهم ، هناك تخبط لا يقبله العقل ، يتمثل في : لماذا تم التلكؤ للبحث عن مصدر آخر لشراء الغاز منه لمدة عامين عند انقطاع الغاز المصري !؟ ولماذا لم يتم الطلب من دول عربية أخرى ، مثل قطر ، والجزائر مثلاً ، وقد ادعت الحكومة الاردنية في وقتها بانها طلبت من الجزائر واعتذرت ، وصدر بيان من الحكومة الجزائرية يُكذِّب ويفضح زيف إدعاء الحكومة الاردنية في وقتها .. ياااللعار ، ما هذا الإنحدار !؟ وفي الوقت الذي تم توقيع اتفاقية العار مع العدو ، لتعلموا ما يلي : ١) الغاز المصري إستأنف الضخ ، وستصل نسبة التزويد الى ( ٩٠٪ ) من حاجة الأردن . ٢)لدينا ميناء لتخزين الغاز المُسال في العقبة ، بتبرع سخي ومقدّر من الكويت الشقيقة . ٣) لدينا باخرة مستأجرة راسية في العقبة لتخزين الغاز ، بمبلغ ( ١٥٠ ) مليون دولار سنوياً ، مع انه لو تم شراء الباخرة لما وصل ثمنها الى ( ٦٠ ) مليون دولار . ٤) الحكومة أسست شركة لإنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي . ٥) هناك ثلاث شركات أردنية تنتج الكهرباء وتبيعها لشركة الكهرباء الحكومية باتفاقية ل ( ٢٥ ) عاماً ، وبسعر مرتفع جداً ، مدفوعة القيمة سواء تم استهلاك الكهرباء ام لا. ٦) شركة صينية محلية عرضت بيع الكهرباء على الحكومة بثمن بخس ( ١٣ ) فلساً . ٧) يضاف الى ذلك ما صرحت به وزارة الطاقة بان كميات الكهرباء المتوفرة خلال فصل الشتاء ، تزيد عن أقصى استهلاك ممكن . ٨) كما قرأنا عدة تصريحات لمسؤولين في الحكومة عن النية لتصدير الفائض من الكهرباء الى السعودية ، والعراق ، وسوريا .. الخ من المعلومات والإمكانات التي تؤكد عدم الحاجة الى توقيع اتفاقية العار مع العدو . وعند السؤال عن من وقع الاتفاقية مع العدو ولمدة (١٥ ) عاماً ، رغم عدم الحاجة اليها ، ومن وافق على الشرط الجزائي بان ندفع للعدو (١,٥ ) مليار دولار لو تم إلغاء الاتفاقية ، مع انه عادة تكون الجهة البائعة او الموردة هي الأضعف دوماً وهي التي يُفرض عليها غرامات في حال الفشل في التزويد ، إضافة الى طلب تقديم كفالة حُسن تنفيذ ، هذا يحصل بين الشركات ، فكيف يكون الأمر عند تعاقد الشركات مع حكومات ، حيث يكون وضع الشركات أضعف ، والحكومات هي التي تُملي شروطها .
وعليه ، وأمام هذا التخبط المخيف ، وعند المتابعة لكافة وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، واللقاءات الكثيرة والمتعددة مع العديد من كبار مسؤولي الدولة الاردنية السابقين ، نجد ان الكل يتساءل ، والكل مندهش ، والكل مستغرب ، والكل ترتعد فرائصه خوفاً على الوطن . ونورد هنا بعضاً من الأسئلة التي يطرحها الناس : كيف تقبل الحكومات الاردنية التوقيع على هكذا اتفاقيات !؟ أليس لدى الحكومات الاردنية مستشارون متخصصون في مواضيع هذه الاتفاقيات !؟ من يوعز للحكومات الاردنية لتوقيع هكذا اتفاقيات !؟ هل هذه الاتفاقيات مفروضة على الحكومات !؟ لماذا لا تُعرض مثل هذه الاتفاقيات على مجلس الأمة !؟ ولماذا يتم تجاهل ، وتخطي ، وتجاوز مجلس الأمة ، مع انه دستورياً ، يتوجب على الحكومة ان تتحصل على موافقة مجلس الأمة في كل الاتفاقيات التي لها أثر مالي على موازنة الدولة ، وإلا تعتبر باطله . هل تأتي الاتفاقيات جاهزة ، ومُعلبة الى الحكومات للتوقيع عليها دون ابداء اي رأي !؟ من الذي يقف وراء هذه الاتفاقيات ويُخرس كل الحكومات ، وبُجبرها على التوقيع !؟ لماذا لم تصطدم مثل هذه الاتفاقيات مع رئيس وزراء او وزير فيه شيء من رجولة ، وجزء يسير من إنتماء ، وقليل من رفض لخيانة الوطن ، ويعلن رفضه للتوقيع ، ويعلن استقالته إذا أُجبر على التوقيع !؟ من وراء هذه القوة القاهرة ، وهذا الجبروت الذي أخرس كل الرؤساء والوزراء !؟ والغريب انه لا توجد إجابة ، ولا حتى تخمين للجهة التي تفرض هذه الاتفاقيات المُذلة للوطن والمواطن ، وكأن هذه الاتفاقيات مثل إبن الحرام ، ليس لها أب ، مجهولة النسب . أليس هذا مرعباً !؟ ومُخيفاً !؟ من يفرض هذه الشروط المُذلة ، المنافية للمنطق !؟ والعجيب ان هذا الهوان يتكرر في كل عملية تعاقدية . أقل ما يمكن قوله ان من يفرض هذه الاتفاقيات المُذلة عميلاً خائناً للوطن ، يستند على عدو خارجي .
يكاد ينفطر قلبي على وطني ، كما قلوب كل الأردنيين ، لان التحدي خطير ، ومجهول المصدر ، وقوّض كيان الدولة الاردنية ، والمواطن يشعر كأنه يسير في غابة وهو معصوب العينين في ليلٍ حالك الظُلمة بهيم . وأتساءل : ضياع الوطن ، لمصلحة من !؟