صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
مع إطلالة عام 2020 قدمت الحكومة الأردنية هدية ثمينة للشعب الأردني، تتمثل في بدء الضخ التجريبي للغاز الإسرائيلي المسروق، ليجري في شرايين المجتمع الأردني بسمومه وأضراره. وهذا الغاز يتم ضخه من حقل ليفياثان البحري غربي مدينة حيفا، ويبعد مسافة 130 كيلومترا عن الشواطئ الفلسطينية.
من المعروف بأن قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة عام 1982، حدد حقوق التنقيب عن البترول والغاز للدول الشاطئية بِ 350 ميلا بحريا ( 665 كم ) كيلو داخل البحر. وهذا يؤكد أن هذا الحقل يقع ضمن حدود المنطقة الفلسطينية، التي يجب عليها أن تستعيده كثروة وطنية.
ورغم معرفة الحكومة الأردنية بعدم شرعية امتلاك إسرائيل لهذا الحقل، إلاّ أنها كلفت شركة الكهرباء الوطنية عام 2016، لتوقيع الاتفاقية مع شركة نوبل إنيرجي الأمريكية ممثلة لإسرائيل. تزود الشركة خلالها الأردن بِ 300 مليون قدم مكعب يوميا، على امتداد خمسة عشر عاما بقيمة 10 مليارات دولار.
ولكننا لم نعرف تفاصيل هذه الاتفاقية ومن هم أعضاء اللجنة الذين وقعوها، ووافقوا على الشرط الجزائي المتضمن دفع 1,5 مليار دولار، تُدفع مرة واحدة ثمنا للعودة عن الاتفاقية. وقد وصفتها الشركات المشغّلة بأنها نقطة تحول فاصلة في تاريخ الاقتصاد الإسرائيلي.
في عام 2014 اتفقت شركة البوتاس العربية الأردنية، وشركة برومين الأردن أيضا، على استيراد نحو 70 مليار مكعب من الغاز الطبيعي من حقل تمار الإسرائيلي، على مدى 15 عاما بقيمة 771 مليون دولار. وقد دافعت الحكومة الأردنية آنذاك عن الاتفاق، بأن سيوفر 600 مليون دولار سنويا من نفقات الدولة في مجال الطاقة.
يدّعي المسؤولون الأردنيون أن الغاز الإسرائيلي هو الأرخص اقتصاديا، وأن الجزائر ليس لديها فائض من الغاز لعشر سنوات قادمة. ولكن بعد اسبوعين عقدت مصر مع الجزائر، اتفاقية لاستيراد الغاز المسال، الذي نفت توفره الحكومة الأردنية. كما أعلنت الحكومة الأردنية، أن الغاز القطري يكلّف ضعف قيمة الغاز الإسرائيلي، وثبت بأنها لم تطلب شراء الغاز من قطر، ولم تُجرِ مقارنة بين غاز الطرفين.
لم تَلقَ الاتفاقية الأخيرة والمعلنة مع الكيان الصهيوني، قبولا من الأوساط الشعبية الأردنية والبرلمان، منذ توقيعها وحتى الآن. وقد طالب مجلس النواب بتاريخ 26 مارس / آذار الماضي من الحكومة بإلغائها، حيث قال رئيس المجلس عاطف الطراونه : ” اتفاقية الغاز مع العدو المحتل مرفوضة برلمانيا وشعبيا، وعلى الحكومة إلغاؤها مهما كانت نتيجة رأي المحكمة الدستورية “.
وعندما ارتفعت أصوات بعض النواب، بأن هذه الاتفاقية لم تعرض على مجلس النواب، أجابت المحكمة الدستورية بتاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 2019، بأن اتفاقية الغاز التي تم إبرامها مع العدو الصهيوني، لا تتطلب موافقة مجلس الأمة. وأن الاتفاقيات التي تبرمها شركات مملوكة بالكامل للحكومة مع شركات أخرى، لا تدخل في مفهوم الاتفاقيات المنصوص عليها في الدستور، ولا يحتاج إنفاذها لموافقة مجلس الأمة. وقالت وزيرة الطاقة هالة زواتي: أن ثمن العودة عن اتفاقية الغاز الإسرائيلي تبلغ 1,5 مليار دولار تدفع مرة واحدة كشرط جزائي.
