صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
تدار الدول عادة عبر حكوماتها ، ومسؤولية هذه الحكومات تنحصر في توفير الخدمات الضرورية المتنوعة للمواطنين ، ووضع الاستراتيجيات ، والسياسات ، والخطط للنهوض بالبلاد لضمان سيرها في ركب الامم المتحضرة . وهذه الاستراتيجيات تكون مختلفة في مددها فمنها : قصيرة او متوسطة او طويلة الأمد . لذلك ليس بالضرورة ان تُنفِّذ الحكومة الاستراتيجيات التي وضعتها خلال حقبة توليها المسؤولية . في العالم المتحضر الذي تتشكل حكوماته من مسؤولين مؤهلين ، ومتخصصين وجديرين بتحمل المسؤولية التي تفرضها عليهم وزارتهم التي يتقلدونها تكون الاستراتيجيات الموضوعة والمعتمدة عابرة للحكومات ، أي عندما تنهي الحكومة التي وضعت الاستراتيجيات مدتها ، تكون الحكومة التي تولت المسؤولية بعدها مُلزَمة بتنفيذ تلك الاستراتيجيات الوطنية . وليس بالضرورة ان تأخذها الحكومة الجديدة على عِلّاتِها او كما هي ، لان هذه الاستراتيجيات ، لابد ان تتم مراجعتها ليتم اجراء التعديلات اللازمة عليها لتتماشى مع المتغيرات بكافة اشكالها ، وليتم تصحيح الانحرافات التي قد تحدث لأسباب عديدة .
في بلدي المنكوب المنهوب ، في الغالب لا تضع الحكومات استراتيجيات مطلقاً ، لأسباب عديدة أهمها ان عمر الحكومات قصير ، واستمرارها غير مضمون ، وعمرها غير محدد، وغير معروف ، لانها تأتي فجأة ، وتُقال فجأة ، فلا تُتعِب الحكومات نفسها بذلك ، وحتى لو اجتهد احد الوزراء ، وتحمس ووضع استراتيجية لوزارته ، فان الوزير الذي يليه ، لن يلتفت اليها بالمطلق . وقد شهدنا وزراء تحدثوا عن وضعهم استراتيجيات لخمس او عشر سنوات ، لم نسمع شيئاً عن تلك الاستراتيجيات ممن تولوا الوزراة بعدهم ، وحتى بعض الوزراء الذين وضعوا إستراتيجيات هدفهم إطالة مدة بقائهم في الوزراة لحين تنفيذ الاستراتيجية ، ولكن لا أحد يلتفت الى ذلك مطلقاً .
توضع الاستراتيجيات لضمان تطوير المؤسسات وتحقيق اهدافها . وتعرف الاستراتيجية بانها تتعلق بعملية وضع اهداف المؤسسة على المدى البعيد بالاضافة الى تحديد الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف . وبالتالي فان الادارة الاستراتيجية عملية ديناميكية تسعى للوصول الى تحقيق اهداف المؤسسات عن طريق ادارة الموارد المتوفرة بكفاءة عالية وتميُّز .
