صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
يمر الأردن هذه الأيام بظروف داخلية وخارجية غامضة تبعث على القلق، منها ما هو مالي في المجال الداخلي، ومنها ما هو أمني في المجال الخارجي. ففي الداخل كان قد أعلن الدكتور عمر ملحس، وزير المالية في حكومة الدكتور الملقي السابقة، خلال حواره مع بعض النواب، بأنه إذا لم يُقرّ قانون ضريبة الدخل المقترح، فلن يتمكن من دفع رواتب الموظفين في المؤسسات العامة لذلك الشهر، مصرّا على تطبيقه وعدم سحبه من مجلس النواب. ذلك القانون الذي قامت ضده احتجاجات في مختلف مدن وقرى المملكة.
ورثت حكومة الدكتور الرزاز سابقتها حكومة الملقي في مطلع الشهر الماضي، فأعلن رئيسها الجديد بأنه سيسحب قانون ضريبة الدخل، الذي تسبب باحتجاجات المواطنين وإجراء حوار حوله، مع وعود بإجراء إصلاحات إدارية أخرى. فاطمأن المواطنون بنهج الحكومة الجديدة مما أدى لفضّ الاحتجاجات انتظارا لما ستفعله هذه الحكومة.
فاجأنا الدكتور رجائي المعشر نائب رئيس الوزراء / رئيس الفريق الاقتصادي في حديثه، خلال لقاء نظمته غرفة تجارة عمان يوم الخميس الماضي بقوله : ” إن مشروع قانون ضريبة الدخل الذي سحبته الحكومة من مجلس النواب غير مطروح للنقاش. وأن الحكومة ستدرسه وتأخذ بعناية كل ملاحظات الفعاليات الاقتصادية، للوصول إلى صيغة مقبولة وتوافقية حوله إلى حدٍ ما “.
كما أضاف معاليه : ” إن الأردن يواجه مشكلة مالية، والحكومة تقترض من أجل دفع الرواتب، كون النفقات الجارية تفوق الإيرادات المحلية، ما ولّد العجز الذي يتم تمويله سنويا من خلال الاقتراض، وأن هذا يعتبر ظاهرة غير صحية ولا طبيعية لأي دولة “.
كلام بمنتهى الوضوح صدح به معاليه، ولكن هذا الحال يبعث على طرح الأسئلة التالية بقوة : أليس في هذه تصريحات الوزيرين في حكومتين أردنيتين سابقة ولاحقة، معلومات خطيرة تؤثر على معنويات المواطنين والمستثمرين، وتهز الاستقرار في البلاد ؟ وإذا كانت هذه المعلومات حقيقة فكيف للدولة أن تستمر بمسيرتها الطبيعية على حساب جيوب المواطنين ؟
كيف لدولة تعيش على الاقتراض الداخلي والخارجي لكي تسيّر أمورها الإدارية، وتدفع رواتب موظفيها شهرا بشهر، وفي الوقت نفسه تدفع فوائد عالية على القروض التي استدانتها ؟ ألا يعني ذلك أنها سائرة في طريق مظلم سيودي بها أخيرا إلى الإفلاس ؟
ومن ناحية أخرى، فعندما نرى أن المسؤولين هذه الأيام، يقضون إجازاتهم السنوية المعتادة ولفترات طويلة في بلاد الله الواسعة، رغم الضائقة المالية التي تعاني منها البلاد، ورغم خطورة الوضع الأمني والعسكري على حدودنا الشمالية، نتيجة للقتال الجاري في مدينة درعا السورية، فإننا نحاول أن نقنع أنفسنا بأن الأمور طبيعية ومطمئنة، رغم ما يعترينا من تخوف كامن في قلوبنا على سلامة وطننا.
وليسمح لي معالي نائب رئيس الوزراء بالسؤال التالي فيما يتعلق بالشأن الداخلي : طالما أن الوضع المالي في الدولة مقلق لهذه الدرجة، فماذا فعلتم لمواجهته سوى إعلانكم نظريا عن توفير 150 مليون دينار من نفقات الدولة ؟ وهذا كما تعلمون معاليكم مبلغ زهيد، لا يعالج الوضع المالي المتردي فيما يتعلق بالاقتراض المتواصل، ولا يخفف من رصيد المديونية الذي يتضخم يوما بعد يوم.
أعتقد بأن موقف الدولة الداخلي الذي نعيشه حاليا، يتطلب منكم ومن المعنيين في الدولة لإنقاذ البلاد من هذه الأزمة، إعلان حالة الطوارئ المالية لترشيد الاستهلاك عمليا، وبلا مجاملة باتباع الخطوات التالية:
حل مجلسي النواب والأعيان لمدة لا تقل عن خمس سنوات قادمة، لأنهما يشكلان عبئا تنظيميا وماليا على الدولة، والاستعاضة عنهما بمجلس استشاري لا يزيد عدد أعضائه عن 20 شخصا ممن عرفوا بالوطنية والنزاهة والخبرة.
تخفيض عدد الوزراء من 29 وزيرا إلى 15 وزيرا من ذوي الكفاءة والسمعة النظيفة.
تخفيض رواتب كبار الموظفين في القطاع العام بحيث لا تزيد عن 2500 دينار.
إلغاء أسطول المركبات الرسمية واقتصارها على عدد محدود من كبار المسؤولين التي تتطلب وظائفهم ذلك. ويجري تخصيص عدد من المركبات في كل دائرة للاستعمال الرسمي فقط.
جلب الفاسدين الذين تدور حولهم إشاعات الثراء غير المشروع، والتحقيق معهم حول ثروتهم التي لم يكن لها مقومات أساسية.
وكذلك جلب المحكومين بالاختلاس واسترداد الأموال المنهوبة.
إيقاف المشاريع غير الضرورية ومن بينها مشروع المفاعل النووي، إضافة لبعض العطاءات الكبيرة التي تُجيّر لبعض المسئولين، ممن يتحايلون على القانون في تسجيل شركاتهم بأسماء الأقارب، بينما ريعها يعود لهم في النهاية.
إيقاف الزيارات والسفرات الخارجية للمسئولين وإسناد مهماتهم للسفراء الأردنيين في الخارج.
إحياء قانون ( من أين لك هذا ؟ ) الذي يرقد في مكاتب مجلس النواب منذ سنوات طويلة.
وفي الختام أقول : إذا ما طبقت الحكومة هذه الإجراءات بصورة دقيقة وبأمانة، فأعتقد أن المواطنين سيهبون لتقديم كل ما يملكون، من أجل الحفاظ على دولتهم. وبعكس ذلك فلن يتحرك أي مواطن لإنقاذ الدولة، التي تسئ استخدام مواردها الرسمية، وتغض النظر عن الفاسدين والمختلسين.