ومع احترامي لرأي المحكمة الدستورية، فإنني أرغب بإيراد نص المادة 33 – 2 من الدستور الأردني : ” المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات، أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة، لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرّية في معاهدة أو اتفاق ما، مناقضة للشروط العلنية “. فهل يترتب على هذه الاتفاقية تحميل الخزانة الحكومية شيئا من النفقات ؟ أو مساس بحقوق الأردنيين ؟ ليس لدي جواب لهذين السؤالين، بل الجواب لدى القانونيين أصحاب الاختصاص.
وفي هذا السياق دعونا نلقي نظرة على مشروع انبوب الغاز ” نورد ستريم 2 ” الروسي. وهو مشروع سينجز قريبا بكلفة 10 مليار يورو، ويهدف إلى تصدير 55 مليار قدم مكعب سنويا من الغاز الروسي إلى أوروبا. هذا المشروع لم يعجب الولايات المتحدة الأمريكية،التي ادعت أنه يعزز من نفوذ موسكو في القارة الأوروبية، وسيضرب الأمن والاستقرار الأوروبي في الصميم. ولهذا صادق مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكيين، على فرض عقوبات على الشركات المساهمة في بناء ذلك الأنبوب، باعتباره يشكل خطرا على الأمن الوطني والمصالح الأمريكية.
وعودة إلى اتفاقية الغاز المشؤومة، مع الكيان الصهيوني فإنني أتساء:
1. لماذا تبرئ الحكومة نفسها من الاتفاقية، وتدعي بأنها تمت بين شركتين وهي ليست طرفا فيها ؟ اليست هي صاحبة الولاية، ومسؤولة عن شركة الكهرباء الوطنية وتملك معظم أسهمها، وهي مسؤولة عن تنفيذ إجراءات تمديد الأنبوب، واستملاك أو استئجار الأراضي التي يمر بها الأنبوب؟
2. لو قررت الحكومة الأردنية الاستجابة لمجلس النواب ومطالب الشعب في إلغاء الاتفاقية، فمن الذي سيدفع الشرط الجزائي بقيمة 1,5 مليار دولار؟ هل هي شركة الكهرباء الوطنية، أم الحكومة الأردنية، لتقوم بتحصيلها لاحقا من جيبوب المواطنين ؟
3. لماذا لم نعرف اسماء الموقعين على هذه الاتفاقية، ولماذا تم قبولهم ذلك الشرط الجزائي المجحف الذي ورد بها ؟
4. وزيرة الطاقة هالة زواتي، كانت تعرض الطاقة الفائضة لدينا في الكهرباء على من يشتري من دول الجوار، فما حاجتنا لهذا الغاز الإسرائيلي المسروق، طالما أن لدينا فائض من الطاقة ؟
5. يقول الخبراء أن لدينا كميات كبيرة من الصخر الزيتي، وتشكل الأردن رابع دولة بمخزونها من هذه المادة، كما أن لدينا ميناء للغاز المُسال، فما حاجتنا لوضع جزء من سيادتنا بيد العدو ؟
6. لدينا أيضا امكانيات كبيرة في توليد الطاقة المتجددة، من أشعة الشمس وطاقة الرياح، فلماذا نسلّم أمننا في هذا المجال للعدو ؟
7. من هم مالكو شركة ( اوف شور ) التي ستتولى شركة نوبل إنيرجي، بيع الغاز إلى الأردن من خلالها ؟
8. ماذا سيكون موقف السادة النواب، إذا لم تستجب الحكومة لطلبهم ؟ هل سيطرحون الثقة بها ويسقطونها مع مجلسهم، أم سيلجأون إلى سياسة : المسامح كريم ؟
في الختام أقول: إذا كانت أمريكا تدافع عن أمنها الوطني في قارة أوروبا على بعد آلاف الكيلومترات، فكيف لنا أن نخاطر بأمننا وسيادتنا الوطنية فوق أراضينا، ونسلّم أحد شرايين حياتنا طواعية للعدو الإسرائيلي ؟ وإن كان غاز العدو أرخص بكلفته الاقتصادية من غيره، فمن المؤكد إن كلفته السياسية ومخاطره الاقتصادية والأمنية على مستقبل الوطن ستكون كبيرة جدا.
وبناء عليه فإن مطلبنا الوطني الذي لا نحيد عنه، هو إلغاء اتفاقية الغاز المشؤومة، ومحاسبة كل من وقّع على هذه الاتفاقية أو أجازها، باعتباره قد ارتكب جريمة لا تغتفر بحق الوطن والمواطنين . . !
التاريخ : 5 / 1 / 2020