في وطني الأردن ، متعدد النكبات ، والمصايب ، والمتاعب ، والأوجاع ، كل ما ذُكر اعلاه ، لا عِلم للدولة الاردنية به ، وتبدأ المعضلة من اختيار رؤساء الوزارت والوزراء ، فلا مواصفات ولا متطلبات محددة يجب توافرها في شخص رئيس الوزراء ، حيث يفترض ان يكون شخصية وطنية مرموقة ، ومعروفة ، حقق انجازات متميزة في اكثر من موقع رسمي ، وله ثقله ، الوطني والإقليمي ، كما يجب ان يكون رجل دولة ، عركته الحياة السياسية ، وخبِر دهاليزها ، وتوازناتها ، والآعيبها ، وخفاياها ، ويُتقِن ، لا بل ويَتفنن في الآليات المطلوبة لإدارة وطن ، وعليه ان يأتي ببرنامج يتماشى مع ، ويلبي طموحات الدولة الاردنية للارتقاء بالوطن وتَقدُّمِه ، وتطوره ، وتلبية حاجات مواطنية ، وتتم محاسبته وفق برنامجه ، الذي يفترض انه تقدم به ، ونال الثقة على أساسه . ورأيي المتواضع ، عند تشكيل الحكومات ، يفترض ان يتم انتقاء ثلاث شخصيات وزنها يناسب تولي موقع رئاسة الوزراء ، وان يتم استمزاج كل واحد بشكل منفرد ، ويُطلب منه ان ينتقي وزرائه ، بحيث يقدم كل وزير الإستراتيجية التي ينوي انتهاجها في الوزارة التي من المفترض ان يتولاها ، ويناقش رئيس الوزراء المُفترض وزرائه بما قدموا ، وعند اقتناعه ، يتم دمج ما تقدموا به ببرنامج عمل للحكومة ممثلة برئيس الوزراء المفترض . عندها يتم الإنتقاء من بين الرؤساء الثلاثة صاحب افضل برنامج وطني محدد بمدد زمنية ، على ان يُحاسِب الرئيس وزرائه وفق ما تقدموا به ، وتتم محاسبة الرئيس على برنامجه الشمولي الذي تم تكليفه استناداً اليه . لا ان تأتي الحكومات وتغادر ، دون الالتفات اليها او محاسبتها ، وانا اشبه ذلك بصديقك عندما يزورك ليشرب فنجاناً من القهوة ، دون اي هدف آخر ، فلا يُحسب مجيئه ولا مغادرته .
وللعلم ، فان إعداد الاستراتيجيات ، والسياسات ، والخطط يتطلب إحصائيات ، وأرقام ، ومخزن المعلومات والارقام والإحصائيات تكون عادة لدى دائرة الإحصاءات العامة ، المهملة ، والمهمشة ، والمُغيبة ، والديكورية ، والشكلية في بلدنا ، حيث يجب ان تتوافر فيها ارقاماً واحصائيات دقيقة جداً عن كل ما يخص الوطن ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : (( نسبة النمو السكاني او نسبة الخصوبة Fertility ) ، الأعمار ، الجنس ، الوفيات ، المواليد ، التعليم ، توزيع السكان في مناطق الوطن ، الصادرات ، الواردات ، انواع السلع المصدرة والمستوردة ، حجم هجرة السكان من الارياف الى المدن …. الخ )) . ليتم الإستناد على هذه الاحصائيات لوضع إستراتيجيات مبنية على احصائيات وارقام رسمية حقيقية دقيقة ، لان عدم الدقة في الاحصائيات يؤدي الى انحرافات كبيرة ، تؤدي الى تشوهات وانحرافات كبيرة في الاستراتيجيات الموضوعة ، لأن ما يُبنى على خطأ يقود الى أخطاءٍ أكبر ، وأخطر . وعليه أرى ان الدولة الأردنية يجب ان لا تأخذ الأمور خبط عشواء ، مثلما قال شاعر الحِكمة زهير إبنُ أبي سُلمى ، مع انني اتحفظ على هذا البيت من زاوية دينية ، لكنني أورده كدلالة : –
رأيتُ المَنايا خَبْطَ عَشواءَ من تُصِبْ / تُمِتْهُ ومن تُخْطِيء يُعَمِرْ فَيَهْرَمِ .
أتمنى ان يأتي اليوم الذي يتم فيه إختيار رؤساء الوزارات ، والوزراء وفق أسس ، وآليات ، ومتطلبات ، وشروط ، وخبرات عملية ، ومواصفات شخصية ، ومؤهلات علمية تتناسب مع الموقع الذي يُشغله ، وقدرات تناسب إدارة وطن ، وان يتم تعيينهم بناءاً على برامج ، وان تتم محاسبتهم استناداً لتلك البرامج . كما اتمنى ان يكون كل الأمناء العامون للوزارات من أبناء الوزارات الذين خدموا فيها لعقود طويلة ، يعرفون كل صغيرة وكبيرة في وزاراتهم ، ليعوضوا النقص المعرفي عن الوزراة لدى الوزراء ، الذين يعتبر منصبهم سياسي . وأتمنى أيضاً ان نصل الى مرحلة تكون فيها الاستراتيجيات عابرة للحكومات ، لا ان يُلغي رئيس الوزراء والوزراء كل ما تركه اسلافهم . وأختمُ ببيتٍ من الشِعرِ :-
عَجِبْتُ وأعْجَبُ مِني إمْرِؤٌ / رأى ما رَأيتُ ولم يَعْجَبِ .